الفراغ الأمني في مصر يعزز رواج تجارة الأسلحة

«الشرق الأوسط» ترصد خبايا عالمها في القاهرة

TT

في شارع جانبي هادئ ومظلم بأحد أحياء محافظة الجيزة غرب العاصمة المصرية، تنشط بصورة شبه علنية تجارة المخدرات والسلاح، في استغلال واضح لحالة الفراغ الأمني التي أعقبت ثورة 25 يناير، وهو الفراغ الذي يمكن القول إنه أعاد تشكيل ملامح العلاقة بين التجارتين في مصر. والمثير أن الأوضاع الإقليمية في المنطقة تلقي بظلالها، هي الأخرى، على رواج تجارة السلاح بشكل كبير.

وعبر 6 سنوات دأب علي شوكلاته (26 عاما) على العمل كوسيط (يعرف في مصر باسم «Dealer») في تجارة المخدرات، وخصوصا مخدر الحشيش. ويقول شوكلاته، وهو شاب حاصل على شهادة جامعية، لـ«الشرق الأوسط»: «مرحلة ما بعد الثورة تختلف تماما عن كل ما سبق، الآن كل شيء يحدث علانية». اللافت أن شوكلاته الذي كان موزعا مهمّا للمخدرات في منطقته تحول لتجارة السلاح التي راجت بقوة بعد الثورة. وأدى انسحاب الشرطة من الشوارع عصر الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي وتدمير جزء كبير من البنية التحتية لجهاز الشرطة المصرية إلى حالة من الفراغ الأمني الخطير، حيث تنتشر عمليات البلطجة داخل المدن، بالإضافة إلى تعدد حالات السرقة بالإكراه على الطرق السريعة، وهو ما دفع آلاف المصريين لشراء الأسلحة الشخصية الخفيفة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم. ويضع القانون المصري شروطا مشددة على حيازة الأسلحة بشكل شرعي، وذلك للسيطرة على انتشارها بين الأهالي، لكنّ جدلا أثير في البلاد حول ضرورة التخفيف من هذه القيود لضمان سيطرة السلطات المصرية على السلاح الذي بات منتشرا بصورة غير مسبوقة.

ويقول شوكلاته إن كبار تجار المخدرات في مصر لديهم مخزون كبير من الأسلحة يستخدمونها عادة للدفاع عن أنفسهم، لكنه أوضح أن تجار المخدرات يجلبون الآن شحنات من السلاح ليتاجروا فيه «لأنه مطلوب الآن أكثر من المخدرات».

وبعد سبعة أشهر من المتاجرة في الأسلحة فإن أكثر ما باعه شوكلاته كان «فردة الخرطوش» (سلاح صغير يطلق زخة من الحبيبات المعدنية في كل مرة)، الذي قال عنه إنه متوفر بغزارة في السوق والإقبال عليه شديد، حيث يقول: «الخرطوش سعره يبدأ من 200 جنيه فقط (نحو 35 دولارا)، ويتوفر بأنواع كثيرة»، كاشفا أن أحلام الربح السريع جعلت الكثير من ورش الحدادة في مصر تعمل على تصنيع الخرطوش، فصناعته كما يقول سهلة ولا تتضمن سوى تجميع وتصنيع «قطعة خشب، وإبرة إطلاق النار، وماسورة» ليصبح سلاحا، وأدت وفرته إلى انخفاض سعره حاليا مقارنة بسعره أثناء الثورة حيث وصل إلى نحو 1500 جنيه.

وفي الثلاثين من يونيو (حزيران) الماضي انتهت مهلة زمنية كانت القوات المسلحة أعلنتها لتسليم الأسلحة المسروقة من أقسام الشرطة أثناء الثورة. ويعتقد شوكلاته أن معظم تلك الأسلحة تم تهريبها خارج المحافظات السكانية إلى الأماكن النائية في الأرياف والصحراء، لكنه أوضح أن أسلحة الشرطة (الميري) - حسب وصفه - «مبلولة»، أي مثيرة للمشكلات، لذا فالإقبال عليها حاليا ضعيف. ويعاقب قانون الأسلحة والذخائر المصري كل من يحوز أو يحرز بالذات بغير ترخيص الأسلحة النارية، وتتوقف العقوبة على نوع السلاح. وتعتبر حيازة السلاح الناري جناية تتراوح عقوبتها بين السجن ثلاث سنوات حتى الأشغال الشاقة المؤبدة، ولكنها تصل لحد الإعدام في حال كان استخدامها يخل بالأمن العام أو السلام الاجتماعي.

وصاحب غياب الوجود الشرطي في أحياء القاهرة والمحافظات المصرية اختفاء مخبري الشرطة، وهو ما جعل شوكلاته يثق أن تجارته الجديدة تتم إلى حد كبير في أمان وبعيدا عن أعين الشرطة. وتابع قائلا بنبرة تملأها الثقة: «ربما لا يعرف البعض أن هناك باعة جائلين للأسلحة، وأن المشترين يجربون الأسلحة جهارا دون خوف، فالرقيب غائب». ولكنه استردك قائلا: «الخطر الأكبر ليس في تسليم السلاح، لكن في التنقل به بين المحافظات أو بين أحيائها»، مشيرا إلى أن كثيرين قبض عليهم أثناء نقل الأسلحة.

وأدى انتشار كمائن الشرطة العسكرية بين المدن الرئيسية إلى تفاوت واضح في أسعار الأسلحة وفقا لأماكن تسليمها، فالأسعار تقل بمعدل ألفي جنيه خارج المدن السكنية. وأكد شوكلاته أنه لا يقوم بتسليم أي سلاح إلا في منطقته أو في منطقة سماها بالآمنة، وهو ما يقصد به أن هناك أتباعا له فيها، كما كشف عن أنه لا يبيع إلا لأشخاص يعرفهم ويثق فيهم.

ما يزيد الأمر سوءا هو تعدد مصادر دخول الأسلحة لمصر، فالفوضى على الحدود المصرية الليبية لا تزال خارج السيطرة، وهو ما استغله تجار المخدرات في تهريب شحنات أسلحة كبيرة من ليبيا، يعتقد أنها من مخازن الجيش الليبي، تهرب عبر طرق ودروب خاصة حتى تصل إلى الصعيد ومنه إلى مخازنها خارج المحافظات، لكن يُعتقد أن جزءا منها يتسرب عبر سلسلة جبال الأحمر إلى سيناء ومنها إلى قطاع غزة.. وذلك بحسب تاجر للأسلحة ينشط في مصر تكلم لـ«الشرق الأوسط» في وجود وسيط.

وأوضح التاجر أن أهم شحنات الأسلحة وأكثرها مبيعا كجملة هي الأسلحة الآلية، التي تختلف أسعارها حسب العيار، لكن أكثرها مبيعا هو الآلي ذو الـ36 طلقة، والمسمى «رجل غراب»، والذي يبدأ سعره من 14 ألف جنيه ولا يقدم على شرائه سوى طبقات اجتماعية ميسورة أو العصابات المتمرسة في الإجرام.

وخلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي ضبطت السلطات المصرية شحنة أسلحة متطورة في محيط قناة السويس، كما ضبطت كميات كبيرة من الأسلحة على الحدود مع ليبيا. ويعتقد التاجر أن كليهما مر في طريق واحد للسلاح في مصر، دون إعطاء تفاصيل.

ورغم أن شوكلاته يحقق أرباحا معقولة من تجارة الأسلحة، فإنه يقول إن أرباحه من تجارة الحشيش أكثر بمرات عدة، فعدد المقبلين على شراء المخدرات أكبر كما أن توزيعها أسهل.