غروزني تودع خراب الحرب وتعانق الأبراج الشاهقة

مشاريع واعدة تتضمن منتجعا للتزلج وحديقة مائية.. وتشديد على معالجة الآثار النفسية للصراع

المسجد المركزي الجديد في غروزني وتبدو خلفه ناطحات سحاب (نيويورك تايمز)
TT

بعد أن عرفت بالمدينة التي مزقتها الحرب، شهدت غروزني، أول من أمس افتتاح مجمع من الأبراج الشاهقة، وازدانت باللافتات والأضواء المبهرة ومشاهير الضيوف الذين كانت بينهم فانيسا ماي عازفة الكمان الشهيرة. وكان تطوير مدينة غروزني الجديدة، أهم ملامح التحول الذي غير وجه العاصمة الشيشانية من مدينة دمرها الخراب في أعقاب الحروب في التسعينات والذي بقي ماثلا حتى سنوات قليلة مضت.

وعوضا عن القذائف والقنابل، صبت موسكو مليارات الروبلات في شيشان ما بعد الحرب لدعم وطمأنة الرئيس الشيشاني المنتخب رمضان قادروف، زعيم الحرب السابق الذي قاتل في السابق ضد القوات الروسية.

تطل المباني التي ترتفع بطول 45 طابقا على مدينة جديدة تماما، حيث المتنزهات والشوارع الفسيحة والنوافير وبساتين الزهور، عدا بعض الآثار البسيطة التي تذكر بعقد من الحرب الانفصالية.

وبدلا من المباني الخربة والمتهدمة التي خلفتها الحرب، تحولت غروزني إلى مدينة أشبه بالخيال تضم أرضا للمعارض وحلبة للتزلج على الجليد وهناك خطط لإنشاء حديقة مائية، ومضمار سباقات ومركز ثقافي ومنتجع للتزلج.

ويقول آندي ميرونوف، الذي يعمل مع مجموعة ميموريال للدفاع عن حقوق الإنسان ومقرها موسكو، عن الكرملين: «أدركوا أخيرا أن الحرب تكلف أكثر. ويبدو أن النظام الشيشاني كفائز حصل على المال من الدولة المهزومة».

وهذه الوفرة في عمليات البناء وإعادة إحياء بريق مدينة غروزني، كان تطورا غير عادي في الجمهورية التي كانت تحظى بالكاد باقتصاد قائم بذاتها. ويشير ليوما تيربالوف، رئيس تحرير صحيفة «غروزنسكي رابوتشي»، الصحيفة الأسبوعية المستقلة إلى أن نسبة البطالة في الشيشان تصل إلى 85 في المائة، لكن الشيشان تعتمد على الإعانات القادمة من موسكو والتي لا يتم الإعلان عنها بصورة علنية.

بيد أن البعض مثل تايسا عيساييف، 40 عاما، وهي صحافية سابقة تعمل حاليا في مجال حقوق الإنسان، ترى أنه رغم التكلفة الكبيرة التي أنفقت في سبيل إعادة إعمار المدينة، فإن آثار الحرب لا تزال ناشبة أظفارها في نفوس سكانها. وتقول عيساييف: «أنت تحكم على كل المباني الجميلة، لا على الحالة النفسية للأهالي، فالجميع يتحدثون عن المباني الجديدة. لخمسة أو ستة عشر عاما كنا نعيش هنا خلال الحرب، كنا مدمرين، و90 في المائة من الشيشانيين مصابون بأمراض نفسية».

وعلى الرغم من كل هذا البريق الخارجي من السلام والرفاهية، لا تزال غروزني مكانا خطرا. فقد عاد الهدوء إلى المدينة في ظل حكم قادروف القوي، لكن شوارعها الآمنة لا تزال تعج بالعنف الكامن.

فرجال الشرطة الذين ارتدوا زيا أزرق اللون مموها يحملون البنادق الآلية خلال الدوريات في المتنزهات والمقاهي ومتاجر البيتزا ووكالات السياحة التي تغص بالملصقات الدعائية التي تعلن عن رحلات إلى دول البحر الأبيض المتوسط.

وقد طلب من رجال الشرطة الوقوف على أهبة الاستعداد لتأمين الاحتفالات يوم الأربعاء، التي وافقت بلوغ الرئيس الشيشاني سن الخامسة والثلاثين، فأغلقت الطرق الرئيسة، ووردت تقارير تفيد بتفتيش الشرطة للمنازل الواحد تلو الآخر، وتتفحص وثائق السكان.

وقد أنكرت المغنية الكولومبية شاكيرا في رسالة نصية على موقع «تويتر»، أنه تم التعاقد معها لحضور حفل افتتاح مدينة غروزني، لكن قادروف أصر على أنها تلقت دعوة بذلك، وقال إن تقارير منظمات حقوق الإنسان التي تحدثت عن عمليات الاختطاف والتعذيب هي التي منعتها من الحضور.

وقال في بيان نشرته وكالة الصحافة الفرنسية: «كتب نشطاء حقوق الإنسان رسالة إلى شاكيرا يحذرونها من الحضور إلى الشيشان، لأن السلطات هنا تقتل الأفراد وتنتهك حقوق الإنسان. وأعداء الشعب فقط هم الذين يكتبون ذلك».

وفي مقابل كرمه، حظي الكرملين بنوع من الهدوء النسبي في الشيشان وهو ما تراه موسكو نجاحا لسياسة رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الخاصة بالشيشان.

وقد تخلت الحكومة في موسكو عن الحكم الذاتي لقادروف، وبات يفرض سلطاته الخاصة التي تشمل فرض معايير مثل حظر الكحول والمقامرة والضغط على النساء لارتداء الزي الإسلامي.

وقال أندري بيونتكوفسكي، المعلق السياسي في موسكو: «إنهم يفضلون الموقف الحالي، إنهم يستمتعون بكونهم مستقلين إضافة إلى الأموال الكثيرة التي تأتيهم من موسكو».

وقد نجح قادروف ورجاله الذين عادوا من الغابات في قمع الكثير من التمرد وجعل الشيشان أكثر استقرارا في منطقة شمال القوقاز المضطربة.

وقد تحول مركز العنف إلى جمهورية داغستان الواقعة شرق الشيشان، حيث أورد موقع «كوكازيان نوت»، المستقل، نبأ مقتل 315 شخصا وإصابة 224 آخرين خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي. في حين كانت الإحصاءات أقل بكثير في الشيشان حيث وصل عدد القتلى إلى 81 والجرحى إلى 103، وهو ما يعتبر انخفاضا ملحوظا عن السنوات القلائل الماضية.

ويبدو بناة غروزني أكثر تفاؤلا. ويقول ناسوخانوف شديد، كبير المهندسين: «لدينا الآن مدينة مميزة تقف على قدم المساواة مع موسكو وسان بطرسبرغ. لكن من يعيشون فيها يعلمون أن الصراع لم ينته بعد. وقالت زاميرا يوتسيفا: 38 عاما، وهي أستاذة في الصحافة إن خسارة ابنها وزوجها لا تزال تلاحقها، وكل شيشاني لديه هذه الحرب الداخلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»