على عكس دعايات النظام السوري بشأن تراجع المظاهرات الاحتجاجية، خرجت مظاهرات حاشدة في مختلف أنحاء البلاد أمس في جمعة «المجلس الوطني السوري يمثلني»، لتؤكد دعمها وتأييدها للمجلس الوطني السوري ومنحه التفويض لتمثيل الثورة السورية، في تحد كبير للنظام السوري وأجهزته الأمنية وقوات الجيش المنتشرة في كل أرجاء البلاد، والتي صعدت من استخدامها للعنف بعد شعور بالارتياح لاستخدام روسيا والصين حق الفيتو لمنع إصدار مجلس الأمن قرار يدين الممارسات القمعية والعنف المفرط بحق المتظاهرين السوريين.
إلا أن المتظاهرين الذين خرجوا يوم أمس لتأييد المجلس الوطني، قاموا بإحراق صور زعماء روسيا والصين، وأكدوا أنه لا تراجع عن الثورة حتى نيل الحرية وإسقاط النظام. وفي تطور بارز تمت إزالة صورة كبيرة للرئيس بشار الأسد من أكبر ساحات مدينة حلب التي نجح النظام حتى الآن في إبعادها إلى حد ما عن دائرة الاحتجاجات.
وقال ناشطون إن صورة للأسد في ساحة سعد الله الجابري تمت إزالتها من قبل السلطات، وذلك بعد نجاح «الثوار في تلطيخها باللون الأحمر كناية عن لون دماء السوريين التي يريقها نظام الأسد». كما تحدثت مصادر محلية عن سماع إطلاق نار في محيط قلعة حلب وسط المدينة، من دون تحديد سبب ذلك. وخرجت مظاهرات حاشدة أمس في عدة مناطق في ريف حلب.
وفي حصيلة القتلى يوم أمس، سقط ثمانية مدنيين بالرصاص كما قال ناشطون، وقتل تاسع في كمين. فقد قتل ثلاثة مدنيين، منهم اثنان برصاص قناصة في مدينة دوما وآخر في مدينة الزبداني القريبتين من دمشق، كما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقتل أربعة آخرون منهم مسنان برصاص قوات الأمن في حمص (وسط) حيث أصيب 25 شخصا على الأقل، كما قال المصدر نفسه. وأطلقت قوات الأمن النار لتفريق مظاهرة كبيرة في معرة النعمان بمنطقة إدلب قرب الحدود التركية، فأصيب خمسة أشخاص بجروح.
وقال المرصد السوري إن مدنيا قتل في قرية خربة الجوز التابعة لمدينة جسر الشغور «على أثر كمين نصبه له مع آخرين ضابط اتصل بهم وادعى أنه يريد الانشقاق عن الجيش السوري». وأضاف المرصد أن الضابط «طلب منهم مساعدته في الهروب من سوريا، وبمجرد وصولهم إلى المنطقة المتفق عليها اعتقل اثنان وقتل هو جراء إطلاق الرصاص عليه».
وفي دمشق وريفها، شهدت عدة أحياء في المدينة مظاهرات على رأسها حي الميدان العريق، الذي تحولت غالبية مساجده منذ شهر رمضان إلى بؤر للتظاهر وأبرزها جامع الحسن، الذي يستمر في التظاهر منذ نحو ستة شهور رغم محاصرته الكثيفة بعناصر الأمن. وكل يوم جمعة يكون المصلون في جامع الحسن على موعد مع ملاحقات عناصر الأمن والشبيحة، ويوم أمس تعرض النائب السابق في مجلس الشعب والمعارض البارز رياض سيف لاعتداء بالضرب بعد خروجه من جامع الحسن عقب صلاة الجمعة وجرى نقله إلى المشفى.
وقال أحد المتظاهرين من الذين كانوا في مسجد الحسن يوم أمس بعد انتهاء الصلاة، إنه لدى الخروج من الجامع اقتحم الشبيحة وعناصر الأمن وفتية من مؤيدي الرئيس ومعهم عصي كهربائية وسكاكين جامع الحسن من الباب الخلفي، فقام الموجودون من كبار السن ملاقتهم ومحاولة تهدئتهم، إلا أن هؤلاء راحوا يشتمون وبدأوا في الهجوم والضرب، فتم التصدي لهم من قبل المصلين وأجبروهم على الانسحاب، بعدها تابع المتظاهرون هتافهم فعمد كبار السن إلى إسكاتهم طالبين منهم فض المظاهرة. بعدها عادت قوات الأمن والشبيحة لملاحقة الخارجين من الجامع إلى الحارات، وجرى ضرب الناس بشكل عشوائي.
في تلك الأثناء خرجت مظاهرة كبيرة من جامع الغواص القريب من الميدان، وراحت قوات الأمن والشبيحة تركض باتجاه المتظاهرين. وأضاف المتظاهر أن الشبيحة اعتدوا بالضرب على رياض سيف الذي كان يصلي بجامع الحسن وانتظروه حتى خرج وقاموا بالهجوم عليه وضربه بشدة.
وفي منطقة كفرسوسة في دمشق خرجت مظاهرة من جامع الهادي دعما للمجلس الوطني وللمطالبة بسقوط النظام على الرغم من الوجود الأمني حول الجامع. وكما خرجت مظاهرات في الحجر الأسود لتأييد المجلس الوطني، وفي منطقة برزة، فإنها خرجت أيضا من جامع الضيعة تنادي بإعدام الرئيس وإطلاق سراح المعتقلين، رغم الانتشار الأمني الكثيف في المنطقة.
وفي ريف دمشق، خرجت المظاهرات في عدة مدن ومناطق، منها دوما وحرستا والزبداني وغيرها. وتم تفريق غالبية المظاهرات بالرصاص، وأسفر ذلك عن سقوط عدد من القتلى والجرحى لا سيما في مدينتي دوما والزبداني، حيث سقط أول قتيل يوم أمس وهو سيف الدين رحمة في الزبداني.
وقال ناشطون إن عناصر الأمن قاموا باختطاف جثمان عصام محمد النائب وتم نقله إلى المشفى العسكري. كما وقع خمسة جرحى مع عشرات المعتقلين، مع الإشارة إلى اعتقال خطيب جامع الآغا وإطلاق سراحه بعد ساعة. وذكرت مصادر محلية في دوما أن عناصر في الجيش كان معهم يوم أمس سلاح «بي كيه سي» و«آر بي جي»، تمركزوا يوم أمس في شارع القوتلي وسط دوما موجهين أسلحتهم نحو المصلين. كما حذر سكان في دوما من انتشار القناصة فوق عدد كبير من المباني منها بناء الحجر عند مدخل عبد الرؤوف وبناء الزهيري مقابل سجن النساء. وقالوا إن هناك بعض الشوارع خالية من الأمن ولكن القناصة منتشرون فوق معظم المباني.
وفي منطقة الحجارية في دوما، قال ناشطون إن وجودا أمنيا مكثفا سجل هناك يوم أمس، حيث تم منع التجول، وتم وضع حواجز عند مفرق الدوير، وجرى اعتقال نحو 200 شخص، مع مداهمة لأكثر 100 منزل. وفي بلدة داريا جرى نشر كثيف لقوات الأمن في البلدة منذ صباح يوم أمس، وتمت محاصرة جامعي البشير والمصطفى.
وفي محافظة إدلب، قالت مصادر في التنسيقيات إن الإحصاءات التقديرية تشير إلى أن أكثر من مائة ألف متظاهر خرجوا في ريف معرة النعمان الشرقي في جرجناز، ونحو 40 ألفا في جبل الزاوية في كفرعويد. ومن جانبها، قالت مصادر محلية إن قوات الأمن والجيش أطلقت النار على المتظاهرين وسط بلدة كفرومة، قبل أن تتمركز خمس دبابات وثلاث سيارات «زيل» وسط البلدة، وتنطلق عناصر الأمن والجيش في ملاحقات للمتظاهرين في الأحياء.
وفي مدينة معرة النعمان، اقتحمت قوات الجيش والأمن والشبيحة ساحة الجامع الكبير، وراحوا يطلقون نارا كثيفة لتفريق المتظاهرين. وفي قرية ناجية، تمت محاصرة مسجد الشيخ أحمد ياسين ومُنع خروج المظاهرة.
وفي مدينة حمص، استمر خروج المظاهرات وعلى نحو ما زال يذهل المراقبين للأوضاع في سوريا، إذ رغم التشديد الأمني والحصار العسكري للأحياء وتقطيع أوصال المدينة، تخرج المظاهرات يوميا، لتزداد أيام الجمع. وقال ناشطون إن عناصر الأمن قاموا بملاحقة المتظاهرين في الحمرا والذين خرجوا من جامع عمر بن الخطاب ومن جانب مدرسة هاشم الأتاسي وفي حي الفوطة والكورنيش، وإن مدرعات تمركزت في الكورنيش لتفريق المظاهرات التي تجمعت في الغوطة.
كما قالت مصادر محلية إن قوات الأمن قامت بإطلاق النار المباشر على نوافذ جامع العدوية وأن خمس إصابات وقعت هناك. كما شنت حملة اعتقالات في حي كرم الشامي عقب المظاهرة بالقرب من مسجد الأخيار، حيث هجم الأمن والجيش على الجامع وقاموا باعتقال بعض المصلين. وفي باب دريب وباب هود، جرى إطلاق نار أسفر عن سقوط جرحى، في حين وصفت مصادر محلية حي باب السباع بعد خروج المظاهرة بأنه تحول إلى ساحة حرب، جراء إطلاق النار الكثيف الذي تعرض له الحي، وإلقاء القنابل الصوتية المدوية. وقال أحد السكان أن إحدى المدرعات ألقت بقنبلة مسمارية في باب السباع، إلا أنها انفجرت في منطقة خالية ولم يصب أي من الأهالي بأذى. كما تم إطلاق قذائف «آر بي جيه» وإحدى القذائف أصابت محل للألبسة في وسط الحي.
وفي حماه الرازحة تحت سيطرة أمنية وعسكرية شديدة، خرجت مظاهرات طيارة في عدة أحياء، إلا أن مظاهرات حاشدة خرجت في ريف حماه في بلدات طيبة الأمام واللطامنة وكفرنبودة وقلعة المضيق وحلفايا وكرناز. وقال ناشطون إن قوات الأمن قامت بإطلاق الرصاص لتفريق المتظاهرين في حيي القصور والحميدية، وإن المتظاهرين الذين خرجوا من جامع التوحيد في طريق حلب استمروا في التظاهر في مواجهة قوات الأمن التي وصلت إلى دوار البحرة.
وفي درعا، خرجت مظاهرات في درعا البلد والمحطة وفي بلدات عديدة. وأيدت مظاهرات حوران المجلس الوطني، ونادت بإعدام الرئيس. كما خرجت مظاهرات في شرق البلاد في البوكمال والطيانة ودير الزور وبلدة القورية. وفي الشمال الشرقي، خرجت مظاهرات عدة في الرقة والقامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين، وجميعها أيدت المجلس الوطني وأدانت الموقفين الروسي والصيني.
وفي مدن الساحل، قال ناشطون إن مظاهرة خرجت في مدينة جبلة، لكن الانتشار الأمني المسلح منع المظاهرات من الخروج في مدينتي اللاذقية وبانياس، حيث شوهدت قوات الأمن بالعتاد الكامل تحاصر جامع الفتاحي في منطقة الصليبية في اللاذقية. كما شوهد عناصر أمن بلباس مدني مسلحين (الشبيحة) وعناصر جيش باللباس الميداني الكامل يحاصرون جامع غريب قبل انتهاء صلاة الجمعة.