سكان طرابلس يشكون عمليات تنصت واسعة على اتصالاتهم الهاتفية

معلومات عن حيازة كتائب من الثوار لأجهزة تنصت إضافة لتورط مخابرات أجنبية

ليبي يتحدث إلى أحد مقاتلي المجلس الانتقالي خلال مظاهرة قام بها ليبيون تضررت بيوتهم خلال القتال في طرابلس (رويترز)
TT

رغم أن الليبيين تخلصوا من نظام حكم العقيد الهارب، معمر القذافي، منذ نحو شهر، فإن الطبيعة الأمنية والعسكرية التي تدار بها الأمور في العاصمة الليبية طرابلس التي يسيطر عليها الثوار، باتت تشعر السكان، الذين يربو عددهم على مليون ونصف المليون نسمة، بأن عقلية نظام القذافي لا تزال تعمل بكفاءة منقطعة النظير.

فإلى جانب الذعر الليلي، المتمثل في استمرار ظاهرة إطلاق النار من أسلحة الثوار الذين لا يزالون يعبرون عن فرحتهم بدحر قوات القذافي، بإطلاق النيران من أسلحتهم عشوائيا في الهواء، يشكو سكان طرابلس من تعرض اتصالاتهم الهاتفية بمختلف أنواعها، سواء الجوالة أو الأرضية، لعمليات تنصت من قبل جهات مجهولة بعضها محلي وبعضها الآخر أجنبي.

ولا يعرف أحد بشكل قاطع، طبيعة تلك الجهات التي تتولى هذه المهمة، التي كان يقوم بها جهاز المخابرات الليبية في حقبة القذافي، لكن أصابع الاتهام سرعان ما تشير إلى تورط كتائب مسلحة من الثوار، إضافة إلى أجهزة مخابرات أجنبية في عملية تعقب ورصد كافة الاتصالات الهاتفية التي تدور في محيط طرابلس وداخلها.

تقول «هنا» التي تدرس الطب في جامعة طرابلس (الفاتح سابقا)، إن الشعور بمراقبة الخطوط الهاتفية بات أمرا طبيعيا، فالجميع يدرك أن كل اتصالاته خاضعة للرقابة والفحص.

وتلاحظ هنا، التي رفضت تقديم اسمها بالكامل خشية تعرضها للأذى، «أن الأمر يبدو سخيفا للغاية، فكل المكالمات حتى الشخصية منها، يخضع للرقابة»، مضيفة أنه «شعور سخيف أن تكون تتكلم على الهاتف مع أصدقائك في أمور خاصة، وتجد من يستمع إليك في كل الاتصالات التي اعتدت أن تجريها، وتسمع أصواتا بعيدة أو شوشرة محدودة، ما يدفعنا إلى تقليل المدة التي نستهلكها عادة في المكالمة».

ويقول ناشط سياسي في طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية كان الأمر محبطا ومؤسفا، اعتدنا الوضع، لم يعد الهاتف وسيلة آمنة للاتصال، البعض لجأ إلى استخدام هواتف مرتبطة بالأقمار الصناعية، وحتى بعض المسؤولين لديهم خطوط بريطانية لتفادي التجسس عليهم».

لكن الأمر بالنسبة لبعض الثوار يبدو عاديا، يقول أحد قادتهم مشترطا عدم تعريفه: «نحاول تعقب أي اتصال قد يبدو بريئا لكنه قد يحمل إلينا الخيط الذي يوصلنا إلى القذافي أو أحد أبنائه»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «هناك طابور خامس في العاصمة، والتنصت على الهواتف مشروع لإيجاد هذا الطابور واكتشافه».

وقبل أن يتمكن الثوار من اجتياح المقر الحصين للعقيد القذافي في ثكنة باب العزيزية بالعاصمة الليبية، في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، كانت مراقبة الهواتف من مهمة أجهزة الأمن المحلية والاستخبارات الليبية، التي حصلت على أجهزة عالية التقنية مستوردة من حلفاء القذافي السابقين في الاتحاد الأوروبي.

يقول صحافي ليبي في طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان هذا مقبولا خلال الحقبة السابقة، فإنه لم يعد مستساغا ولا مفهوما خلال الوقت الراهن. يفترض أننا نعيش أجواء حرية ونتنفس للمرة الأولى رياح الديمقراطية، لكن من المؤسف أننا لا نستطيع استخدام الهاتف بحرية كاملة».

«ليس لدى أحد فكرة محددة وواضحة عن الجهة التي تتولى التنصت على مكالمات سكان طرابلس»، يقول مسؤول في المجلس الوطني الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»، ويتابع: «من جهتنا نهتم بالاتصالات العسكرية فقط.. (الاتصالات) المدنية لا نتجسس عليها، هذه حرمات مواطنين».

لكن المسؤول نفسه يقول أيضا: «ربما بعض الكتائب المسلحة في طرابلس تقوم بالأمر، بالفعل كان لديها أجهزة قادرة على تعقب المكالمات والتنصت عليها، نتحدث عن ثلاث أو أربع كتائب فقط لديها القدرة على فعل ذلك».

ويخشى الكثير من المسؤولين في المجلس الانتقالي التطرق إلى هذه المسألة الحساسة والمعقدة من وجهة نظرهم. يقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «هذا جانب من الفوضى الأمنية والعسكرية التي تعيشها طرابلس، ليس بمقدورنا، في الوقت الحالي، إلزام الجميع بما نريده، هذه مشكلة أخرى».

وأضاف: «إذا كان بعضهم (الثوار) يرفض إلى الآن الانصياع إلى تعليمات المجلس الوطني بتسليم أسلحة مقاتليه أو نقل سلاحهم إلى خارج العاصمة، فإنهم بالضرورة سيتجاهلون أي حديث عن وقف التنصت على الهواتف».

ومع وجود فوضى إدارية في المؤسسات التي يفترض أنها خاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي، فإن المسؤولين السابقين في قطاع الاتصالات، يتجنبون الخوض في الأمر خشية التعرض لما لا تحمد عقباه.

وأقر عبد الله أحمد ناكر الزنتاني، رئيس مجلس ثوار طرابلس لـ«الشرق الأوسط»، بوجود حالات تنصت على الهاتف قام بها الثوار مؤخرا. وأضاف: «يتم ذلك لأسباب أمنية، تمكنا من العثور على أحد المفقودين لدينا بتعقب هاتفه لنكتشف أن من يستخدمه هم من قتله، وكان من الطابور الخامس».

ومع ذلك يعتقد الزنتاني، أن التجسس على المكالمات المدنية لسكان طرابلس، ليس مقبولا ولا أخلاقيا، مضيفا: «هذا أمر لا نقبله ولن نسكت عنه، إذا اكتشفنا المتورطين سنعاقبهم»، مشيرا إلى أنه وجه رسالة إلى مديري شركتي «ليبيانا» و«المدار»، المسؤولتين عن خدمات الهواتف الجوالة في العاصمة لدراسة هذه المشكلة.