«المريناب».. قرية هادئة فجرت أحداث ماسبيرو

سميت باسم الجد «مرين».. وأهلها يعيشون في سلام منذ 300 عام

TT

عندما حل الجد «مرين» على هذه المنطقة التي تقع شمال مدينة أسوان قبل نحو 300 عام، لم يكن يعلم أن هذه المنطقة التي حملت اسمه ستكون محل أنظار الكثيرين خارج مصر وداخلها في هذه الأيام.

«المريناب» قرية صغيرة بمركز إدفو بصعيد مصر (تبعد عن القاهرة 750 كم جنوبا)، وعلى الرغم من مساحتها الصغيرة التي لا تتعدى 4 كيلومترات مربعة، فإنها فجرت حدثا مأساويا في القاهرة، خلَّف عشرات القتلى ومئات المصابين، أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو).

ففي القرية الهادئة اندلعت اشتباكات منذ 10 أيام بين مسلمين ومسيحيين على خلفية محاولة تحويل مضيفة إلى كنيسة، وهو الأمر الذي أغضب أهالي القرية من المسلمين، الذين اعترضوا على تحويل المبنى إلى كنيسة باعتبار أن تلك الأعمال مخالفة للقانون لعدم حصول المسيحيين على تصريح بالبناء، وعدم وجود كنيسة من الأصل في قريتهم. وتسارعت وتيرة الأحداث على خلفية تأكيد المسيحيين أنهم يصلون بالكنيسة منذ 40 عاما. ثم انتقل المشهد برمته إلى مظاهرة قبطية، استهدفت وقفة احتجاجية أمام مبنى ماسبيرو بالقاهرة، الذي شهد أعمال عنف واشتباكات مساء أول من أمس؛ لكن الوضع في القرية، حسب شهود العيان، يسوده الآن هدوء حذر بعد أن فرضت قوات الأمن المركزي حراسة مشددة عليها خشية وقوع أحداث انتقامية من المسيحيين أو المسلمين.

أهالي المريناب من المسلمين نفوا وجود أي توتر في القرية الآن، وقالوا إنهم نظموا أمس لجانا شعبية لحماية الأرواح والممتلكات الخاصة بالمسيحيين، مثل اللجان التي شارك فيها المسيحيون عقب ثورة «25 يناير» بالقرية، وهو ما أكده علاء المرينابي (مسلم)، قائلا: «هناك مساعٍ للتوفيق بين طرفي القرية، المسلمين والمسيحيين، لتهدئة الأوضاع والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف حول مبنى المضيفة أو الكنيسة».

وعبَّر مسلمو القرية عن استيائهم من تعامل الإعلام المصري والخارجي معهم، وتشبيههم بـ«البلطجية»، وأنهم تعاملوا بعنف مع إخوانهم المسيحيين.

وهو ما نفاه المسلمون في اتصالات مع «الشرق الأوسط»، مؤكدين عمق العلاقة مع المسيحيين في القرية. وحسب رواية أحمد محمد الصغير (مسلم): «كنا نبتاع ونشتري من بعضنا البعض، وكانت بيوت القرية بيتا واحدا، لا فرق بين مسلم ومسيحي، الكل يقف موقفا موحدا في الأفراح وفي الجنائز».

وهو ما أكده أيضا يوسف معوض (مسيحي)، الذي طالب المسيحيين بالهدوء، قائلا: «نحيا في المريناب مع المسلمين حياة سلمية هادئة منذ عقود».

ويبلغ عدد سكان القرية من المسلمين 15 ألف نسمة يسكنون في 900 بيت (بناية ريفية)، وعدد المسيحيين 70 شخصا يقطنون في 15 بيتا (بناية ريفية)، ويعمل معظم أهل القرية بالزراعة.

وتابع أحمد محمد الصغير، من شباب القرية: إن الجد مرين ينتسب إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وحل بالقرية مهاجرا من جزيرة المنصورية التي تقع في مدنية كوم أمبو (على بعد 60 كيلومترا شمال المريناب)، وإليه ينتسب أكثر من 95% من أهالي القرية.

وقال الصغير: «إن القرية تضم 6 مساجد، وكان المسيحيون يمارسون شعائرهم الدينية في مضيفة من دور واحد»، موضحا أن خطب الدعاة في مساجد القرية تدعو إلى التعامل بالحسنى مع المسيحيين، ولا يوجد في القرية خطيب أو إمام مسجد واحد متشدد، فمعظم الدعاة من الصوفية يتبعون المنهج الوسطي، مضيفا: «ليس معنى أن إمام مسجد أخطأ في توصيل رسالته، أن تتم معاقبة الجميع بذنبه (وكان أحد أئمة القرية قد دعا المسلمين إلى هدم قباب المضيفة أو الكنيسة بالقوة)».

وسرد الصغير: إن أهالي القرية لا يتحدثون في السياسة مطلقا، ولا يتجمعون في أماكن واحدة إلا في المناسبات، فالجميع يلزم داره (بيته) – على حد تعبيره - عقب صلاة العشاء، بعد عناء يوم طويل في العمل بالأرض الزراعية.