توالي ردود الأفعال الدولية على أحداث ماسبيرو

تراوحت بين مطالبة كافة الأطراف بضبط النفس.. والدعوة لحماية دولية للمسيحيين

مسيحيون غاضبون بعد تشييع جنازة 17 مسيحيا من ضحايا الاشتباكات التي وقعت يوم الأحد الماضي بين سمحتجين مسيحيين وقوات من الجيش المصري أمام مبنى التلفزيون بالقاهرة (أ.ب)
TT

في الوقت الذي هدد فيه محامون مصريون بأنهم بصدد دراسة التصعيد الدولي القانوني، على خلفية المواجهات التي وقعت مساء الأحد الماضي بين متظاهرين أقباط وقوات تابعة للجيش والشرطة، والتي خلفت 25 قتيلا وأكثر من 300 جريح.. توالت ردود الفعل العالمية، والتي تراوحت بين المطالبة - لكافة الأطراف - بضبط النفس، والمطالبة بتحقيق دولي مستقل أو حتى الدعوة إلى الحماية الدولية للمسيحيين.

وقال المحامي القبطي نبيل غبريال، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) «نعقد اجتماعات تضم محامين أقباطا من مطرانيتي القاهرة والجيزة لبحث اتخاذ إجراءات قانونية كما نعكف على دراسة خيار التصعيد الدولي عن طريق اللجوء إلى الأمم المتحدة للمطالبة بلجنة تحقيق دولية».. بينما اعتبر محامي الكنيسة الأرثوذكسية رمسيس النجار خيار اللجوء للمجتمع الدولي والمطالبة بلجنة تحقيق دولية بأنه «ليس له سند قانوني»، فيما تقدم رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان نجيب جبرائيل ببلاغ للنائب العام عبد المجيد محمود «اتهم فيه وزير الإعلام أسامة هيكل (بصفته المسؤول عن التلفزيون المصري) بالتحريض على قتل الأقباط».

وجاءت ردود الأفعال الإقليمية رزينة في معظمها وتدعو إلى ضبط النفس.. حيث ناشدت السعودية المصريين «بضبط النفس وتحكيم العقل والحفاظ على وطنهم»، وقال مصدر سعودي مسؤول، في بيان له الليلة قبل الماضية، «تتابع المملكة بألم وأسى شديدين أحداث الاضطرابات الأخيرة التي تشهدها جمهورية مصر العربية الشقيقة، وأدت إلى وفاة العديد من الضحايا الأبرياء». وأضاف «تناشد المملكة في الوقت ذاته جميع الأشقاء في مصر بضبط النفس وتحكيم العقل، والحفاظ على وطنهم الغالي الذي يعتبر القلب النابض للأمة العربية والإسلامية.. بلدا آمنا موحدا ومستقرا ومزدهرا. البلد الذي ضرب الله به مثلا في الأمن في كتابه الكريم بقوله تعالى (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)».

وفي السياق ذاته، حثت الحكومة الكويتية المصريين على إعلاء مصلحة البلاد والحفاظ على الوحدة الوطنية. وعبر مجلس الوزراء عن عميق الأسف والقلق إزاء «الأحداث المؤسفة التي شهدتها مصر»، مؤكدا أنها «تنال من أمن واستقرار جمهورية مصر العربية الشقيقة». كما أكد على «تضامن دولة الكويت قيادة وشعبا مع جمهورية مصر العربية الشقيقة من أجل الحفاظ على أمنها وسيادتها واستقرارها».

كما أعربت تركيا عن «قلقها العميق» إزاء الأحداث التي شهدتها منطقة «ماسبيرو»، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان نقلته صحيفة «تودي زمان» أمس إن «حماية الوحدة والسلام الاجتماعي تكتسب حاليا أهمية أكثر من أي وقت مضى، حيث تشهد مصر عملية تحول ديمقراطي». و«نعتقد بصدق أن مصر ستنهي بنجاح عملية التحول التاريخية، كما أننا على ثقة بأن التسامح العميق وحسن تقدير الشعب المصري لن يسمحا بالتحريض على التمييز الديني والعداء بين الطوائف الدينية».

وعالميا، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن حزنه العميق لما حدث من اشتباكات، ودعا مون الشعب المصري إلى الحفاظ على ما سماه بـ«روح التغييرات التاريخية»، مشيرا إلى الثورة المصرية في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقال البيان الصادر عن مكتبه إن مون يناشد جميع المصريين البقاء متحدين، ويدعو السلطات الانتقالية في البلاد لضمان حقوق الإنسان والحريات المدنية لجميع المواطنين - بغض النظر عن دينهم. وأضاف مون «إنني أكرر دعوتي للانتقال بشكل منظم وسلمي لتحقيق التطلعات المشروعة للشعب المصري، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية تؤدي إلى إقامة حكم مدني ذاتي».

ولكنّ جانبا آخر ظهر أكثر تشددا، حيث أصدرت منظمة «مسيحيي الشرق الأوسط» بيانا عاجلا بشأن الأحداث، ووصفتها بـ«المجزرة الدموية»، واتهمت الجيش المصري بتعمد ضرب الأقباط وقتل أكثر من عشرين قبطيا وإصابة أكثر من مائتين آخرين بعد دهسهم بالدبابات وضربهم بالرصاص.

واتهمت المنظمة الحكومة المصرية بالقرصنة على المواقع القبطية لمنعها من نشر الحقائق، وإلقاء بعض الجثث في النيل لإخفاء معالم الجريمة، وتزوير تقارير المستشفى القبطي لتحويل أسباب الوفاة من «دهس بالمدرعات» إلى «اختناق وكدمات».

واعتبر البيان الأحداث بمثابة جريمة دولية، وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته أمام ما سماه البيان بـ«التطهير العرقي» في مصر. وطالب بإرسال بعثة تقصي حقائق دولية من الأمم المتحدة، وتقديم المسؤولين عن المجازر للمحكمة الدولية، إضافة إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية على الحكومة المصرية لإخلالها بالتزاماتها الدولية التي وقعت عليها. وطالب البيان باعتبار الأقباط في مصر أقلية تحت الاضطهاد وطالب بفتح أبواب اللجوء الديني للأقباط في كل أنحاء العالم.

كما أدان اتحاد المنظمات القبطية بأوروبا ما سماه بـ«سحق الأقباط في مظاهرتهم السلمية»، مشيرا إلى أن المعركة كانت غير متكافئة بين متظاهرين مسالمين وقوات مسلحة مجهزة بآليات ومركبات وعدد قتالية. وأدان الاتحاد التهليل والتضليل الإعلامي للتلفزيون المصري، واتهمه بالشحن المعنوي ضد الأقباط والكذب الفاضح والعنصرية المفرطة ليحول الجاني إلى مجني عليه، حيث طالب التلفزيون المصري أهالي المناطق المجاورة بتعضيد القوات المسلحة وإنقاذها من يد الأقباط المتظاهرين.

وبدورها، دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، السلطات المصرية إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه حول الأحداث، وقال روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوضية في تصريحات للصحافيين نشرها مركز الأخبار التابع للأمم المتحدة على موقعه الإلكتروني «ندعو السلطات إلى التحقيق وضمان نزاهة واستقلال التحقيقات».

وذكر مكتب المفوضية أن ما لا يقل عن 24 شخصا - معظمهم من المسيحيين - قتلوا، بينما أصيب المئات خلال الأحداث.

وإعلاميا، رأت صحيفة «كورير ديلا سيرا» الإيطالية أن الربيع العربي في أزمة، مذكرة بثورة 1848 في أوروبا، على خلفية أحداث الاشتباكات التي وقعت بالقاهرة.

وكتبت الصحيفة الليبرالية - اليسارية في عددها الصادر أمس «الشعب حطم النظام القديم، لكن لم ينجح في تكوين أحزاب وحركات قادرة على تحويل هذا النصر إلى بناء نظام سياسي جديد». وذكرت الصحيفة أن «الليبراليين في أوروبا في عام 1848، اضطروا - عقب انتصارات مدهشة - إلى التراجع أمام قوى الانقلاب الرجعي (الحكام والجيش والمحافظين) والتخلي عن الكثير مما كسبوه خلال أشهر ماضية».

أما زميلتها «لا ريبوبليكا» فقالت في تعليقها على الأحداث، إن هناك مخاوف متنامية في مصر من وقوع حرب أهلية. مضيفة أن «الحكومة المؤقتة لم تنجح خلال الأشهر الماضية في رسم ملامح طريق سياسي ومؤسسي واضح للتحول المأمول للنظام».

وذكرت الصحيفة أنه في ظل مخاطر اندلاع اشتباكات دينية جديدة فإنه «يلوح في الأفق الآن شبح زعزعة مخططة للاستقرار». ورأت أن الحكومة وفقدان الثقة المستمر بين الذين انتظروا الكثير من الثورة لهما دور في ذلك، موضحة أن «المرحلة الانتقالية معرضة بذلك لخطر الانحراف عن الطريق السليم».

وفي أقصى شمال أوروبا، ذكرت صحيفة «داجنز نيهيتر» السويدية أنه «حان الوقت لأن يأخذ المسؤولون في مصر العملية الديمقراطية على محمل الجد، ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات الأخيرة». وكتبت الصحيفة الليبرالية: «يجب أن تحصل جميع الأديان على نفس الحقوق، وإذا تضمن الدستور المصري جزءا من الشريعة الإسلامية فيتعين أيضا أن يتضمن ما ينص على حماية حقوق المسيحيين وأقليات أخرى».. وختمت الصحيفة بأن ما ينبغي تمنيه الآن هو «التمكن من إعادة الجني إلى القمقم»، في إشارة إلى الفتنة الطائفية التي تطل برأسها على المجتمع المصري.