أنصار القذافي لا يجدون فرصة لمعارضة النظام الجديد

يخشون الفوضى والإسلاميين ويحتفظون بصوره على هواتفهم الجوالة

ثوار ليبيون يطلقون النار بكثافة على قوات للقذافي في سرت (أ.ب)
TT

داخل متجر صغير في منطقة أبو سليم الفقيرة، عرجت نسرين، التي تبلغ من العمر 21 عاما وتعمل في متجر للعطور، على متجر للهواتف الجوالة لتلقي التحية على أصدقائها العاملين هناك. وألقت نظرة خاطفة حولها لترى من ينصت إليها، وبعد ذلك ذكرت جزءا من شعار يعود إلى أيام النظام المطاح به - «لا نريد سوى القذافي»، وأسرعت خارجة.

بعد 4 عقود، كان انتقاد معمر القذافي صراحة خلالها يعني المخاطرة بالسجن أو التعذيب أو الموت، يتعهد مهندسو ليبيا ما بعد الثورة بحرية تعبير وانفتاح على الكثير من الآراء السياسية. ولكن يقول أنصار القذافي إنهم لا يشعرون بهذا القدر من الحرية.

وتقول ربة منزل تبلغ من العمر 50 عاما في ضاحية جيلا بطرابلس: «لا نستطيع الكلام». وقالت إنها وأصدقاءها من الموالين، لا يجرؤون على الكشف عن آرائهم علنا. وتضيف: «إذا خرجت الآن وقلت إني أحب القذافي، ربما يلقون القبض علي أو ربما يطلقون النار». ولم ترغب ربة المنزل في ذكر اسمها خشية الانتقام منها، وكذا لم يرغب الكثير من أنصار القذافي ممن تحدثوا في هذا المقال.

وبالنسبة للمواطنين الذين فضلوا ليبيا القديمة، تبدو شوارع العاصمة وأماكن العمل داخلها مثل منطقة عدائية، حيث تبث الإذاعة أغاني الثورة، ويجوب الأطفال الشوارع يغنون النشيد الوطني لحقبة ما قبل القذافي، ويظهر على كل شيء – بدءا من الأشجار وصولا إلى الملابس والمشروبات – الألوان الأحمر والأسود والأخضر المميزة للنظام الجديد.

ورغم أن الموالين للقذافي لا يزالون يسيطرون على بعض الجيوب داخل ليبيا، وأهمها مسقط رأس القائد المطاح به في مدينة سرت، فإن التقدم هناك من جانب القوات المناوئة للقذافي، يظهر الصعوبات أمام أنصار النظام القديم.

وفي مستشفى تعمل فيه الطبيبة هدى (29 عاما)، توجد صورة كبيرة للقذافي على أرضية المدخل. وتقول: «إذا لم تمش عليها، سيشتمونك»، وتقصد بذلك الحراس الموجودين هناك.

وخلال الأعوام الخمسة الماضية، منذ رفع العقوبات التي كانت مفروضة على ليبيا، أخذت الحياة تتحسن، بحسب ما تقوله هدى. ولكنها تعتقد الآن، أن الحكومة الجديدة لا تعبأ بحقوقها. وتقول: «هم ليسوا أفضل من القذافي. وإذا ذهبت بعلم أخضر إلى الميدان الأخضر، سأختفي في 5 ثوان. لا توجد ديمقراطية، بل هذه كذبة كبرى».

ولهذه المخاوف أساس في الواقع، ففي ضوء تولي قادة منفصلين المسؤولية عن ميليشيات داخل طرابلس، نجد أن عمليات الاعتقال التي يقومون بها عشوائية، ويجري اعتقال مشتبه بأنهم موالين للقذافي من دون الإجراءات اللازمة، بحسب ما يقوله دانيال ويليامز، الباحث بـ«هيومان رايتس ووتش»، التي أصدرت في 30 سبتمبر (أيلول) تقريرا عن انتهاكات بحق سجناء من جانب ميليشيات تابعة للثوار.

ويقول ويليامز إنه في بعض الأحيان، تعتمد عمليات الاعتقال «على أشخاص يأتون ويقولون (أعرف فلانا، ولديه سلاح، كما أنه يدعم القذافي)». ويشير إلى أنه يجري اعتقال أشخاص من مختلف الأعمار، بينهم نساء.

وقال جلال عبد الجلال، وهو متحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي، إن حق المعارضة السياسية سيكون مكفولا في الدستور الذي لم يصغ بعد، ولكنه أضاف أن هذا الوقت ليس مناسبا لدعم القذافي علنا فيما لا تزال الدولة في حرب وما زال هو حرا طليقا. وأضاف عبد الجلال: «لقد انتظرنا لـ42 عاما لم نكن نستطيع أن نقول خلالها إننا لا نحب القذافي من دون التعرض للقتل أو التشويه مدى الحياة».

وفي أبو سليم، التي تقل فيها أعلام الثوار، ووقعت مناوشات بينهم وبين الموالين على مدار الأسابيع الأخيرة، يعرب البعض عن مخاوفهم من خلايا نائمة تتشكل. ويقول عبد المجيد بشالا (31 عاما): «هناك الكثير من المجموعات التي كانت تدعم النظام الحاكم بشكل كامل، وبعد أن جاء الثوار إلى أبو سليم، أصبحوا جميعا من الثوار – إنهم يتصرفون كأنهم كانوا دوما مع الثورة. نعتقد أن بعض الأفراد سيبدأون في تنظيم أنفسهم».

ويرى عصام أكر (29 عاما)، وهو أيضا من الثوار، أن رفاقه لا يلقون القبض على الناس لمجرد أنهم دعموا القذافي، ويقول: «لا نقوم بشيء ضدهم ما لم يرفعوا السلاح أو يقوموا بشيء ضد الثورة».

ومع غياب استطلاعات الرأي، من المستحيل التأكد من عدد الليبيين الذين يدعمون الثورة وعدد الذين يدعمون القذافي وعدد المترددين في دعم أي من الجهتين. ويبدو أن الناس في الشارع شديدة الحماس، لكن الكثير منهم ذكر أنه يصاب بالذعر لدى رؤية الشباب الذين يهجمون على الشوارع ويقومون بسرقة السيارات والأدوات المنزلية، ومعهم أسلحة الكلاشنيكوف بحجة أن مالكيها يدعمون القذافي.

وتساءل طارق علانكي، 27 عاما، يعمل موظفا في محل لبيع الهواتف الجوالة في منطقة أبو سليم، وهي منطقة معروفة بدعمها للنظام القديم: «لماذا قاموا بالثورة؟ لقد كنا نأكل ونشعر بالسعادة، وكنا بخير في عهد القذافي. أما الآن فطوال الوقت نسمع أصوات التفجيرات، وهذا شيء فوضوي للغاية. إننا لم نعد نشعر بالأمان».

وذكر أن هذا الوضع أصاب أعماله بالسوء، مشيرا إلى أن المحلات في المنطقة التي يعمل بها تغلق عند غروب الشمس بدلا من منتصف الليل، وذلك لأن الناس يخشون الخروج في الظلام.

إن ما يثير بعض المعارضين هو انعدام الأمن وليس الحب الحقيقي للقذافي. لكن البعض الآخر محبون حقيقيون للرجل الذي صور نفسه أخا ونصف إله في الوقت نفسه. وقالت نجية، 45 عاما، وهي أم لثمانية أشخاص انضم ابنها إلى جانب الثوار: «لقد اعتدت عليه». كما ذكرت نسرين أنها لم تر أبدا أي دليل على أن القذافي كان يقوم بإعدام أشخاص، وأنها تعرف الكثير من الأشخاص الذين من الممكن أن يقوموا بمسيرة دعما له حاليا، إذا ما جرؤوا على ذلك. أما الآن، فهي تبقي على صورة له قريبة منها، حيث تحتفظ بها في هاتفها الجوال. ويحتفظ طارق الذي يعمل في الجوار بصورة صغيرة للقذافي مختبئة في شق بين الرف والشباك في المحل الذي يعمل فيه.

وفي منزل داخل جيلا، يوجد في بهوه ساعة يد عملاقة عليها صورة لوجه القذافي. تناقشت امرأة وزوجها، وهما يجلسان على وسائد أمام تلفاز يعرض موسيقى مثيرة للشجن، وجنودا ثوريين موتى، حول النظام الجديد والقديم.

قالت المرأة البدينة، التي كانت ترتدي ثوبا ورديا فضفاضا وتضع حجابا للرأس: «إنني قلقة من الإسلاميين، فالإسلاميون يعنون تنظيم القاعدة. إنني أخشى من اندلاع حرب أهلية». وهي لا تعرف قائدا سوى القذافي منذ أن كان عمرها 8 سنوات. لذا قالت: عندما أرى رسوما تصوره كما الجرذ، وأرى اسمه على صناديق القمامة «يؤلمني ذلك، ولا أحب ما يقولونه عنه».

ولا يتفق معها عبده، 55 عاما، مفتش جمارك يرتدي ثوبا تقليديا رمادي اللون، إذ يقول: «إنه يحصل على ما يستحقه. نريد أن يحيا الليبيون حياة طبيعية. كنا نتعرض للقمع. إننا بحاجة للاهتمام بالتعليم والصحة».

وأضاف: رغم أن الحكومة الحالية بحاجة إلى أن تقوم بتنظيم نفسها بصورة أفضل، فإنه من المبكر للغاية أن نحكم عليها: «سوف نرى ما سيحدث في المستقبل، وإذا ما كنا محقين عندما تخلصنا من القذافي أم لا. سوف نرى ونقارن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»