مكتب في واشنطن لاصطياد مسؤولين للحديث قبل تواريهم عن الأنظار

يمثل أسماء ثقيلة مثل بوش الابن وتوني بلير ورايس وباول.. مقابل خطب بمئات آلاف الدولارات

TT

في آخر يوم له في منصبه كوزير للدفاع الأميركي، تلقى روبرت غيتس ميدالية الحرية الداعية للفخر من الرئيس باراك أوباما. وقبل أن يمر أسبوع على هذا اليوم تلقى تكريما آخر يُحسد عليه خلال الحدث السنوي الذي يقيمه «الاتحاد القومي لتجار التجزئة والجملة» في لاس فيغاس.

تظل الحياة بعد انتهاء العمل في منصب رسمي مشحونة وصاخبة. وتسري على هذه الجنة الموعودة، التي تسمى قطاع مخاطبة الجماهير، القوانين نفسها التي كانت تحكم العالم السابق، لكن يحل تحكم المتحدثين الذين يعدون بأن يظل المشتركون بها في دائرة الضوء محل الأحزاب السياسية. تولت الشركات العاملة في هذا القطاع خلال الثلاثين عاما الماضية الدعاية للمشرعين السابقين والمرشحين والمستشارين والوزراء والصحافيين السياسيين والأشخاص اللحوحين.

ويقول جيمس كارفيل، المستشار السياسي ووكيل «مكتب واشنطن للمتحدثين» (واشنطن سبيكرز بيرو)، التي تمثل غيتس: «لنفترض أنك وزير، هناك طريقتان لتعيش حياة جيدة، إما أن تحصل على دعم جماعة ضغط وإما أن تكون متحدثا.. أو مزيجا بين الاثنين».

وفي واشنطن قال كارفيل الذي ألقى ثلاثة آلاف خطاب على مدى العقدين الماضيين إن العلاقات هي الأهم ودائرة المتحدثين هي «التي تبقيك داخل الملعب». وينتمي الكثير من الأسماء السياسية البارزة إلى «واشنطن سبيكرز بيرو» التي يديرها هاري رودس، الذي قد يعد أقل الوسطاء نفوذا في المجال. وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني: «سأرفض طلبك الخاص بإجراء مقابلة معي لأننا شركة هادئة. لقد رفضت إجراء مقابلة مع الكثير من وسائل الإعلام على مدى سنوات ومن ضمنهم أصدقاء لي».

ولرودس الكثير من الأصدقاء. وتمثل قائمة الشركة من العملاء المميزين قوة موازية من الرجال والنساء الذين قادوا وأداروا الدولة. هناك كذلك رؤساء دولة سابقون منهم جورج بوش الابن وتوني بلير وبيرتي أهيرن، ووزراء خارجية سابقون مثل كونداليزا رايس وكولن باول ومادلين أولبرايت وجيمس بيكر، ووزراء دفاع مثل ويليام كوهين ودونالد رامسفيلد وروبرت غيتس، ورئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي آلان غرينسبان، وعمداء مثل رودولف جولياني، ومخططون استراتيجيون بارزون مثل مستشار أوباما ديفيد أكسيلرود، ومعلقون مثل لو دوبس وديفيد غيرغين وبول بيغالا، وصحافيون مثل مايك آلان ومارك هالبرين وتوم بروكو. وتمثل الشركة أيضا جماعة الكوميديا السياسية الساخرة «كابيتول ستيبس».

ومن أجل إعادة حشد هذا الفرع من حكومة الظل، أقام رودس علاقة مثمرة مع المحامي بوب بارنيت الذي يعرف بالقيام بالوساطة في عقود المسؤولين مقابل المال. ويقول بارنيت إن المتحدثين أمام الجمهور «مصدر كبير للوحدة»، في إشارة إلى المدة التي قضاها من أجل جمع شخصيات من المسؤولين السابقين من خلال الظهور في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة واستشارة المتحدثين وتحديد مواعيد من مجالس إدارة أو القيام بشراكات مع شركات المحاماة.

وأوضح قائلا: «ينظر هؤلاء إلى (واشنطن سبيكرز بيرو) والشركات الأخرى باعتبارها وسيلة لتحقيق هذا الهدف. إنها جزء هام من الحياة بعد ترك المنصب بالنسبة إلى الكثيرين». ويقول دون واكر، الذي يدير شركة «هاري واكر إيجينسي» المنافسة الرئيسية لـ«واشنطن سبيكرز بيرو» التي يقع مقرها في نيويورك وتمثل بيل كلينتون وديك تشيني: «إنها مؤسسة أميركية صرفة». ويروج الموقع الإلكتروني للشركة لحزمة عروض من خلال توفير مستشار بوش، كارل روف، والمتحدث باسم أوباما، روبرت غيبس، الذي يتسم حديثه بالـ«قوة والدقة المستمدة من داخل البيت الأبيض». وقال واكر إنه إذا منحه عميل 50 يوما في العام يمكنه أن يعطيه العالم.

والمواهب هي دماء الحياة في هذه الشركات. ويوصف رودس في «واشنطن سبيكرز بيرو» بأنه «المحافظ على العلاقات»، لكن لديه ما يتراوح بين 15 و20 وكيلا للعملاء المحتملين في مكاتبه بألكسندريا بحسب مصادر مطلعة من الشركة رفضت ذكر اسمها خوفا من غضب الشركة. وقال أحد هذه المصادر إن الشركة تستهدف العملاء المحتملين قبل أن يتركوا مناصبهم، ويعينون وكلاء للعمل عليهم في اللحظة التي يظهر فيها تلميح بمغادرتهم المنصب. ويدعم الوكلاء الموهوبون الشركة ويعرفون مقدار المال الذي يمكن الحصول عليه من العمل في المواقع الرئيسية الهامة مثل هاواي وفيغاس ونيويورك وواشنطن العاصمة، فضلا عن الأماكن الأخرى «المربحة» بحسب وصف أحد المخضرمين في هذا المجال.

وقال كارفيل خلال حديث في لاس فيغاس إن الشركة «معتادة» على الاستعانة بخدماته في اختيار وتعيين الوكلاء. وتستخدم الشركات التي تعمل في هذا القطاع طرقا أخرى لجذب المواهب، فعندما لاح في الأفق قرب مغادرة بوش المنصب، اقتربت شركة «واشنطن سبيكرز بيرو» من شقيقته دورو بوش من خلال متحدثين. ووقعت الشركة مع زوجة الرئيس لورا بوش وأخيه جيب. وقال بارنيت إنه عندما يحصل على عميل، عادة ما يعطيه قائمة بأسماء الشركات التي قد تكون مناسبة على أساس العمولة والحوافز والرسوم. لا تكون الرسوم معلنة، وكثيرا ما يبالغ المتحدثون فيها، بينما يحاول المشتركون تخفيضها. بحسب العاملين داخل هذا المجال، يمكن أن تحصل الأسماء البارزة على أكثر من 50 ألفا مقابل الخطاب الواحد، ومن الممكن أن تتراوح خطب الرؤساء السابقين وأكثر الشخصيات جاذبية بين 200 و300 ألف دولار. وتحصل الشركات على تخفيض 20%، لكن عندما يتعلق الأمر بالمتحدثين البارزين جدا، كثيرا ما يكون التخفيض أقل أو لا يكون هناك تخفيض أصلا. وعلى العكس من ذلك، يقدم المتحدثون الذين لا يتمتعون بشهرة كبيرة ويطمحون إلى تحقيقها خدماتهم مجانا أو حتى يدفعون للشركات من أجل السماح لهم بنشر بضاعتهم أمام الجمهور.

وتكون المنافسة بين الشركات شرسة وأحيانا قبيحة، ففي فبراير (شباط) 2009 أجبرت قاعة محكمة في ولاية أميركية شركة «ليدينغ أوثوريتيس» على التخلي عن المواقع الإلكترونية washington - speakers.com وwashingtonspeakers. com وwashington - speakers.net وwashingtonspeakers.net بعد دعوى قضائية أقامتها شركة «واشنطن سبيكرز» ضدها.

يسود جو من التوتر والصراع بسبب المنافسة على المواهب. وكثيرا ما يُطلب من الوكلاء التوقيع على عقود احتكار تمنعهم من الانتقال إلى شركة أخرى. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث عام 2010، حيث حذرت شركة «واشنطن سبيكرز بيرو» أحد وكلائها، الذي يمثل آريانا هافينغتون، من ترك الشركة والانتقال إلى شركة «ويليام موريس إنديفور». وجعل آري إيمانويل، الرئيس التنفيذي للشركة وشقيق رام إيمانويل، يقول إن العقد لم يكن قابلا للتنفيذ، وغادر الوكيل وبقت آريانا.

وتقول الشخصيات البارزة في هذا المجال إن البحث عن المتحدثين في عالم السياسة يعود إلى منتصف السبعينات. ولم يقدم المتحدثون الحماسيون والبارزون تخفيضات للشركات والاتحادات التي تواجه أزمة في الطاقة وركود وانهيار الاتحاد السوفياتي. وبدلا من ذلك سعت الشركات نحو متحدثين متمرسين يواجهون تحديات في عالم مترامي الأطراف. وفجأة ازدهر الطلب على المسؤولين الأميركيين الذين كانوا على وشك التواري إلى الظل. وأصبح هذا القطاع مربحا للغاية. وجنى ميت رومني، منذ عام 2010 نحو 400 ألف دولار من هذا العمل، وبلغ مقدار ما جناه خلال عام 2011 فقط 100 ألف دولار بحسب ملفات حملته. وتلقى أسماء مثل رومني قبول اتحادات وجامعات وشركات تريد متحدثين يوضحون نجاحها أو يقدمون معلومات هامة أو يروجون لحدث.

وفي عام 2006 نشرت الجمعية الأميركية للمسؤولين التنفيذيين ورقة بحثية بعنوان «تحديد العائد الاستثماري لمتحدث محترف»، تساءلت كيف يختار المخطط الحكيم الأشخاص الذين يؤدون هذه الوظيفة. واحتارت آن بولين، منظمة مؤتمرات الجمعية، بين الأشخاص، فهل يكون أندرسون كوبر من قناة «سي إن إن»؟ يفتقر إلى الالتزام. هل تكون ميكا برنزنسكي وجو سكاربورغ من برنامج «مورنينغ جو» على قناة «إم إس إن بي سي»؟ «إن بي سي» ترفض. هل يمكن التفكير في سكوت بيلي، مقدم برنامج «60 دقيقة»؟ لا شكرا. واستقرت في النهاية على رئيسة تحرير «دايلي بيست»، تينا براون، فقد كان المقابل معقولا.

لمساعدة الذين يسعون للحصول على المتحدث المناسب، قدمت شركة «واشنطن سبيكرز بيرو» مقياسا للأسعار يتراوح بين 15 ألفا (ريتشارد وولف، المحلل السياسي في «إم إس إن بي سي» ومؤلف كتب عادة ما تكون الأكثر مبيعا) و40 ألف دولار (كريستيان أمانبور، وهي من الصحافيات المحترمات في العالم).

جميع هذه الأسعار قابلة للتفاوض بحسب مصادر منخرطة في الحجز، وكثيرا ما تكون التكاليف الإضافية بسبب المحيطين. كانت جوديث جولياني، زوجة عمدة سابق، اسما غير مرغوب فيه في عالم مخاطبة الجماهير لأنها كانت سببا في زيادة نفقات زوجها، لكن المتحدث باسم العمدة السابق فند هذه المزاعم. وقال وكيل سابق في إحدى الشركات الشهيرة: «لا يمكنك تصور كمّ الاشتراكات، من المجانين إلى أعضاء سابقين في مجلس الشيوخ ولواءات رفيعي المستوى. يمكن أن يظهر الناس على شاشة التلفزيون ويعملون معلقين فقط من أجل الوصول إلى المكانة الرفيعة ومتحدثين». لم يعد خافيا الآن أن جميع المسؤولين السابقين داخل اللعبة.

وخلال مناقشة في «ليتل روك» الشهر الماضي تحدث كارفيل عن بعض التقييمات اللاذعة عن تاريخ كلينتون. ونهض الرئيس الأسبق بعد ذلك وقال ساخرا إن مستشاره الأسبق «يحب أن يتصرف بجنون لأن ذلك يساعده على الحصول على متحدثين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»