نتنياهو أراد باتفاق شاليط الانتقام من أبو مازن.. وواشنطن سحبت اعتراضها

من أسرار مسيرة الصفقة.. مسؤول سابق مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي: لها مكاسب ستعلن لاحقا.. على الرغم من ظهورها «كهدية» لحماس

TT

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب، أمس، عن أن أحد أهم الأسباب لنجاح صفقة الجندي الأسير جلعاد شاليط يعود إلى التغيير في موقف الإدارة الأميركية منها. ففي الماضي، قالت هذه المصادر، كانت واشنطن تعترض على إتمام الصفقة، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسهم حركة حماس في الشارع الفلسطيني وإضعاف موقف الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، وبالتالي ضرب التيار المؤيد لمفاوضات السلام في الحلبة السياسية الفلسطينية، ولكن بعد أن توجه أبو مازن إلى مجلس الأمن بطلب قبول فلسطين دولة في الأمم المتحدة، سحب الأميركيون اعتراضهم، ومنحوا إسرائيل الضوء الأخضر لإتمام الصفقة.

وقالت هذه المصادر، وفقا للمراسل السياسي للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي المستقل، أودي سيجال، إن الانتقام من أبو مازن كان أحد أهم أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في إتمام الصفقة. وعندما سحبت واشنطن اعتراضها، بات سهلا عليه التقدم فيها، «خصوصا بعد تراجع حماس عن عدد من شروطها السابقة، وموافقتها على ترحيل غالبية الأسرى المحررين من الضفة الغربية، وتنازلها عن 45 من مجموع 60 أسيرا ثمن الوزن الثقيل جدا، بينهم مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمجلس التشريعي المنتخب، وعبد الله البرغوثي، قائد الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية، وعباس السيد وإبراهيم حامد، وغيرهم من رموز حماس، وأحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».

وحسب ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن التطور الجديد الذي أدى إلى إنجاح هذه الصفقة، هو سلسلة تطورات وتغيرات طرأت على مواقف إسرائيل وحماس، مرتبطة بالتغيرات الكبيرة في العالم العربي وما نجم عنها من إشكاليات للطرفين، ومن هذه المتغيرات: وضع إسرائيل: لوحظ أن القيادة المصرية الجديدة معنية بإنهاء ملف شاليط، ضمن سلسلة خطوات أخرى تريدها لتقوية مكانتها في مصر وفي العالم، ومع الأزمات الجديدة في العلاقات بين البلدين (تفجير أنابيب الغاز، والفوضى الأمنية في سيناء، وتمكن تنظيمات مسلحة من الانتظام في سيناء، وتشكيل مجموعات مسلحة تنفذ عمليات ضد إسرائيل، والهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والمطلب المتصاعد بإلغاء اتفاقية السلام)، رأت إسرائيل ضرورة في التجاوب مع الرغبة المصرية، فأبدت استعدادا لتقديم عدد من التنازلات تتيح التوصل إلى الصفقة.

وكانت القيادات الأمنية في إسرائيل قد شهدت تغييرا بارزا للشخوص المعارضين للصفقة، وأهمهم: يوفال ديسكين، رئيس جهاز المخابرات العامة السابق، ومئير دغان، رئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد)، فقد أفشلا الصفقة في زمن حكومة إيهود أولمرت، بسبب اعتراضهما على إطلاق سراح أسرى إلى الضفة، بدعوى أنهم سيعودون إلى ممارسة الإرهاب، ويتضح أن حكومة أولمرت توصلت إلى اتفاق حول الصفقة في سنة 2009، لكن ديسكين سافر إلى القاهرة بنفسه وألغاها.

كما أن هناك تطورا آخر في قيادة الجيش الإسرائيلي، التي تعتبر من أشد المتحمسين للصفقة طول الوقت، فقد أبلغت هذه القيادة الحكومة بأن كل جهودها لإطلاق سراح شاليط بالقوة العسكرية قد فشلت، وكما قال الجنرال عوزي ديان، نائب رئيس أركان الجيش الأسبق ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، والمعروف بقربه من نتنياهو، فإن «جهودا جبارة قام بها الجيش للوصول إلى شاليط، فخطف عددا من نشطاء حماس البارزين من قطاع غزة، وأدخل مستعربين، وزرع جواسيس وعملاء، ومارس الضغوط الشديدة، وفرض الحصار، وكل هذا لم يجد نفعا». ولم يكتف الجيش بهذا الإعلان، بل راح يمارس الضغوط قائلا إن كل يوم إضافي يبقى فيه شاليط في الأسر، يوسع الشعور في الجيش لدى الجنود والضباط الصغار خصوصا، بأن الجيش لا يبذل كل جهد ممكن لإطلاق سراح الأسير. لدى حماس: أما في الجانب الفلسطيني، فقد رأى الإسرائيليون مرونة مفاجئة من حماس، منذ تدهور الأوضاع في سوريا، وبشكل خاص في شهر يوليو (تموز) الماضي، فقد بات هناك خطر بأن لا تستطيع قيادة حماس البقاء في دمشق، وقد تضطر إلى طلب الانتقال إلى مصر، وهذا يتطلب تغييرا في مواقف حماس باتجاه السياسة المصرية، وقال البروفسور بوعز غنور، من معهد مكافحة الإرهاب في مركز الأبحاث المتعدد الاتجاهات في هرتسليا: «إن قيادة حماس بدأت تتعرض لضغوط من القيادة السورية، فقد طلبت هذه القيادة من خالد مشعل أن يعلن موقفا مؤيدا للنظام السوري في الصدامات الأهلية، لكن مشعل بدأ يثأثئ ويتلعثم، ولم يصرح بالتأييد القاطع للنظام، فانزعج السوريون ومعهم إيرانيون أيضا». وادعى غنور أن إيران خفضت المساعدات المالية للحركة، ولمحت بنيتها لقطعها، ما أشعر حماس أن مكانتها لم تعد مستقرة. في ضوء ذلك، أبدت كل من حماس وإسرائيل مرونة في الموقف، فتراجعت إسرائيل عن شروطها بالامتناع عن إطلاق سراح الأسرى ذوي المؤبدات، وعن طرد كل الأسرى خارج الضفة الغربية، وعن امتناع إطلاق سراح أسرى من فلسطينيي القدس الشرقية أو فلسطينيي 48 وسكان هضبة الجولان السورية المحتلة، الذين تعتبرهم مواطنين إسرائيليين لا يحق لحماس تمثيلهم، وتراجعت حماس عن شرطها عدم طرد أي أسير، وتراجعت عن بعض الأسرى أيضا. وفي يوم الخميس الماضي، وبعد مفاوضات دامت 24 ساعة من دون نوم، شارك فيها رئيس الشاباك، يورام كوهن، بنفسه، وقع المفاوض الرئيسي باسم إسرائيل، ديفيد ميدان، المبعوث الشخصي لنتنياهو، ورئيس الجناح العسكري لحماس، أحمد الجعبري، على الصفقة بالأحرف الأولى. ويوم أول من أمس وقعا على الصفقة بنصها الكامل. واجتمعت الحكومة الإسرائيلية في ساعة متأخرة من المساء لمدة أربع ساعات ونصف الساعة، وأقرت الصفقة بأكثرية 26 وزيرا مقابل 3 وزراء رافضين، هم: أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، وزير البنى التحتية من الحزب نفسه، عوزي لانداو، ونائب رئيس الحكومة من الليكود، موشيه يعلون.