اختفاء آلاف من مقاتلي القذافي يثير مخاوف من أعمال انتقامية مستقبلا

نشطاء ليبيون دعوا للمصالحة وقالوا إن بعضهم كان مرغما على الحرب

TT

أين اختفى آلاف الليبيين الذين كانوا يقاتلون مع كتائب وجيش العقيد الليبي الهارب معمر القذافي؟ هذا هو السؤال المطروح حاليا بعد نحو 8 أشهر من المواجهات العنيفة بين الثوار الليبيين وطائرات حلف «الناتو» من جانب، وقوات العقيد من جانب آخر. فمع اقتراب الثوار من تحرير آخر معاقل القذافي، لا أحد يعرف على وجه الدقة أين ذهب مقاتلو العقيد الذين نجوا من الموت في خضم معارك شرسة دارت في معظمها وفقا لنظرية «يا قاتل يا مقتول»، أو كما كان يردد طرفا الصراع «الانتصار أو الموت». وإذا تمت معرفة مصير قوات القذافي، فهل يمكن دمجهم في النظام الجديد، وبخاصة تلك القوات المعروفة بانتمائها لقبائل تدين بالولاء الشديد لما كان يعرف بـ«الأخ العقيد»؟

«هذه مشكلة.. أرى أنها مشكلة يجب البحث عن حل سريع لها»، هكذا يقول صلاح انقاب، وهو ناشط سياسي وقيادي في «منبر 17 فبراير الحر»، الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط» في اتصال عبر الهاتف بقوله إنه بغض النظر عن مقتل العديد من قوات القذافي دون توفر رقم عن العدد بالضبط، فإن هناك أرقاما كبيرة من الناجين فرت خارج البلاد، وهناك من فر بأسرته خوفا من التعرض للانتقام من النظام الجديد، من بينهم، وفقا لآخر المعلومات، نحو 800 أسرة استوطنت في مدينة صفاقس التونسية.

وتقول مصادر أخرى من الثوار إن المئات من عناصر الكتائب تمكنوا منذ وقت مبكر من خلع ملابسهم العسكرية وإلقاء الرايات الخضراء التي كانت ترمز للقذافي، والهروب عبر الحدود إلى دول قريبة منها مصر والجزائر وإيطاليا وقبرص وغيرها، خصوصا بعد أن بدأ «الناتو» قصف المعسكرات وأرتال الكتائب وسقوط ضحايا بأعداد كبيرة، وبخاصة على جبهتي البريقة والجبل الغربي.

وينظر السيد انقاب إلى موضوع ما تبقى من قوات القذافي التي خسرت الحرب، مثل قليلين من الليبيين الذين يرغبون في تهيئة البلاد لمرحلة جديدة خالية من نوازع الانتقام أو القصاص خارج القانون. ويقول إن التعامل مع موقف جنود القذافي الفارين سواء داخل البلاد أو خارجها، يتطلب أولا النظر إليهم باعتبارهم كانوا «جنودا في جيش رسمي، وأن يعاملوا معاملة رسمية». ويرى أنه «يجب أن يعامل هؤلاء الجنود معاملة باقي الليبيين كمواطنين».

ويضيف صلاح انقاب أن «هناك فئة ثالثة من قوات القذافي المختفية، وهم أولئك الذين استطاعوا أن يندمجوا في المجتمع، ويتعايشوا مع المرحلة الجديدة، خصوصا أن نسبة كبيرة من هؤلاء انشقوا عن القذافي منذ الأيام الأولى للثورة، وعادوا إلى بيوتهم». وفي هذه الأثناء، وهو ما يزيد من مخاطر الانتقام في المستقبل، بدأت تسريبات تضم قوائم رسمية لآلاف الأسماء، عثر عليها الثوار في ثكنات ومقار كتائب القذافي لمقاتلين عملوا في صفوف جيش القذافي ولجانه الثورية، ومن بينهم طلاب مدارس إعدادية وثانوية وجامعيون، بجوار كل اسم المدينة التي ينتمي إليها وعنوان بيته ورقم هاتفه.

ويخشى أفراد ممن كانوا قد انخرطوا في قوات القذافي منذ البداية، من تعرضهم للانتقام والقتل خارج نطاق المحاكمة العادلة، من جانب الثوار، خصوصا أن الدولة الجديدة لم تتشكل بعد، وتعم الفوضى العديد من المدن التي أصبح يسيطر عليها شبان مسلحون لعائلات عانت طويلا من حكم القذافي الديكتاتوري.

ويعلق انقاب على هذا بقوله إنه تقع بالفعل بعض «التجاوزات الخفيفة من بعض قوات الثوار المسلحة. أحيانا تقوم قوة من الثوار بالقبض على البعض (ممن كانوا ضمن صفوف جيش القذافي أو لجانه الثورية) لكنهم يخرجون دون أن يمسوهم لأن مثل هؤلاء لم يكن أمرهم بأيديهم، ولم يثبت أنهم قتلوا ليبيين»، مشيرا إلى أن القذافي دأب على تسليح وتجنيد الشباب الليبيين «وهم الآن مغلوب على أمرهم.. أغلبهم عاطلون عن العمل وليس لهم مستقبل وانجروا وراء إعلام القذافي من خلال 5 قنوات فضائية ظلت لأشهر تلقي بمزاعم عن الخطر المحدق بليبيا من تنظيم القاعدة ومن إسرائيل، لكن أعدادا كبيرة من هؤلاء الشباب بدأوا يدركون الحقيقة».

وشدد انقاب على أن «أهم شيء في المرحلة القادمة هو التسامح الوطني، ولا بد من مشروع للتصالح الوطني، وأن لا تتحول ليبيا إلى غالب ومغلوب، وأن يكون كل شخص مسؤولا عن أفعاله». وعدد أفراد الجيش الليبي غير معروف على وجه الدقة رغم أن التقديرات تذهب به إلى نحو 80 ألف جندي في بلد ذي صحارى شاسعة، وعدد سكان يبلغ نحو 6 ملايين نسمة فقط. ومنذ تسعينات القرن الماضي كان القذافي قد انتهى من تفكيك الجيش تقريبا، بعد عدة محاولات للانقلاب عليه بدأت منذ السبعينات من قادة ورفاق قاموا معه بالانقلاب على الملك إدريس السنوسي عام 1969. وأسس القذافي بعد ذلك ما أصبح يعرف باسم «الشعب المسلح» الذي يصل قوام المتدربين فيه على حمل الأسلحة إلى قرابة نصف المليون، هذا إضافة إلى عناصر اللجان الثورية المسلحة التي تعد الأساس الأمني والاستخباراتي لنظام العقيد.

وأصبح الجيش الليبي عبارة عن كتائب متفرقة تضم عدة آلاف يترأسها أقاربه وأبناؤه، أشهرهم خميس. وحين قامت ثورة 17 فبراير (شباط) الماضي، كانت معسكرات الجيش في المشرق الليبي هشة في ولائها لطرابلس لكنها كانت تغص بجنسيات أفريقية فرت غالبا إلى دول الجنوب من حيث أتت، بعد أن انقلب الجنود والضباط الليبيون على القذافي في معسكرات بنغازي وشحات والبيضا وطبرق وغيرها، ناهيك عن عدد كبير منهم في عداد الجرحى والمفقودين.

ويعيش صلاح انقاب في مدينة طرابلس، ووجه المنبر الذي يعمل من خلاله بشكل تطوعي نداءات للإسراع في المصالحة والحوار والوقوف ضد مظاهر التسلح في العاصمة، تمهيدا لبدء مرحلة جديدة. ويقول إن استمرار تجاهل تسوية قضية المنتسبين السابقين لقوات القذافي سواء من الجيش أو اللجان الثورية أو غيرها، يمكن أن يسهم في مزيد من التوتر. ويضيف: «أنا أعيش في طرابلس.. هناك توتر، وهناك فوضى غير ملاحظة، ويكاد يكون كل سكان طرابلس مسلحين. هذا خطر وغير مطمئن والكل يخاف من الآخر. ولا بد من توحيد كل الميليشيات في جيش وطني مشترك، ثم فتح ملفات محاسبة القتلة واللصوص».

ومن جانبها، تقول نادية محفوظ أبو سالم، مؤسسة جمعية «واعي» للتوعية والتأهيل الاجتماعي الليبية، في اتصال مع «الشرق الأوسط» من طرابلس، إن جمعيتها تسعى إلى الانخراط في مساع لإدماج العناصر التي تركت القذافي أو خسرت المعركة، في المجتمع وفي الواقع الليبي الجديد.

وعما إذا كان يمكن إدماج عناصر من كتائب القذافي واللجان الثورية والموالين للنظام القديم في النظام الجديد، أوضحت أبو سالم أنه رغم أن الجمعية ما زالت في طور التأسيس، فإنه سيكون من مهامها إدماج هذه العناصر في المجتمع الليبي، مشيرة إلى أن أعضاء كتائب القذافي «بعضهم قتل والبعض كان كلما تحررت مدينة يهرب إلى أخرى، حتى انتهوا إلى سرت وبني وليد، وبعضهم بدأ يستفيق ويقتنع بما يقوم به الثوار».

وعما إذا كانت تعتقد بوجود عمليات انتقام من النظام الجديد ضد عناصر النظام القديم، تقول أبو سالم: «أنا بصفتي مواطنة ليبية فإن أعضاء اللجان الثورية أولادنا، ولا أعتقد أنه ستكون هناك عمليات انتقامية، إلا من بعض النفوس الضعيفة. وبالنسبة لطرابلس فها هي وقد مر أكثر من شهر على تحريرها لم تسجل فيها أي عمليات انتقامية».