العقيد أحمد باني لـ «الشرق الأوسط»: طردني وزير الدفاع من اجتماع مع نظيريه البريطاني والإيطالي وكأنني متسول

قال إنه يستغرب صمت المجلس الانتقالي إزاء ما تعرض له.. وما زال ينتظر التحقيق

TT

بينما يستعد الثوار الليبيون لإحكام السيطرة الميدانية على آخر المعاقل المؤيدة للزعيم الليبي الهارب العقيد معمر القذافي في مدينة سرت مسقط رأسه، برزت على السطح خلافات داخل القيادة العسكرية للثوار على نحو مفاجئ.

وكشف العقيد أحمد باني، الناطق العسكري باسم المجلس الوطني الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»، النقاب عن أنه معتكف في منزله، ولا يعقد أي مؤتمرات صحافية حول تطورات الوضع العسكري في مختلف الجبهات احتجاجا على قيام وزير الدفاع اللواء جلال الدغيلي بطرده بطريقة قال إنها غير لائقة، بينما كان على وشك حضور الاجتماع الأخير لوزيري الدفاع البريطاني والإيطالي قبل بضعة أيام في طرابلس.

واعتبر باني أن طرده يمثل إهانة بالغة للمؤسسة العسكرية ولجيش الثوار، داعيا المجلس الانتقالي الذي يترأسه المستشار مصطفى عبد الجليل إلى سرعة التحقيق في ملابسات ما حدث، وإطلاع الرأي العام الليبي على كل التفاصيل.

وقال باني لـ«الشرق الأوسط» في حوار خاص عبر الهاتف من مقره في طرابلس إنه ينتظر قيام المجلس الانتقالي بالتحقيق في هذه الواقعة المؤسفة، مؤكدا أنه رفض الرد على المعاملة غير الكريمة التي تعرض لها من قبل اللواء الدغيلي، وأنه اكتفى بتأدية التحية العسكرية له حرصا على عدم تفاقم الموقف.

واعتبر باني أن الدغيلي ربما يكون وقع ضحية وشاية من بعض بطانته أدت إلى معاملته له على هذا النحو.

وقال باني موجها حديثه للدغيلي عبر «الشرق الأوسط»: «لقد وقعت في المحظور ودخلت متاهة لن تخرج منها أبدا».

وأضاف: «أنا معتكف في منزلي الآن، وأمتنع عن عقد أي مؤتمرات صحافية عن الجبهات لأن الدغيلي عندما طردني، قال إنه لا داعي لوجودي، لكني لن أستقيل ولن أهرب من الميدان».

ومع أنه امتنع عن الحديث عن شبهات فساد في أوساط وزارة الدفاع التابعة للمجلس الوطني الانتقالي، فإن باني أكد في المقابل أن هناك أمورا استراتيجية سيتحدث عنها إذا طلب منه رسميا ذلك لأنها تخص مستقبل الشعب الليبي والبلاد، على حد تعبيره.

وفي ما يلي نص الحوار.

* ما الذي حدث؟ ما حقيقة الموقف؟

- الذي حدث هو أنه بعد انتهاء مراسم استقبال وزير الدفاع البريطاني ووزير الدفاع الإيطالي في المطار دخلنا إلى قاعة وجلسنا، وبعد أقل من 10 دقائق نزلنا إلى صالة أخرى، آنذاك فوجئت بالسيد وزير الدفاع، وبطريقة تنم عن غضب شديد غير منطقي، وبعيدة كل البعد عن الذوق، يقول لي: أنت ليس هناك داع لوجودك هنا. فنظرت إليه باستغراب، فكرر نفس الجملة وهو يحرك يده وكأنه يطرد متسولا، وحتى المتسول لا يطرد بمثل هذه الطريقة. فهو بإمكانه أن يقرر وجودي من عدمه داخل القاعة بيد أنه ليس من حقه إخراجي بهذه الطريقة.

* وكيف كان رد فعلك؟

- عندما رأيت تعامله معي بهذه الطريقة كانت ردة فعلي مثل تفكيري وأخلاقي. فقد أديت التحية العسكرية وخرجت دون أي نقاش نظرا لوجود ضيفين أجنبيين. فلم أكن أستطيع الرد عليه، وأنا ناطق عسكري، أمام الأجانب، وكنا سنضع ليبيا في دائرة إحراج. وبالتالي كان منطقي هو منطق رجل عسكري محترم، أديت التحية العسكرية له وخرجت لحال سبيلي متجهما وهو ما لاحظه الناس، كما أنني رميت علامة «في آي بي»، كانت معلقة على صدري، بعدما اكتشفت أنها لا قيمة لها. ولما وصلت إلى الفندق لحقت بي وسائل الإعلام، وسألتني عما حدث، وتحدثت إليها بكل شفافية. فعصر المواربة والكذب والنفاق انتهى، وإذا كانت الحقيقة مرة فيجب أن نعترف بها.

هناك أناس يصطادون في الماء العكر، وقد يستغلون الموقف للمزيد من الإساءة لي، ولكن الآن لم يعد يهمني شخصي بقدر ما تهمني ليبيا. فليبيا أكبر مني، وأكبر من وزير الدفاع، وأكبر من أبناء آوى الذين يصطادون في الماء العكر. إنني طلبت من المجلس التنفيذي إجراء تحقيق في هذا الأمر. طبعا أنا أعلم أن وزير الدفاع لديه أسبابه. إلا أنني أريد أن أعرف لماذا تمت معاملتي بهذه الطريقة المهينة، فأنا لا أقبل أن أهان بهذه الطريقة من أي كان.

* هل كانت بينك وبين اللواء جلال أية مشاكل شخصية فيما سبق؟

- كنت أكن لهذا الرجل كل التقدير والاحترام، وتوجد رابطة تجمعنا غير رابطة الدفاع، فقد كان رئيس نادي الهلال في مدينة بنغازي، ويحظى بشعبية كبيرة. كما أنني أصررت على أن يكون وزير الدفاع أول من يبلغ بقرار المجلس الانتقالي تعييني متحدثا عسكريا وحيدا.

* إذن، هل تعرضت لوشاية؟

- تعرضت لمكيدة. فالبطانة السيئة جعلته يقع في هذا المطب وجعل الناس كلهم في شرق ليبيا وغربها مستائين جدا من هذا الموقف باستثناء الطبال والزمار القريبين منه.

* ما موقف المجلس الانتقالي حتى الآن، وهل رئيسه مصطفى عبد الجليل على علم بذلك وهل استمع لتفاصيل الأمر منك؟

- أنا أستغرب كون السيد مصطفى عبد الجليل رجلا دمث الخلق، ويميز بين الحق والباطل، ولكنني إلى يومنا هذا لم أستدع، ولم أسأل لا من المجلس التنفيذي ولا من المجلس الانتقالي.

* وهل هذا في تقديرك انحياز من المجلس الانتقالي ورئيسه للواء الدغيلي؟

- يستحيل أن يكون هذا هو السبب ولكن أعتقد أنهم فضلوا ألا تثار هذه المشكلة أكثر مما أثيرت لأن الوقت غير مناسب ولكن يستحيل المجلس الانتقالي أو التنفيذي ينحاز ضدي وضد الحقيقة والموضوعية.

* عندما يكون الثوار قاب قوسين أو أدنى من تحرير مدينة بحجم سرت، وحدث ما حدث لا بد من التوقف عند الأمر؟

- أنا قلت ما لدي، وأنا كنت صادقا في تناول الحقيقة والواقع كما هو، ولكن من يتخذ قرارا في هذا الشأن هو موضوع متروك للمجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي.

* هل قدمت استقالتك أم أنك معتكف في منزلك؟

- الاستقالة لا. هذا جبن وهروب من معركة تحرير ليبيا، وأنا لست جبانا ولم أفكر في الهروب من معركة التحرير، ولن أخذل ليبيا، ولن أخذل أهلي وأسرتي، ولن أخذل الشعب الليبي، ولن أهرب من الميدان، ولكن كل ما في الأمر أنني اعتكفت وامتنعت عن التصريح لأي قناة وامتنعت عن تنظيم أي مؤتمر صحافي يتناول هذا الموضوع. إن إهانة وزير الدفاع لي من الصعب أن أنساها، ولكن من المستحيل أن أهرب من الميدان فهذه ليست من طباعي وشيمي.

* ولكن قصة الخلاف هذه تعكس كواليس غير معلنة في العلاقات بين العسكريين وصفوف الثوار؟

- الموجودون في الجبهة الآن هم العسكريون. والثوار العسكريون هم ثوار الجيش وأيضا هناك ثوار مدنيون ولدى جميعنا روح واحدة، وقلب واحد، ولا يوجد خلاف بين ثوار مدنيين وثوار عسكريين، فكلنا انصهرنا في بوتقة واحدة.

* كأنك تلمح لوجود فساد في وزارة الدفاع؟

- لا نتحدث عن فساد أو مفسدين فهذا يعرضني للمساءلة حتى من الناحية الدينية، ولن أرتكب ذنوبا، فأنا لا أطعن في أحد ولا في أخلاق أحد، ولكن هناك أمورا استراتيجية تهم رؤية الشعب الليبي. فإذا سئلت من قبل جهة تحقيق رسمية مثل المكتب التنفيذي أو المجلس الانتقالي، وقتها سأتحدث فقط، واعذرني، فأنا لا أريد الخوض في التفاصيل الآن.

* وإذا استمر تجاهل المجلس الانتقالي للمشكلة ماذا ستفعل؟

- أنا في الميدان، ولا أستطيع أن أتحدث في أي موضوع إلى أن يتخذ المكتب التنفيذي قرارا بشأن ما حدث لأنني شعرت أنا وزملائي في الجيش، وجيش التحرير بالكامل، بإهانة كبيرة. وقتذاك سيكون لي موقف ولكل حادث حديث.