مجموعة من المثقفين والناشطين اللبنانيين يستلهمون من الربيع العربي «تجمع لبنان المدني»

مروة لـ «الشرق الأوسط» : مقتنعون بأنه لا ملاذ لنا إلا الدولة.. والتمسك بالعدالة لا ينفي أهمية المقاومة

TT

على وقع الانتفاضات والثورات العربية الطامحة إلى التغيير الديمقراطي، التي يضج بها العالم العربي، وفي ظل الانقسام اللبناني الحاد، على المستويات السياسية والطائفية وحتى المذهبية، ارتأت مجموعة من المثقفين والمفكرين والباحثين والناشطين اللبنانيين إطلاق تجمع يحمل اسم «تجمع لبنان المدني»، في محاولة للتعبير عن حالة القلق والامتعاض التي تعتري المنضوين فيه بعد خيبات أمل اختبروها واللبنانيين كافة وبعد انسداد الأفق على أكثر من صعيد، لا سيما سياسيا.

وعلى الرغم من أن الثقل الشيعي واضح في بنية هذا التجمع، انطلاقا من أن كثيرين ممن تجاوبوا مع فكرته هم من الشيعة، فإنه يقدم نفسه كتجمع عابر للطوائف، يعكس أو يترجم طموحات مجموعة من «اللبنانيين الليبراليين غير المستعدين للدفاع عن قضية ما بالروح والدم، بل بالروح فقط»، على حد تعبير أحد مؤسسيه.

تجد المجموعة في الربيع العربي «فرصة للدخول في الديمقراطية والدولة المدنية ودولة المواطن، التي وإن كان اللبنانيون سباقين برفع شعاراتها كلاميا إلا أنهم لا يزالون بعيدين عنها عمليا»، على ما يقوله لـ«الشرق الأوسط» مالك مروة، أحد أعضاء التجمع المؤسسين. ويعرف مروة «تجمع لبنان المدني» بأنه «تجمع ضد المحاصصة، في وقت ينقسم لبنان بين فريقين سياسيين ثبت أنهما يعملان لتفتيت الدولة وليس بنائها»، موضحا «إننا نريد دولة مدنية، تحترم المواطن كفرد، ويكون القانون فوق الجميع وهو السائد فيها، فالناس بعد 30 عاما باتت أكثر نضجا ووصلنا جميعنا لقناعة مفادها أن لا ملاذ لنا إلا الدولة، وهروبنا للطوائف جعلها تغطي التقسيم والفرز الحاصل أكثر، وبات كل ذلك يجرنا إلى الخلف».

وتأتي ولادة هذا التجمع بينما تشهد الساحة اللبنانية وجود الكثير من التجمعات والهيئات والأحزاب التي تحاول الحراك في ظل سطوة فريقي «8 و14 آذار» على المشهد السياسي، إلا أن مقاربة التجمع للقضايا الخلافية المطروحة راهنا تبدو متمايزة. وينطلق مروة في قراءته للانقسام الحاصل حول العناوين الخلافية من «قناعتنا بأن الحصول على العدالة لا ينفي أهمية المقاومة ودورها، بمعنى أن هذه لا تلغي تلك». وبهذا الإطار، يرى التجمع أن العدالة تضع حدا لجرائم الاغتيال السياسي التي ضربت لبنان طيلة عقود، كما أن المقاومة تضع حدا للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان. إلا أن هذه المقاومة، وكما يؤكد مروة، لا يمكن أن «تكون حكرا على أشخاص أو فئات، فالشعب اللبناني يقاوم يوميا وكل من موقعه»، مع إشارته في موازاة ذلك إلى أن «وجود ثقل شيعي في التجمع لا يعني معارضته للثنائية الشيعية، أي حزب الله وحركة أمل، على الإطلاق». ينطلق التجمع من «فكر جامع للبنانيين، يريد التغيير والحداثة»، وعلى الرغم من إدراك المنضوين في إطاره أنه «لن يقدم اختراعات»، وإشارتهم إلى أن «لا برنامج عمل ولا انتماء سياسيا ولا أفكار مسبقة لديه»، فإنهم يراهنون على تحقيق «حلم بناء الدولة المدنية» الذي يراودهم انطلاقا من خبرتهم ومسارهم ونضوجهم الفكري والسياسي. وهم يعرفون جيدا أن مهمتهم «صعبة» لكن «ليست مستحيلة»، على وقع المشهد العربي الثائر، ومن هنا فإن عمله، وفق مروة، «هو عمل سنبشر به على المدى الطويل حتى إنجازه، وسنفتش من خلاله على المساحات الجامعة بين اللبنانيين المدعوين للتفكير في وضعهم وإعادة قراءة تاريخهم والتعلم منه». وكان تم أمس إطلاق «تجمع لبنان المدني» في بيروت، وإعلان بيانه التأسيسي الذي حدد مهمته بـ«الدفاع عن مشروع الدولة في لبنان»، استنادا على مجموعة من الأسس، في مقدمها: «الدولة هي كيان الشعب وحافظة استقراره والمؤتمنة على أرض الوطن والناظمة للحياة الاقتصادية والسياسية فيه»، على أن «الدولة المنشودة هي دولة القانون والمؤسسات والحريات الديمقراطية والعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص، وهي الدولة المدنية الديمقراطية، السيدة على حدودها وداخل حدودها، والتي تتجسد من خلالها الوحدة الوطنية».

ووفق البيان التأسيسي، فإن «هذه الدولة تملك وحدها الحق الحصري بسن القوانين وتطبيقها، وبرسم السياسة الخارجية»، ويحتاج قيامها إلى «إدخال إصلاحات سياسية»، وإصلاحات «إدارية واقتصادية واجتماعية»، إضافة إلى «تحصين السلطة القضائية»، على أن «الدولة المنشودة هي التي تكرس انتماء لبنان إلى الأمة العربية والتزامه دعم قضاياها العادلة، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، وأن تسهر على تصحيح العلاقات اللبنانية - السورية». وفي كلمات ألقيت خلال إطلاق التجمع، أوضح مروة «إننا لسنا جزءا من الاصطفاف السياسي القائم اليوم في لبنان، ولسنا في صراع مسبق مع أحد، ولا في تحالف مسبق مع أحد، ولا نطرح أنفسنا بديلا عن أحد، ولا امتدادا لأحد».

وأكد الناشط السياسي غالب ياغي أن «ما يجمعنا اليوم هو انحيازنا الواضح للربيع العربي، بما يعني من إعلاء لحرية الإنسان والدفاع عن كرامته وإدانة لآلة القتل الهمجية، و«انحيازنا إلى بناء الدولة المدنية الحديثة بما يعبر عنه بالانحياز لتطبيق الدستور والالتزام بالآليات الديمقراطية واحترام الاختلاف والاعتراف بالآخر، واعتماد لغة الحوار الهادئ النابذ لأي عنف»، إضافة إلى «انحيازنا لإعلاء قيم المواطنة بما يعبر عنه بحقوق الإنسان الأساسية...».

تجدر الإشارة إلى أنه من أبرز الأعضاء المؤسسين لهذا التجمع: صلاح الحركة، وحارث سليمان، ومحمد علي مقلد، وميشال طراد، ومصطفى فحص، وعلي الأمين، وهادي الأمين، وسامي نادر، وعلي صبري حمادة، ولقمان سليم، وأديب بو حبيب...