الطمع في الوظيفة يدفع حتى رجال القانون في العراق إلى خرقه

مساعد عميد في جامعة بغداد تعرض للضرب والاعتقال لرفضه التوقيع على شهادة دراسية مزورة

TT

على مدار عامين، تلقى مساعد عميد في واحدة من الجامعات الكبرى في العراق تهديدات من ضابط شرطة تخيره ما بين التوقيع على شهادة مزورة، تثبت أن الضابط قد تخرج في الجامعة، أو الاعتقال أو القتل. لكن مساعد العميد الدكتور رهيف العيساوي رفض رفضا قاطعا، وفي آخر أيام امتحانات الجامعة في يونيو (حزيران)، نفذ الضابط تهديداته وزج بالعميد في السجن، بحسب قوله.

في العراق، دأبت الشرطة على ترويع المواطنين والاعتداء عليهم منذ وقت طويل، سواء تحت حكم صدام حسين أو خلال السنوات التي تلت الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. غير أن ضرب مساعد العميد والأحداث المماثلة التي وقعت في الأشهر الأخيرة تجسد مشكلة متزايدة فرضت على هذه الدولة، ألا وهي تفشي تزوير الشهادات الجامعية. ففي العام الماضي، كشف تحقيق أجراه البرلمان العراقي عن أن أكثر من 5000 مسؤول حكومي، بمن فيهم وزراء وأعضاء بالبرلمان كذبوا بشأن شهاداتهم الجامعية.

ووفد كثير من سكان الريف إلى بغداد أثناء التشكيل البطيء للحكومة الجديدة، آملين في العمل بالخدمات المدنية، وبوظائف ذات رواتب مجزية ومزايا كثيرة، مثل الحصول على أراض مجانية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه كانت المشكلة بالنسبة لهؤلاء الأفراد في أن ثمة قانونا عراقيا يعود إلى ما قبل وصول صدام حسين إلى سدة الحكم يلزم العاملين بالوظائف الحكومية بإتمام مستويات معينة من التعليم. وكثير من الباحثين عن وظائف حكومية يفتقرون إلى الشهادات المطلوبة، لكنهم تمكنوا من استغلال حقيقة أن الكثير من الوثائق الحكومية قد دمرت في أعقاب سقوط نظام صدام، بما فيها السجلات الدراسية. ونتيجة لذلك، ضغط كثير من العراقيين على مسؤولين دراسيين من أجل التوقيع على وثائق تفيد بأنهم قد تلقوا تعليمهم في مدارس لم يلتحقوا بها مطلقا في حقيقة الأمر.

ورفض بعض المسؤولين الأكاديميين الضغط الواقع عليهم لإصدار شهادات مزورة، كما تلقى البعض منهم تهديدات، مثلما حدث مع الدكتور العيساوي. في الوقت نفسه، بدأت حكومة ما بعد صدام حسين في ملء وظائفها الشاغرة بالموظفين غير المؤهلين، الذين لم ينه غالبيتهم مرحلة الدراسة الابتدائية. وتقول عالية نصيف، عضو لجنة النزاهة في البرلمان «هذا سبب جوهري وراء عدم ارتقاء العراق».

لقد انتشر تزوير الشهادات الدراسية كالنار في الهشيم، إلى حد أن البرلمان ينظر في سن تشريع يقضي بسجن من تتم إدانتهم بالكذب بشأن مستواهم التعليمي لمدة تتراوح ما بين 6 سنوات و12 سنة. وبموجب هذا التشريع، سيجبرون أيضا على إعادة كل الأموال التي كسبوها أثناء عملهم بشهاداتهم المزورة. ويتضمن هذا التشريع العفو عن الموظفين الحكوميين العاملين بالمستويات الدنيا ممن يعترفون طواعية بأنهم قد استخدموا شهادات مزورة.

وكان الدكتور العيساوي قد عاد إلى العراق قادما من ليبيا في عام 2006. وبدأ يعمل في جامعة بغداد، وسرعان ما واجه مشكلة الفساد المستشري، على حد قوله. ويضيف «اكتشفت أن دفتر التسجيل الرئيسي قد تم تغييره وتزويره، لذلك بدأت البحث في المشكلة واكتشفت الكثير من المزورين. وكانت هناك عصابة في قسم التسجيل تساعد الناس في تزوير شهاداتهم التعليمية». حاول العيساوي كشف من حصلوا على شهادات مزورة. وبعد تحقيقات لم تستمر لأكثر من بضعة أسابيع، تلقى أول تهديد من خلال رسالة نصية. ويسترجع ما حدث قائلا: «جاء في التهديد: سنقطع رأسك». غير أن التهديدات لم تثنه عن عزمه. وقال إنه على مدار عامين، اكتشف ما يقرب من 100 شهادة مزورة استخدمها مسؤولون حكوميون وضباط أمن. وفي هذا العام، قام شخص ما بإزالة مكابح سيارته.

وأوضح الدكتور العيساوي أنه كان على شاكر كريم، ضابط الشرطة المتهم بالاعتداء عليه، إثبات أنه حاصل على شهادة جامعية كي يمكنه الترقي؛ فقد أراد أن يصبح ضابط استخبارات في وزارة الداخلية.

وبينما كان الدكتور العيساوي يقود سيارته في طريق عودته من العمل إلى منزله في يونيو، أوقفته دورية شرطة وطلبت منه النزول من السيارة، لكنه رفض. بعدها، ظهر الضابط كريم من خلف السيارة وانحنى في اتجاه العميد وبدأ في ضربه، وشاركه في ضرب الكثير من الضباط الذين كانوا بصحبته، على حد قول العميد. وأشار العيساوي إلى أن الضباط قد أخذوا يصيحون بعد أن سحبوه من سيارته على الأرض وهم واقفون فوق رأسه: «أنت إرهابي. أنت من تقتل الضباط». وقام الضباط الآخرون بتقييد ذراعيه وقدميه ووضعوه على أرضية شاحنة، ثم قادوه إلى السجن. وبعد يومين، عقب نشر الصحف المحلية مقالات عن واقعة اعتقال العيساوي، أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بإطلاق سراحه. وبعد الإفراج عن العيساوي، ألقت الشرطة القبض على الضابط كريم بتهم الضرب والتزوير. وبعدها، أطلق سراحه بكفالة وعاود عمله كضابط شرطة.

ويقول العيساوي «أعلم أنه في يوم ما سيتم الاعتداء علي أو قتلي من قبل المزورين»، مضيفا «سأواصل فحص دفاتر التسجيل. أرغب فقط بأن تحميني الحكومة. إنني أحرص على بلدي أكثر من حرصي على نفسي. لست خائفا من أن أقتل، لكني خائف على بلدي، فالتعليم هو مفتاح تقدمه».

* خدمة «نيويورك تايمز»