«البحرية السورية» تغرق مراكب صيد لبنانية وتسجن صيادين.. والحكومة اللبنانية غائبة

شكاوى من استغلال الظروف السياسية والأمنية للانتقام من أهالي المنطقة الحدودية في الشمال

TT

يتزايد هاجس الصيادين اللبنانيين في الحدود البحرية الشمالية بين لبنان وسوريا، مع قيام «البحرية السورية» باختطاف بعضهم وسجنهم وإغراق مراكبهم. قصص كثيرة يرويها الصيادون هناك، الذين يعانون «الأمرّين» مع أي خضة سياسية أو توتر أمني قد تشهده سوريا، لا سيما أن الحدود «غير مرسمة» بشكل كاف والحجة «الرسمية» تبقى في «تداخل هذه الحدود».

ومع بداية الأزمة السورية وتفاقم حوادثها، ازداد التضييق على الصيادين اللبنانيين من الطرف السوري، حيث منع الصيادون من ممارسة الصيد قرب منطقة العريضة، وقامت البحرية السورية بملاحقتهم وإغراق مراكبهم الصغيرة، لمجرد أن التيار المائي قد جرفها إلى الداخل السوري عن غير قصد.

وبعد أن أطل عليهم «نجم»، الطراد السوري الجديد، ليشكل الحلقة المميتة أو الضربة القاضية في سلسلة المعاناة والمشاكل التي تحفل بها مهنتهم، بمضايقاته وممارساته التي تحول دون تمكنهم من تحصيل لقمة عيشهم، ازدادت صرختهم. وبات الصيادون عرضة لشبكة مضايقات من خفر السواحل السوري، التي تسرح من دون حسيب ولا رقيب في المنطقة الخيّرة بالأسماك والممتدة على حدود العريضة مرورا بمنطقة القليعات والعبدة وصولا إلى جون عكار.

وتعمل الشبكة على مطاردة الصيادين اللبنانيين وملاحقتهم داخل المياه الإقليمية، التي تحددها كما يحلو لها لعدم وجود علامات أو ترسيم بحري بين لبنان وسوريا، فيما تحمي في الوقت عينه الزوارق السورية التي تصطاد بحرية على عمق 3 أو 4 كيلومترات داخل المياه اللبنانية.

الرحلة على طول الساحل الشمالي، من طرابلس وصولا إلى منطقة الحدود عند العريضة، تحفل بالكثير من المفاجآت والمعاناة. هذه المعاناة لم تحرك ساكنا من الجهة الرسمية اللبنانية. وتعالت الصرخة من قبل الصيادين الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن معاناة مزدوجة في المهنة وعراقيل الملاحقات الدائمة. وأكدوا أنهم صاروا «هدفا» انتقاميا من قبل البحرية السورية. ويتحدث محمد (34 عاما)، وهو صياد من منطقة العبدة الساحلية، عن «محاولات تضييق» من قبل خفر السواحل السورية، حيث يتم إطلاق النار على المراكب اللبنانية لمجرد عبورها عن طريق الخطأ بعض «ميليمترات» في الداخل البحري السوري. وأشار محمد إلى أن «الصيادين يبحثون عن رزقهم وعن لقمة عيش أطفالهم، وهم غير معنيين بما يجري من حوادث. لكن هناك استغلالا للظروف السياسية والأمنية للانتقام من أهالي المنطقة الحدودية في الشمال، لموقفهم السياسي الداعم لتيار المستقبل». ويؤكد أن هذه الاستهدافات ليست الأولى، فقد شهدت «العريضة» (المنطقة الحدودية) ملاحقات وخطفا لصيادين لبنانيين في عام 2005.

ويقول محمد لـ«الشرق الأوسط»: «يمنعنا وجود الطراد السوري في المياه الإقليمية اللبنانية من الصيد بحرية». ويتابع: «منذ فترة يعمدون إلى السطو على شباكنا التي نتركها ونهرب عندما يقترب منا الزورق السوري، ولا من يحاسب»، مشيرا إلى أنه «في السابق كنا نصل حتى جزيرة أرواد ولا أحد يعترضنا، بينما اليوم لا نستطيع حتى الاقتراب من حدود مياهنا الإقليمية خوفا من أن يمسكنا الزورق السوري». في المقابل شدد الصياد ربيع (26 سنة) على «ضرورة متابعة وضعهم من قبل المسؤولين اللبنانيين والسوريين والسماح لهم بالصيد لتأمين معيشتهم اليومية التي لا مصدر آخر لها سوى ما ينتجونه من صيد السمك».

الطريق من العبدة إلى العريضة، لا يمكن وصفه. حفر كثيرة اتسعت لبعض من طريق. منطقة يبدو أن الدولة نسيت أنها جزء من أراضيها. تختلف ظروف الوضع في العريضة عنها في العبدة. هنا في العريضة، غالبية أبناء البلدة يعملون في الصيد، وترسو قواربهم في «النهر الكبير الجنوبي»، الذي يفصل لبنان عن سوريا.

خالد (33 سنة) الذي يعمل مع أخيه على أحد مراكب الصيد، يقول: «باب النهر مغلق بسبب الرمل، لذلك نعاني كثيرا كلما أردنا الخروج للصيد. يقوم قاربان بسحبنا، وننقل الشباك والعدة إلى الشاطئ، ومن هناك نضعها على القارب. هذه معاناتنا اليومية». يتحدث خالد عن معاناة الصيادين هنا مع خفر السواحل السورية، «هنا الفلايك سورية والذين يعملون عليها لبنانيون. عندما نرى خفر السواحل نرحل من حيث نكون، وهم يأتون ويأخذون الشباك الموجودة في البحر، يقولون ممنوع أن تدخلوا إلى الأراضي السورية». ويشير حسن، شقيق خالد، إلى أنه «يوجد في العريضة أكثر من ثلاثين مركب صيد يعمل عليها نحو خمسة وسبعين شخصا».

هذه المعاناة دفعت خالد للمطالبة بـ«ترسيم سريع للحدود عبر وضع علامات عليها حتى لا نتخطاها». مطالب يتفق عليها كل من التقينا بهم من الصيادين الذين أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «الوقت حان لترسيم الحدود وضبطها لإسعافهم من ظلم خفر السواحل السوريين».