بعض أكراد سوريا يريدون حكما ذاتيا بعد إسقاط «النظام البعثي»

رئيس «حركة حرية كردستان» لـ«الشرق الأوسط»: تجربة كردستان العراق فريدة وناجحة

TT

«اغتيال الناشط السوري الكردي مشعل تمو كان القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد أن صبر النظام السوري طويلا على مظاهرات الأكراد وتحركاتهم، محاولا تحييدهم عن الثورة»، قال لـ«الشرق الأوسط»، أمس، الناشط السياسي والصحافي الكردي السوري المقيم في لبنان، صالح دمي غر. وأضاف: «بعد اغتيال تمو من قبل النظام ها هي دبابات الجيش كما حشود عسكرية، يسيرها النظام في الوقت الحالي باتجاه مدن كردية وبشكل خاص إلى القامشلي عن طريق الحسكة، مما يجعلنا نعتقد أن الأيام المقبلة لن تكون كالتي سبقتها». ويقول دمي غر: «إن إسقاط تمثال حافظ الأسد في عمودا أغضب النظام بشكل كبير، ويبدو أنه عازم على الانتقام».

ويتحدث ناشطون أكراد فروا إلى لبنان، عن قمع شديد تتعرض له مناطقهم، وعائلاتهم، وتهديدات يتلقونها في لبنان على هواتفهم، مما يضطرهم إلى تغيير أماكن إقامتهم بشكل مستمر. كما أن المداهمات لمنازل عائلاتهم في سوريا باتت أمرا طبيعيا مع تهديد الأقرباء بالسجن، معتبرين أن هذا العنف المستجد الذي يبديه النظام تجاههم، والذي يخشون تصاعده، «دليل على إرباك شديد يعيشه النظام، وتخبط في التعامل مع الثوار الأكراد».

ويقول كادار بيري، وهو رئيس «حركة حرية كردستان»، الهارب إلى لبنان: «مخاوفنا تتزايد لأن الإعلام الرسمي السوري بات يتحدث عن عثوره على سيارات مفخخة، يكتشفها الأمن السوري في اللحظات الأخيرة قبل انفجارها. ويخشى أن يكون هذا تمهيدا من النظام لاستخدام سيارات مفخخة ضد الثوار. وهذه كانت طريقته في العراق». ويضيف كادار بيري: «أنا ابن القامشلي، ونحن سكان المناطق الحدودية مع العراق كنا نرى بأم العين السيارات التي تعبر، ونعرف جيدا أن بعضها كان يأتي سوريا ليعود معبأ بمادة (تي إن تي)، فالحدود لا يمكن لأي أحد ضبطها أو التحكم بها».

كادار بيري أسس مع 3 من النشطاء الأكراد حركة مسلحة إثر انتفاضة القامشلي عام 2004 التي يقول «إن النظام استخدم خلالها القبائل العربية للاعتداء علينا». ويشرح قائلا: «قامت الحركة لحماية الأكراد من اعتداءات النظام السافرة، التي تجلت في نهب وقتل واغتصاب النساء»، كما يقول. ويكمل بيري أن «السلاح كنا نحصل عليه من تجار السلاح في كردستان العراق وما أكثرهم، لكن النظام السوري طاردنا، واعتقل 36 شخصا وفر الباقون وكنت أحدهم حيث أتيت إلى لبنان».

ويضيف: «وحين خرجت المجموعة من السجن بعد العفو الرئاسي، منذ 3 أشهر، استقبلوا استقبال الأبطال. وهو ما يعني أن أكراد سوريا ملتفون حولنا». وعما إذا كان السلاح لا يزال يتدفق على سوريا من كردستان العراق يقول: «في هذه المرحلة لا مصلحة لنا باستخدام السلاح، لأنه سيجعل الثورة دموية جدا». ويشكو الأكراد من اضطهاد مزدوج لهم تحت حكم النظام البعثي، فمن ناحية يعانون ما يعانيه أي سوري من قمع سياسي، ومن ناحية أخرى تم تغيير أسماء مدنهم وقراهم لتصبح عربية الأسماء، كما يحظر عليهم استخدام اللغة الكردية التي يتعلمونها في منازلهم سرا. كما يعاني الأكراد أيضا من تدخل الأمن السوري حتى في تسمية أولادهم، الذين يفرض عليهم أن تكون عربية. هذا عدا اعتبار لغتهم لغة أجنبية في سوريا. ويقول بيري: «أمي وأبي يجهلان العربية تماما، وعلاقتهما بالدوائر الرسمية غير ممكنة، لأن العربية هي اللغة الوحيدة المعترف بها. حين ذهبت إلى المدرسة كنت لا أتكلم غير الكردية. وفوجئت حين قال لي الأستاذ ممنوع استخدام اللغة الأجنبية». هذا الجرح يحز في قلب كل كردي.

ويقدر البعض عدد الأكراد الموجودين في سوريا بمليوني نسمة، إلا أن الأكراد أنفسهم يقولون إن الإحصاءات غير دقيقة ولها أهداف سياسية ويقدرون عددهم بنحو 3 إلى 4 ملايين نسمة، بقي عدد منهم يصل إلى 350 ألفا من دون جنسية. إلا أن النظام السوري كان قد أصدر قرارا مع بداية الثورة بمنحهم الجنسيات، غير أن عدد من حصلوا على الجنسية فعلا لا يزال قليلا ولا يزيد على 8 آلاف، «عدد من أصحاب الطلبات تستمهلهم الدولة بحجة أن المعاملات تحتاج وقتا طويلا، وعدد آخر يرفض تقديم طلب للحصول على هوية مكتوب عليها (عربي سوري)». ويضيف بيري: «أنا لست عربيا، وهوية كهذه لا تعني كثيرين».

يعتبر عدد كبير من الأكراد السوريين أن كردستان العراق الذي تربطهم بأهله صلات رحم وتنسيق دائم وعلاقات سياسية، إذ إن الأحزاب العراقية الكردية لها رديفها في الجانب السوري، هو النموذج الذي يجب أن يحتذى. يقول بيري: «نحن نريد، بعد سقوط النظام، حكما ذاتيا أو اتحادا اختياريا، أو فيدراليا. هذا هو الحل الأنجع. الحركات الكردية متوافقة على هذا الطرح وتطالب بإدارة ذاتية تشمل اللغة والتقاليد والأسماء وتحفظ الخصوصية الكردية».

يتفق بيري مع دمي غر على أن «تجربة كردستان العراق، فريدة وناجحة، خصوصا أن الأكراد باتوا هم من يحلون مشاكل السنة والشيعة ولولاهم لتفتت العراق»، يجمع الاثنان، وهما يؤكدان كناشطين كرديين أن هذا المطلب سيكون قائما بعد سقوط النظام. وعما إذا كان هذا الأمر قد بحث في المجلس الوطني السوري الذي يتمثلون فيه بـ20 عضوا؟ يقول الناشط دمي غر، الذي يعمل مراسلا لتلفزيون كردستان العراق من بيروت: «هناك تباين في الآراء، البعض يقول علينا أن نضع شروطنا من الآن والبعض الآخر، يرى أن علينا انتظار سقوط النظام. نحن نمثل 15 في المائة من الشعب السوري، أي أننا يجب أن نتمثل بعدد أكبر في المجلس الوطني الذي يضم أكثر من 230 عضوا، لكن لا تزال الأمور في بداياتها».

مطالبتكم بالحكم الذاتي سترعب كل المنطقة، ويكون خطوة ثانية بعد كردستان العراق، ويشجع أكراد تركيا وإيران على الانفصال؟ يجيب بيري: «سأكرر ما قاله مسعود بارزاني حين طرح عليه هذا السؤال: هذا حلم الشعب الكردي، لكن هناك واقع لا بد من احترامه». تقدر المساحة التي يعيش عليها الأكراد شمال شرقي سوريا بأكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع، أي ما يقارب مساحة لبنان، وهي أرض زراعية خصبة ذات إنتاج عال وتتركز فيها آبار البترول السورية. مما يعني أن إعطاء الحكم الذاتي للأكراد لن يكون أمرا سهلا. جدير بالذكر أن ثمة تباينات بين الأحزاب الكردية التي يعلن غالبيتها عداءه للنظام باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي لا يزال يمثل عددا لا بأس به من أكراد سوريا، يترأسه صالح مسلم، وهو أحد أجنحة حزب العمال الكردستاني في العراق. ويبدو أن حساسية هذا الحزب من تركيا، وتحديدا أردوغان، تدفع بزعيمه، صالح مسلم، إلى اتباع نهج وسطي مع النظام السوري حيث يطالب بإصلاحات ولا يشترط إسقاط النظام. «لكن الوضع على الأرض هو الذي سيحكم التوازنات المقبلة»، يقول محللون، إذ إن الشباب الكردي الذين شكلوا تنسيقيات خاصة بهم، هم الذين يحكمون الأرض وهؤلاء رغم أن بعضهم ينتمي إلى مختلف الأحزاب الكردية، إلا أنهم يسبقون قياداتهم الهرمة، وما عادوا ينتظرون الأوامر العليا، ولا يتوانون عن حمل شعارات تطالب بـ«إسقاط النظام وإعدام الرئيس».