رئيس سابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية يتهم باراك بإجهاض السلام مع سوريا

تساءل في كتاب جديد له: لماذا تخاف إسرائيل السلام أكثر من خوفها من الحرب؟

TT

اتهم الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات العسكرية في إسرائيل، أوري ساغي، وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، بإجهاض عملية سلام شبه مؤكدة مع سوريا عندما كان رئيسا للوزراء (1999 - 2001)، لأنه «يخاف من السلام معها أكثر من خوفه من الحرب». ويقول ساغي، في كتاب جديد سيصدر قريبا في تل أبيب، إن باراك تصرف مثل الجندي في سلاح المظليين الذي يتجه نحو هدفه وفي اللحظة الأخيرة يرفض القفز. وإن الحجج التي تذرع بها لتبرير تهربه من السلام كانت واهية لدرجة خطيرة مثل توجيه السؤال: «كيف سأصافح (الرئيس حافظ) الأسد».

والكتاب الجديد يصدر بعنوان «اليد التي تجمدت»، ومؤلفه الجنرال في جيش الاحتياط أوري ساغي، كان رئيسا لجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) ورئيسا للوفد الإسرائيلي المفاوض مع سوريا. واليد التي يقصدها في عنوان كتابه، هي يد باراك، الذي أوكل لساغي خلال فترة رئاسته للحكومة الإسرائيلية ملف المفاوضات مع سوريا. وهو يقصد أن يد باراك قد تجمدت خوفا من التوقيع على معاهدة سلام مع سوريا عندما اقتربت ساعة الحسم. ويتساءل ساغي في كتابه بشيء من الذهول: «لماذا تخاف إسرائيل من سلام مع سوريا أكثر من الخوف من الحرب معها».

وقد نشر المحرر السياسي لصحيفة «هآرتس»، عكيفا إلدار، مقالا تناول فيه أهم ما جاء في الكتاب، فأكد صحة ما ذهب إليه دنيس روس ومارتن انديك، اللذان كانا في طاقم المفاوضات الأميركي، من أن رئيس حكومة إسرائيل هو الذي فوت فرصة إنجاز اتفاق سلام مع سوريا، وليس حافظ الأسد، كما يدعي باراك.

وأضاف ساغي، الذي جلس بين باراك ووزيره رئيس أركان الجيش الأسبق، أمنون ليبكين شاحاك، في اللقاء الذي جرى مع فاروق الشرع وزير الخارجية السوري، في حينه، تحت رعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، في ديسمبر (كانون الأول) عام 2000، أنه عندما بدا أن المفاوضات وصلت إلى الباب الموصود، توجه الشرع إلى مضيفه كلينتون قائلا: «إذا أردت استعمال اللغة غير الدبلوماسية، سيدي الرئيس، كنت سأقول لقد استغفلوني. نعم السيد باراك استغفلني. ففي بلير هاوس اتفقنا على أجندة، هل هذا صحيح سيدي الرئيس، فاحمرت وجنتا كلينتون واصطكت أسنانه ولم ينف»، كما يكتب ساغي. ويضيف أن الشرع تحدث نصف ساعة «وأنا كإسرائيلي لم أشعر بالفخر، لقد قال لرئيس حكومة إسرائيل، إنه يكذب، إنه دون مصداقية، إنه يعد ولا يفي وإنه يستغفل الجميع. وخلال فترة حديثه حظي كل الوقت بدعم وتأييد رئيس الولايات المتحدة، الذي قال له أنت صادق مائة في المائة، المصيبة أن الشرع لم يكن مخطئا»، يقول ساغي.

ويعلق الصحافي إلدار، أن التوثيق التفصيلي والمميزات الحادة التي أوردها ساغي حول كيفية إدارة باراك للمفاوضات مع السوريين، تغني التصور والرواية المتعلقة بالمفاوضات مع الفلسطينيين في كامب ديفيد في يوليو (تموز) 2000. ويقول إنه عندما وصلت المفاوضات مع السوريين في شبردستون الأميركية إلى نقطة الحسم، بدأت تلاحق باراك أسئلة يصفها ساغي ساخرا بـ«الكارثية»، مثل: «هل ستجري مصافحة أم لا». وقال ساغي إن ذلك يذكره «بجرّاح يدقق في مسألة استعمال أدوات الجراحة في وقت يرقد أمامه مريض ينزف دما، ورجل يروح ويجيء في الممرات في السباق إلى اللامكان، والجندي المظلي الذي ينطلق نحو إنجاز تاريخي وفي اللحظة الأخيرة يتمسك بالأبواب ويرفض القفز من الطائرة»، ويصل ساغي إلى وصف أداء باراك بـ«الجنوني».

ويقول إلدار إن «انتقادات ساغي الحادة ضد باراك لا تنطلق من إنسان حالم أو رومانسي، بل من إنسان أمضى خيرة سنوات حياته خلف فوهة البندقية، والسلام بالنسبة له هو مجرد وسيلة لتثبيت أمن إسرائيل وتمكينها من البقاء في الغابة الشرق أوسطية. فهو ونحن معه لا نستطيع أن نتخيل ما كان سيصيب إسرائيل في هذه الأيام لولا معاهدات السلام مع مصر والأردن». ويقتبس من ساغي قوله: «لا يمكن الاستمرار في الارتكاز إلى القوة العسكرية مهما كنت قويا. فالجيش الإسرائيلي قادر على الدفاع عن إسرائيل وحدودها ولكن الثمن المتوقع في حرب قادمة يدعو للتفكير قبل الشروع في حرب كهذه».

ويختتم عكيفا إلدار مقاله بالحديث عن الساحة الفلسطينية. فيذكر أن باراك «حاول إلصاق تهمة الفشل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين بالرئيس ياسر عرفات»، ويضيف أن «من يراجع الملف السوري يشعر أن أقوال باراك هي تضليل في تضليل. والصحيح هو أن باراك خاف من التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا، وخاف كذلك من السلام مع الفلسطينيين. والسؤال الذي يجب أن يطرح هو: لماذا تخاف إسرائيل من السلام أكثر من خوفها من الحرب عموما وليس فقط على الجبهة السورية».