إبراهيم الفاسي لـ «الشرق الأوسط»: جميل أن نسقط الديكتاتوريات .. لكن كيف نقيم ديمقراطيات مستقرة؟

رئيس منتدى «ميدايز» لدول الجنوب في طنجة المغربية: «الربيع العربي» نتاج إحساس عام بأن الكيل قد طفح

إبراهيم الفاسي الفهري («الشرق الأوسط»)
TT

يتوقع أن يشارك في مؤتمر «ميدايز لدول الجنوب»، الذي سينظم في طنجة الشهر المقبل، ممثلون عن 60 دولة، بينهم رؤساء حكومات ونواب رؤساء ووزراء خارجية ومسؤولون حكوميون حاليون وسابقون. وينظم اللقاء الحاشد معهد «أماديوس» المغربي، الذي يتولى رئاسته إبراهيم الفاسي الفهري، نجل الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي. ويحظى المعهد بدعم ملحوظ من السلطات الرسمية المغربية على أعلى مستوياتها. وقالت مصادر المعهد إن المنتدى في دورته الرابعة سينظم ما بين 16 و19 من الشهر المقبل. وستكون من بين مواضيعه علاقة المغرب مع مجلس التعاون الخليجي.

وقال إبراهيم الفاسي الفهري، في حوار مع «الشرق الأوسط» في الرباط، إن «منتدى ميدايز» سيبحث حصيلة وآفاق الربيع العربي كمحور مركزي، ومشكلة تمويل الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية، والعلاقات العربية - الأميركية في سياق التحولات التي تعرفها المنطقة، والموقف الأميركي من إعلان الدولة الفلسطينية، والعلاقات الصينية - الأفريقية. كما سينظم منتدى اقتصادي على هامش المنتدى العام سيعرف عددا من الملتقيات والأنشطة المرتبطة بقضايا المال والأعمال. وفيما يلي نص الحوار.

* ما الذي يميز الدورة الجديدة لمنتدى ميدايز؟

- هذه الدورة تنعقد في سياق ظروف خاصة جدا، سواء في منطقتنا أم في العالم. إذ عرف عام 2011 أحداثا وتحولات كبيرة، بدأت بسقوط زين العابدين بن علي في تونس، ثم حسني مبارك في مصر، وكارثة فوكوشيما في اليابان، وأزمة اليورو، وهبوط تصنيف أميركا (الائتماني)، وسقوط معمر القذافي. وعلى المستوى الداخلي عرف المغرب كذلك تحولات كبرى مع الإصلاح الدستوري والإصلاحات السياسية الجارية، حيث ستعرف البلاد أولى الانتخابات التشريعية في ظلها بفارق ستة أيام فقط من موعد منتدى «ميدايز». كل هذا سيعطي للمنتدى نكهة وزخما. وطبيعي في هذه الظروف أن نخصص أهم لحظات المنتدى للربيع العربي، كمحور رئيسي له، لكن مع الحفاظ على الطابع الخاص للمنتدى باعتباره منتدى شاملا لبلدان الجنوب. وكالعادة ستكون هناك مواضيع تخص البلدان الأفريقية وأميركا الجنوبية وآسيا، إضافة إلى المواضيع المهمة كالتنمية المستدامة، والمفاوضات المناخية، والتعاون جنوب - جنوب، والتعاون جنوب - شمال.

* ما حجم المشاركة التي تنتظرونها هذه السنة، وهل تتوقعون أن تؤثر الظروف الإقليمية والعالمية الصعبة سلبيا عليها؟

- بالعكس تماما. لم يسبق لنا أن صادفنا مثل هذه السهولة في مشاركة شخصيات مهمة من القارات الثلاث في المنتدى. ربما لأن المنتدى نضج وأصبح معروفا بعد أربع دورات، ولكن المؤكد أن هناك اهتماما كبيرا بالتحولات التي تعرفها المنطقة، خاصة أنه سيكون أول منتدى من هذا الحجم يخصص للربيع العربي في المنطقة العربية. كما أن هناك اهتماما كبيرا وتقديرا للتجربة المغربية. لذا نتوقع أكبر مستوى للمشاركة في المنتدى. وننتظر ممثلين من 60 بلدا، مع حضور رسمي ووزاري كبير من مختلف بلدان الجنوب.

* كيف، ومن أي جانب سيتم تناول الربيع العربي من طرف المنتدى؟

- أعتقد أنه بعد زهاء عشرة أشهر من سقوط زين العابدين بن علي أصبح لدينا بُعد زمني كافٍ للقيام بحصيلة أولية للربيع العربي. حصيلة سياسية طبعا ولكن أيضا وبالأساس اقتصادية، لأن بلدان المنطقة اليوم في مرحلة انتقال، والسؤال الكبير هو كيفية إنجاح هذا الانتقال. شيء جميل أن نسقط الديكتاتوريات، لكن السؤال الجوهري هو كيف سننجح في إقامة ديمقراطيات مستقرة. فالتطور الديمقراطي يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية. ومن بين الأسئلة الجوهرية التي قررت طرحها خلال المنتدى كيف يمكن ضمان تمويل هذا الانتقال.

* القضية الفلسطينية وعملية السلام في الشرق الأوسط كانت دائما حاضرة في اهتمامات المنتدى خلال دوراته السابقة. ما موقعها في برنامج هذه السنة؟

- ستكون هناك جلسة خاصة بالقضية الفلسطينية، غير أن هذه القضية ستكون حاضرة بشكل أفقي في العديد من محاور المنتدى، سواء المتعلقة بالربيع العربي أم بمحور العلاقات العربية – الأميركية. فمن خلال الربيع العربي كتعبير عن إرادة الشعوب العربية في أن تأخذ مصائرها بأيديها، نريد أن نعرف ما رأي الذين أسقطوا حسني مبارك في مشكلة الشرق الأوسط، وكيف ينظر إليها المدونون السوريون، وما هو دور المجتمع المدني وموقعه في حل المشكلة الفلسطينية؟ لذلك قررنا جمع كل هؤلاء خلال المنتدى باعتباره فضاء مفتوحا وحرا للتعبير والنقاش البناء. جانب آخر من الإشكالية يتعلق بالكيفية التي غير بها الربيع العربي المعطى السياسي على مستوى منطقة الشرق الأوسط باعتبارها منطقة حساسة. مصر حسني مبارك كانت تتزعم المنطقة، تراجعت وتنازلت عن هذا الدور لصالح تركيا، وهي دولة غير عربية، لكنها قوة صاعدة جهويا وعالميا. ولمناقشة هذا الدور التركي سيحضر خلال المنتدى مسؤولون أتراك كبار، وسنستمع إلى وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في هذا الموضوع. كما سنستمع إلى وزراء عرب، وإلى نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية. إضافة إلى كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، الذي شارك في كل الدورات السابقة. مشكلة الشرق الأوسط ستكون حاضرة أيضا وبقوة في محور العلاقات العربية - الأميركية، الذي سيتناول تحولات هذه العلاقات منذ خطاب القاهرة إلى الفيتو الأميركي ضد قرار إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، والذي ألغى خطاب القاهرة، مرورا بسقوط مبارك كحليف استراتيجي لأميركا. لقد رأينا كيف أن باراك أوباما فرق بين الربيع العربي والقضية الفلسطينية في خطابه بالأمم المتحدة. فهل ستضيّع أميركا موعدا مع التاريخ بوقوفها ضد مشروع قيام الدولة الفلسطينية، في وقت تطالب فيه شعوب كل بلدان المنطقة بمزيد من الحرية ومزيد من العدالة الاجتماعية؟

* في عبارة الربيع العربي نوع من الإحالة على ربيع براغ، إلى أي حد هذا التوازي صحيح في نظرك؟

- وجه المقارنة الوحيد هو أن الأمر يتعلق في الحالتين بكون مجموعة من الدول المتقاربة جغرافيا قامت بانتقال ديمقراطي، في سياق تسلسل تفاعلي، في وقت وجيز نسبيا، بين عامين وثلاث سنوات. تلك هي النقطة الوحيدة المشتركة تقريبا. أما أوجه الخلاف بين التجربتين فأبرزها أن العالم العربي لم يكن معسكرا موحدا كما هو الحال بالنسبة للمعسكر الشرقي الشيوعي. فكل بلد عربي كان له نظامه السياسي الخاص به، ولم يكن هناك تماثل أو توافق في الأنظمة السياسية، وبالتالي فلا يمكن أن نقارن العالم العربي مع المعسكر الشرقي، لكن يمكننا أن نقارن ظاهرة الانتقال الديمقراطي رغم أنها لم تتم بنفس الوسائل. ففي المنطقة العربية كل بلد لديه تجربته الخاصة، ووتيرته الخاصة للتحولات السياسية والاقتصادية، فهناك بلدان بأنظمة ملكية وأخرى رئاسية وأخرى عسكرية، في حين أن دول أوروبا الشرقية كانت موحدة من حيث أسلوب عملها، مع أخ كبير أو أب يغطي الجميع.

* لماذا بالضبط في سنة 2011، وليس قبل ذلك، ما الذي أطلق هذه الأحداث؟

- ببساطة هناك إحساس عام بأن الكيل قد طفح. كانت هناك مؤشرات عديدة، مثل أحداث جربة في تونس عام 2008. لكن العامل الحاسم في تسريع الأحداث في نظري كان قرار القوى الغربية، والتي لأول مرة تخلت عن الديكتاتوريات التي تطلق النار على الشعوب. هذا هو الجديد، أوباما قرر بين عشية وضحاها عدم دعم مبارك، والذي ظل لعقود طويلة الشخص الذي تأتمنه أميركا على أمن إسرائيل. إذن يمكن القول إن الرئيس أوباما اختار في وقت ما الاصطفاف إلى جانب الشعب بدل إعطاء الأولوية لمصالح أميركا وإسرائيل. وهذا هو الذي مكن حدوث نوع من التسلسل التفاعلي في المنطقة. أعتقد أنه من دون سند الدول الغربية ما كان يمكن للربيع العربي أن يتم. ففي البلدان المنفتحة، مثل تونس ومصر، ما إن قررت الدول الغربية عدم التدخل وترك الشارع يفعل حتى سقط بن علي وكذلك مبارك. أما في البلدان المنغلقة مثل ليبيا فقد قررت الدول الغربية التدخل عسكريا وبشكل مباشر، وهو ما أدى للإطاحة بالقذافي. أما في سوريا، فللأسف حال الفيتو الروسي والصيني دون حدوث مثل هذا التدخل، وترك الشعب السوري فريسة للقتل والتنكيل، مع أن الوقت حان لرحيل الأسد حتى يكتمل الربيع العربي. هناك أيضا دور الشبكات الاجتماعية ووسائل الاتصال ونقل المعلومات التي أسهمت في انتشار الربيع العربي، وجعلت كل شعب يحمل نفس الألم ونفس المعاناة لعقود يقرر فعل مثل الآخرين وتحطيم قيوده.

* ما الذي شكل الفرق بالنسبة للمغرب؟

- لا يمكن أن نقارن المغرب مع تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا. المغرب بلد يتطور في إطار مرحلة انتقاله الديمقراطي منذ عقود، وعرف ستة تعديلات دستورية منذ استقلاله، مع توفره على درع من الحريات الفردية أكثر اتساعا من الدول المجاورة. بكل تأكيد فإن المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية المغربية قابلة للمقارنة مع مثيلاتها في تونس ومصر، إضافة إلى وجود مطالب مشروعة من أجل إنصاف أكبر وعدالة اجتماعية. لكن المغرب بخلاف تونس ومصر ودول أخرى، هو بلد بدأ مسلسله الديمقراطي منذ مدة طويلة. بلد فيه ديناميكية وحياة سياسية. كل هذه العناصر شكلت جدارا واقيا، مع وجود ملك محبوب، وذي شعبية كبيرة، وحضور قوي في ميدان العمل الاجتماعي. كما أننا في المغرب، بخلاف دول أخرى، لسنا في حاجة لإرسال الدبابات لمواجهة المتظاهرين. فقد برهنا عن وعينا بأن المظاهرات مهما كانت شدتها تشكل جزءا من الأساس في المجتمع الديمقراطي، ونحن في المغرب نقبل بها.

* ولكن هذه المظاهرات لا تزال متواصلة رغم كل شيء، حتى بعد الإصلاحات الدستورية؟

- نعم الاحتجاجات والمظاهرات ما زالت تتواصل. وأنا شخصيا لن أقول إنني معها أو ضدها، ولكني أرى أن تواصلها شيء جيد وإيجابي لأنه من المفيد التمكن من مواصلة الضغط على المسؤولين السياسيين. فما دامت هناك توقعات ومطالب مشروعة، من المفيد مواصلة الضغط من أجل المزيد من العدالة الاجتماعية والتوزيع المنصف. وفي رأيي وجود وسيلة ضغط صحية ومستمرة على المسؤولين السياسيين شيء جيد، خاصة قبل الانتخابات. من قبل كنا نسمع لجانب واحد، جانب الحكومة التي تتحدث عن المنجزات والمشاريع الكبرى، وأن المغرب متقدم ورائد في مجموعة من الميادين. لكن اليوم هناك أيضا مظاهرات حركة 20 فبراير، والتي تتحدث عن جوانب أخرى، وعن مطالب شعبية. لذلك أرى أن وجود هذه المظاهرات إيجابي ويجب أن تستمر، لكن في هدوء واطمئنان واحترام الثوابت.

* حتى الآن تحدثنا فقط عن المنطقة العربية والمتوسطية. فما موقع باقي دول الجنوب في منتدى ميدايز؟

- تحدثنا كثيرا عن الربيع العربي لأنه سيكون المحور المركزي خلال هذه الدورة. لكن لا يجب أن نغفل أن هناك أيضا العديد من الدول الأفريقية التي عرفت تحولات كبرى خلال هذه السنة، منها ساحل العاج وغينيا والنيجر، وهناك أيضا تحولات جارية في مجموعة من الدول الأفريقية الأخرى، غير أن الربيع العربي غطى إعلاميا على هذه التحولات. كل هذه التحولات ستكون حاضرة في منتدى ميدايز، والذي سيشكل فضاء للحوار وتبادل التجارب بين دول الجنوب، سواء التي تعيش هذه التحولات أو التي اجتازتها خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كبلدان أميركا اللاتينية. سيكون الحضور الأفريقي والأميركي اللاتيني قويا ومتميزا من خلال مسؤولين سياسيين كبار. بالنسبة لآسيا نترقب حضورا متميزا للصين، التي تبدي أيضا اهتماما قويا بأفريقيا. وسيشكل التغلغل الصيني في أفريقيا أحد مواضيع النقاش، نظرا للجدل الكبير الذي يثيره بين معارضين ومؤيدين. فقد رأينا كيف أن الانتخابات في بعض الدول الأفريقية تحولت إلى استفتاء شعبي حول الوجود الصيني في البلد. ورأينا كيف ظهرت أحياء صينية كبيرة في العواصم الاقتصادية الأفريقية، إذ إن الصينيين لا يكتفون بالحضور الاقتصادي عبر المشاريع ولكن أيضا يجلبون معهم اليد العاملة الصينية التي تبقى رغم كل شيء أرخص من اليد العاملة المحلية. على المستوى الآسيوي أيضا نترقب مشاركة متميزة وعلى مستوى وزاري لدول مجلس التعاون الخليجي، ليس فقط لاهتمامها بالموضوع المركزي للمنتدى، ولكن أيضا اعتبارا لانفتاحها على المغرب في سياق إطلاق مبادرة دعوته الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، والتي سيشكل الاحتفاء بها إحدى أبرز لحظات الدورة الرابعة للمنتدى. وكما هو معروف يولي معهد أماديوس أهمية خاصة ومنتظمة لفرص التقارب وتعزيز التعاون بين المغرب وبلدان مجلس التعاون الخليجي. وفي سياق الآفاق الجديدة التي فتحتها الدعوة لانضمام المغرب لمجلس التعاون قمنا بجولة في المنطقة للقاء شركائنا في مراكز البحث الخليجية والتي نشتغل معها حول التحولات التي تعرفها المنطقة، بالإضافة إلى التواصل مع مؤسسات الرعاية الخليجية التي تدعم أعمالنا العلمية، والتعريف بمنتدى ميدايز والدور الذي يمكن أن يلعبه كجسر بين المنطقة المتوسطية وأفريقيا وبلدان الخليج.

* في السياق الدولي الحالي هل يمكن أن نرى بروز جبهة أو معسكر موحد لدول الجنوب؟

- الجنوب لن يشكل أبدا في نظري معسكرا منسجما يتحدث عن نفسه. لكن السؤال الأساسي الذي سنبحثه خلال المنتدى هو تمثيلية بلدان الجنوب في المنتديات والمحافل الدولية الكبرى كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي. لقد أظهرت قضية إعلان الدولة الفلسطينية أنه لا يمكن اليوم أن نستمر في إطار نسق تتمتع فيه دول معينة بحق الفيتو لأنها انتصرت في حرب جرت قبل سبعين عاما. العالم تغير، ومن غير المنطقي أن تعبر أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن إرادتها في أن تصبح فلسطين عضوا في المنتظم الأممي، ثم نجد أنفسنا مرتهنين برأي دولة واحدة، لها حق الفيتو. اليوم أصبح مطروحا وبحدة موضوع إصلاح مجلس الأمن. هناك أيضا مثال آخر، العقوبات ضد سوريا لم يتم التصويت عليها بسبب الفيتو الروسي والصيني. إذن من حقنا أن نتساءل: لماذا تصلح هيئة الأمم المتحدة وما جدواها إذا كانت في كل مرة تضيع الموعد مع التاريخ ولا تستطيع اتخاذ القرار الصائب. من جهة ثانية، هناك قوى جديدة صاعدة، كالبرازيل والهند وأفريقيا الجنوبية وتركيا، والتي تطمح إلى أدوار جهوية وعالمية أكبر. المجموعة الدولية الوحيدة التي تمثل فيها دول الجنوب حاليا هي مجموعة العشرين. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل نحن كمغرب مثلا نجد أنفسنا في هذه التمثيلية؟

* تعتبر أن المطلوب هو إعادة النظر في العلاقات بين الشمال والجنوب. هل هذا ممكن حاليا؟

- اليوم هناك أزمة اقتصادية عالمية هي الأخطر من نوعها منذ أزمة 1929. صحيح أننا في الجنوب تأثرنا بها بشكل أقل، لكن دول أوروبا والدول الغنية توجد على حافة الإفلاس، ومن أجل تقويم الوضعية فهم يحتاجون للبلدان النامية لأننا في الجنوب لدينا قدرات نمو ممتازة. لذلك أرى أننا اليوم مقبلون على تحول كبير في منطق العلاقات بين الشمال والجنوب. ومنذ 1995 مع انطلاق مسلسل برشلونة كان هدف التعاون بين الشمال والجنوب هو توفير الأمن لأوروبا مقابل دعمها للتنمية في جنوب المتوسط، والمدعو في إطار هذا التعاون أن يلعب دور الحاجز الواقي للاتحاد الأوروبي من مخاطر الهجرة والإرهاب. وفي هذا الإطار فإن أوروبا لم تكن تتوانى عن دعم الديكتاتوريات في الجنوب كلما دعت الضرورة لذلك. اليوم تغير الوضع، فأوروبا التي كانت تدعم الديكتاتوريات أصبحت تدعم الشعوب، وتعمل من أجل تحقيق نماء اقتصادي في الجنوب بهدف تمكين شركاتها من التوسع في هذه المناطق والاستثمار فيها من أجل تحقيق عائد على الرأسمال، والبحث عن فرص لتنميتها من أجل إنقاذ اقتصادها المريض. هذا المنطق الجديد جعل موازين القوى أكثر توازنا لأنه قبل 20 سنة كنا محتاجين لهم أكثر مما هم محتاجون لنا، وهم عندما احتاجوا إلينا فمن أجل الأمن ومراقبة الهجرة. أما الآن فقد تغيرت المعطيات، لذلك يمكن القول إن منطق التعاون تغير، وأننا انتقلنا من منطق التعاون شمال جنوب إلى منطق التعاون جنوب شمال.

* وماذا عن التعاون جنوب - جنوب؟

- من الضروري أن يتعزز أكثر من أي وقت مضى. وهنا يمكن تقديم اتفاق أغادير، بين المغرب وتونس والأردن، كنموذج. الآن توسع ودخلت فيه فلسطين، ومن المحتمل دخول ليبيا قريبا في هذا الاتفاق. للأسف الجزائر، التي عبرنا في الدورة الماضية عن أملنا في دخولها لاتفاق أغادير، لا تزال منغلقة سياسيا واقتصاديا. أعتقد أنه آن الأوان للتفكير في مغرب كبير، في اتحاد شمال أفريقي واسع، وليس فقط في اتحاد مغاربي بمفهومه السابق، لأننا في حاجة أكثر من أي وقت مضى لإقامة معسكر إقليمي قوي في سياق يتطلب منا تعاونا إقليميا قويا من أجل الرد على تحديات شمولية، إضافة إلى التمكن من تعزيز التعاون جنوب - شمال وجنوب - جنوب. أعتقد أن علينا اليوم أن نضع جانبا السياسات الأمنية، وأن نركز على الأساسي، تحقيق النماء والازدهار الاقتصادي وتوفير فرص التنمية البشرية والاجتماعية للسكان كأساس لاستتباب الاستقرار في المنطقة.