المسؤولون الإيرانيون يتهمون واشنطن بمحاولة صرف الأنظار عن مظاهرات «وول ستريت»

طهران ترسل خطابا إلى الأمم المتحدة تنفي فيه الاتهامات

ضابط شرطة يدفع متظاهرا من متظاهري «احتلوا شارع وول ستريت» في نيويورك أمس (أ.ب)
TT

أصدر قادة إيران بيانا رسميا غاضبا يدينون فيه بشدة اتهامات الولايات المتحدة لجمهورية إيران الإسلامية بحياكة مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، واصفين الاتهامات بأنها فبركة تدعو للسخرية هدفها تشويه سمعة إيران وصرف انتباه الأميركيين عن مشكلاتهم الاقتصادية الحادة، التي تجلت في حركة «احتلوا وول ستريت».

وتقدم وزير خارجية إيران بشكوى غاضبة للسفارة السويسرية في طهران، المسؤولة عن مراقبة مصالح الولايات المتحدة في إيران منذ أن قطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 32 عاما بعد الثورة الإسلامية. وذكرت السفارة أنها قد استدعت السفير السويسري لإبلاغه شخصيا باحتجاج إيران إزاء الاتهامات الأميركية والتحذير «من تكرار تلك الاتهامات المدفوعة بأسباب سياسية».

ولم يكتف المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، بهذا الإجراء. ففي خطاب تم بثه على التلفزيون الحكومي الإيراني، توقع ما أطلق عليه زوال الرأسمالية الأميركية والتحيز السافر. وذكر موقع «برس تي في»، وهو موقع إلكتروني تابع للحكومة الإيرانية قام بترجمة أجزاء من خطاب آية الله، أن المرشد الأعلى أكد أن «النظام الرأسمالي الفاسد لا يظهر أي رحمة تجاه أي شعب، حتى الشعب الأميركي نفسه».

وأثنى آية الله على مظاهرات «احتلوا وول ستريت» في نيويورك وواشنطن وغيرها من المدن الأميركية الأخرى، مشيرا إليها بأنها نتاج «لتفشي الفساد بين القيادات العليا والفقر والظلم الاجتماعي في أميركا». وأدان ما سماه «التعاطي القمعي التعسفي مع المتظاهرين من قبل المسؤولين الأميركيين». وقال إن مثل هذه المعاملة «غير موجودة حتى في الدول النامية الخاضعة لأنظمة ديكتاتورية. قد يمكنهم قمع هذه الحركة الاحتجاجية، ولكنهم لن يستطيعوا استئصالها من جذورها»، هكذا قال آية الله خامنئي. واستكمل قائلا: «في نهاية المطاف، سوف تتصاعد إلى حد أنها سوف تطيح بالنظام الرأسمالي وبالغرب بأسره».

وربطت وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية بشكل أكثر وضوحا في مقال يحمل عنوان «الاتهامات الأميركية الموجهة ضد إيران تهدف لصرف انتباه العالم عن انتفاضة (وول ستريت)». وأورد المقال عبارة وردت على لسان عضو رفيع المستوى في البرلمان الإيراني، اسمه علاء الدين بوروجردي، قال فيها إنه لم يكن لديه «شك في أن هذه مؤامرة أميركية صهيونية لصرف الانتباه العام عن الأزمة التي يتصدى لها أوباما».

وكانت الحكومة الإيرانية سبق وأن أشارت إلى مظاهرات حركة «احتلوا وول ستريت» بوصفها نسخة أميركية منبثقة من الموجة الثورية التي اجتاحت الشرق الأوسط هذا العام، مشيرا إلى المظاهرات باسم «الربيع الأميركي».

وفي المؤامرة الإيرانية التي تحدث عنها وزير العدل والنائب العام الأميركي، إيريك هولدر، يوم الثلاثاء في واشنطن، تم توجيه اتهامات لمسؤولين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي بحياكة مؤامرة لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة بتأجير قتلة من عصابة مخدرات أميركية مقابل 1.5 مليون دولار. وكان المشتبه فيهما الأساسيان هما منصور أرباب سيار، مواطن يحمل الجنسية الأميركية من أصل إيراني من كوروبوس كريستي في تكساس، الذي تم إلقاء القبض عليه، وغلام شكوري، الذي ذكرت وزارة العدل أنه عضو في فيلق القدس، ولكنه ما زال هاربا ويعتقد أنه مقيم في إيران. ورفض جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، الخوض في تفاصيل تتعلق بتحديد هوية عناصر السلطة في إيران التي يشتبه في ضلوعها في المؤامرة. وتحدث للمراسلين الصحافيين في الموجز الصحافي اليومي للبيت الأبيض في واشنطن يوم الأربعاء قائلا: «نعلم من الحقائق المتوفرة لدينا أن هذه المؤامرة اشتركت فيها عناصر رفيعة المستوى بفيلق القدس». واستكمل قائلا: «ولكنني لن أستطيع أن أكون محددا أكثر من ذلك».

يبدو أن الاتهامات، التي قابلها كثير من الخبراء الإيرانيين في الولايات المتحدة بدرجة من الشك، لم تزد درجة العداء بين إيران والولايات المتحدة فحسب، ولكنها أيضا عمقت حالة انعدام الثقة بين إيران والسعودية.

وفي الأمم المتحدة يوم الأربعاء، بدأت السفيرة الأميركية، سوزان رايس، عقد اجتماعات مع أعضاء مجلس الأمن لبحث تفاصيل المؤامرة المريبة. وانضم إليها فريق من الخبراء من وزارة العدل وغيرها من الأقسام الأخرى بالحكومة الأميركية، بحسب مارك كورنبلاو، المتحدث باسم البعثة الأميركية في الأمم المتحدة. قال كورنبلاو: «نحن نرغب في التحقق من أن جميع أعضاء مجلس الأمن ستتوفر لهم المعلومات الكاملة عن المؤامرة الخطيرة التي كانت تهدف لاغتيال سفير على أرض أميركية».

لم تكن هناك خطة فورية من جانب الولايات المتحدة لتوجيه المجلس لاتخاذ إجراء ما، بحسب دبلوماسيين في مجلس الأمن. وعلى الرغم من أن المجلس أحيانا ما يدلي بتصريحات حول هجمات إرهابية، فإن إصدار بيان عن مؤامرة بعينها ليس أمرا معتادا.

حتى أن حلفاء الولايات المتحدة، في الوقت الذي أشاروا فيها إلى أنه ليس لديهم مبرر للشك في الادعاءات، قالوا إنهم متلهفون لطرح تساؤلات بشأن مزيد من الأدلة. غير أنه يبدو أن الاتجاه العام يميل إلى كفة الانتظار لسماع ما ستقوله رايس.

وقال فيتالي تشوركين، السفير الروسي لدى الأمم المتحدة: «يبدو الأمر غريبا، لكني لست خبيرا».

وأرسل السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، محمد خزاعي، خطابا للسكرتير العام بان كي مون، ينكر فيه الاتهامات ويشكو مما سماه الدور المعيق للولايات المتحدة رد فعل عام من جانب طهران.

«تسعى الدولة الإيرانية إلى عالم يخلو من الإرهاب وتعتبر آلية افتعال الحرب والدعاية الإعلامية الكاذبة الأميركية ضد إيران تهديدا ليس فقط لها، وإنما أيضا للسلام والاستقرار في منطقة الخليج العربي»، هذا ما جاء في الخطاب، مضيفا أن إيران «تؤكد عزمها على الحفاظ على علاقاتها الودودة بجميع دول المنطقة، وخاصة مع جيرانها من الدول الإسلامية».

وكجزء من رد فعل الولايات المتحدة تجاه المؤامرة المشبوهة، أعلنت وزارة الخزانة يوم الأربعاء أن خط طيران «مهران إير» الإيراني قد قدم «الدعم المالي والمادي والتكنولوجي» لفيلق القدس وحزب الله، الميليشيا التي تدعمها إيران في جنوب لبنان. وتحظر النتائج التي توصلت إليها وزارة الخزانة على المواطنين الأميركيين عقد أي صفقات تجارية ومالية مع الشركة، وتجمد أي أصول ربما تملكها في الولايات المتحدة.

وقال بيان نشر على الموقع الإلكتروني الخاص بوزارة الخزانة، إن «مهران إير» قامت بنقل عناصر من فيلق القدس بشكل سري «من وإلى إيران وسوريا لتلقي التدريب العسكري»، وإنها قد نقلت «أفرادا وأسلحة وبضائع»، نيابة عن حزب الله.

وأوردت قول ديفيد كوهين، نائب وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية: «في أعقاب الكشف عن توظيف فيلق القدس التابع للحرس الثوري النظام المالي الدولي في تمويل مؤامرة القتل، يبرز إجراء اليوم المخاطر التي لا يمكن إنكارها التي ينطوي عليها عقد صفقات مع إيران».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أسهم في إعداد التقرير نيل ماكفاركوهار من الأمم المتحدة، وجيمس كانتر من لندن، وأنتوني شديد من بيروت، وجون إتش كوشمان من واشنطن.