سنوات العنف علمت العراقيين كيف يستأنفون حياتهم العادية بعد كل تفجير

ما إن يقع انفجار حتى يبدأ الناس عملية تنظيف مخلفاته

الصبي علي صباح يرقد في المستشفى أمس جراء إصابته بجروح في تفجيرين بمدينة الصدر في بغداد الليلة قبل الماضية (أ.ب)
TT

في صباح يوم الأربعاء، فجر انتحاري سيارة مفخخة في مركز تابع للشرطة يقع بين صف من منازل الطبقة المتوسطة الميسورة وعدد من البنايات المكتظة بواجهات المتاجر التي تعرض ضروريات الحياة الحضرية من مخبز ومحل حلاقة ومطعم للفلافل.

الشيء الغريب الوحيد بشأن الهجوم، الذي أودى بحياة ثمانية ضباط للشرطة من بينهم شرطية، مدى البساطة التي استقبل بها الأهالي الهجوم. فقد جعلت السنوات الثماني العراقيين أكثر كفاءة ودقة في تنظيف آثار الهجوم واستعادة حياتهم بعد تفجر العنف، الذي قد يثير في مدن أو مناطق أخرى من العالم العواطف ويوقف الحياة الطبيعية. هذه المشاهد باتت الآن مألوفة بالنسبة للعراقيين، ودليل على القدرات التي لا يزال يملكها المتمردون - قادرة، نعم، لكنها ذات قدرة محدودة على تعطيل الحياة السياسية وحياة الناجين. ويتساءل عماد كريم، الذي أعاد فتح مخبزه بعد ساعات من الهجوم الذي دمر النوافذ، وبعد أن نقل أحد العمال بعد إصابته في عينه: «ما الذي يملك العراقيون القيام به؟». عمد عماد على الفور إلى إصلاح الأضرار في بلاطات السقف وقدر الخسائر بما يقرب 2000 إلى 3000 دولار، وقال: «هذه هي الحياة التي ينبغي علينا أن نكابدها كل يوم».

وقع الانفجار الذي رافقه عدد من التفجيرات الأخرى في مناطق مختلفة من المدينة، وكان أحد أعنف التفجيرات في العاصمة منذ نحو الشهرين - هز انفجاران آخران مدينة الصدر ليلة الخميس مخلفا 18 قتيلا - في الساعة التاسعة والنصف صباحا، وأشار حسين عباس، الذي يدير شركة محلية لبيع زجاج النوافذ إلى أنه تلقى أول اتصال من الأماكن المتضررة في الساعة 11 صباحا.

وفي صباح يوم الخميس كان عباس والعمال مشغولين باستبدال الألواح الزجاج المكسورة وتركيب أخرى جديدة لمتجر مكتظ بالأدوات المكتبية والكتب والهواتف الجوالة، وهو الواقع إلى جوار مطعم الفلافل، حيث كان عناصر الشرطة الذين قتلوا يتناولون طعام الغداء من الأرز والبامية. ويقول شاكر عباس، صاحب المطعم الذي لا يحمل اسما، لأنه لم يتلق تصريحا رسميا بعد: «إنه وضع طبيعي».

يتحدث عباس عن الأمر بتلقائية بالغة، كحاله وهو يعدد قائمة الأطعمة التي يقدمها (الفلافل والسلطة والأرز والشاي العراقي)، وكذلك وهو يذكر أسماء الضباط القتلى الذين يعرفهم ممن ماتوا في الهجوم - مجيد وأحمد وسماري. ويقول شاكر عباس، الذي قضى ساعات بعد الهجوم ينظف الزجاج ويتخلص من الطعام: «العراقيون يعتمدون على ربهم». وقد انتظر عباس حتى اليوم التالي كي يعيد افتتاح مطعمه، بدافع «احترام الشهداء». على ناصية الشارع، فتح الحلاق دكانه، لكن ثلاثة رجال جلسوا خاملين يحتسون الشاي ويدخنون. تم تركيب مرايا جديدة على الحائط، لكن أحدا لم يأت للحلاقة. في وسط الشارع، ومرورا برجل يكنس الزجاج وسيارة سابا الصفراء الصغيرة المحترقة، سيارة إيرانية رخيصة تشكل غالبية أسطول سيارات التاكسي في بغداد، قام سائق رافعة بتثبيت عمود إنارة خارج البوابة الرئيسة لمركز الشرطة موضع الهجوم. وقال رجل شرطة، لم يرغب في ذكر اسمه لأنه لم يتلق إذنا بالحديث إلى الصحافيين: «بعد ساعتين من الهجوم عادت الأوضاع إلى طبيعتها».

في الخارج كان هناك رجل يرتدي قميصا، كتبت عليه بحروف بارزة «عملية الفجر الجديد»، قال إنه اشتراه من السوق المحلية ولم تكن لديه فكرة عن أن العبارة كانت آخر اسم مستعار لمهمة للجيش الأميركي في العراق، وقال ضاحكا: «حقا، أنا مندهش، سوف أحرقه». ويقول رجل آخر، زعيم محلي في الحي رفض ذكر اسمه لأنه نجا بالفعل من محاولتي اغتيال، فتح أزرار قميصه ليظهر ندوب الرصاصات وكاشفا عن مسدس محشو في خاصرته: «يمكنك أن ترى العمل جاريا هنا، لقد بات الأمر طبيعيا».

* خدمة: «نيويورك تايمز»