ثورة الصين المقبلة.. في الرياضة

ارتفاع في أعداد الأندية وصالات الألعاب.. والدولة تدعم بقوة الرياضة النخبوية

تمثال لتشانغتشون في مدينة داليان، الرياضي الوحيد الذي مثل الصين في أولمبياد 1932
TT

قد يعود آخر ظهور للصين على الساحة العالمية كقوة رياضية إلى عداء وحيد من هذه المدينة التي تقع في شمال شرقي البلاد. فقد كان ليو تشانغتشون، الذي يوجد تمثال ضخم يحاكي ميداليته البرونزية في وسط الميدان الأوليمبي بداليان، أول صيني ينافس في فعالية رياضية عالمية - وهي ألعاب الصيف في لوس أنجليس عام 1932 - حيث كان الممثل الوحيد لبلده. ولم يعش ليو حتى يرى الصين تفوز بميدالية ذهبية، ولكن تغير الكثير منذ وفاته عام 1983. وتزداد مكانة الصين، التي تمثل حاليا ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كقوة هامة في الرياضة النخبوية، ليتناسب ذلك مع الدولة الأكثر كثافة سكانية في العالم. وقد فازت الصين بمعظم الميداليات الذهبية في أولمبياد بكين عام 2008، ويخرج منها حاليا أبطال في كرة التنس مثل لي نا ونجوم في كرة السلة مثل ياو مينغ. وتروج الحكومة لفكرة أن الدولة القوية بحق هي تلك التي بها أفراد أقوياء.

ولكن مع ازدياد ثراء الدولة، تبدو الطبقة المتوسط الواسعة وحدها التي تصبح أفضل لياقة وإن كان ذلك يحدث ببطء. وقد كانت الملاعب الرياضية في الساحة الأوليمبية في ظهيرة أحد الأيام الأخيرة شبه خالية، على الرغم من أن محل «ماكدونالد» المجاور يعمل بشكل جيد.

وعلى عكس سيدني ولندن وباريس، من النادر أن ترى راكب دراجة أو عداء في هذه المدينة التي يعيش فيها ستة ملايين من البشر، حيث إن حارات الدراجات مغلقة بسبب السيارات، والعداؤون الوحيدون هم أشخاص يحاولون عبور الطرق المكونة من سبع حارات دون أن يلحق بهم أذى. وتقول منظمة الصحة العالمية إن معدلات السمنة في بعض المدن الصينية تقترب من 20 في المائة.

ولكنّ ثمة شيئا يحدث في الخفاء. من الصعب أن نطلق عليه ثورة رياضية يقوم بها الشعب، ولكنها أساس لواحدة ربما تتشكل. تظهر الأدلة المعتمدة على روايات الناس أن المزيد من الأفراد يشاركون في رياضات للهواة. وتزداد أعداد صالات الألعاب والأندية ومتاجر الأجهزة الرياضية. وتقوم الدولة بدعم لاعبي الأولمبياد المستقبلين، بالإضافة إلى مستوى اللياقة لدى الناس عموما.

جلس وانغ روي، 30 عاما، إلى جانب حمام السباحة بفندق «أوريانتال هوستون» بداليان، بينما كان الكثير من النساء يقمن بالسباحة. وأثناء طفولته كان وانغ يسبح في البحر لأنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من حمامات السباحة. أما حاليا فيمكنه سريعا ذكر أسماء ستة حمامات سباحة عامة داخل المدينة، ليس من بينها حمامات السباحة داخل الفنادق التي يمكن للجميع السباحة فيها مثل هذا.

ويمكن أن تمتلئ حمامات السباحة في داليان بسهولة بما يصل إلى 200 شخص في أي وقت، بحسب ما يقوله وانغ، الذي يشير إلى أن السباحين يضطرون في الأغلب إلى انتظار دورهم. ويقول صن لين، عامل الإنقاذ النحيف بحمام السباحة هذا: «مقارنة بما سبق، يقل عدد الناس الذين يأتون إلى هنا لمجرد الكلام».

وتوجد في المدينة صالة الألعاب الرياضية «بالي توتال فيتنس»، وهي صالة ألعاب مفعمة بالنشاط في قلب المنطقة المالية، افتتحت قبل تسعة أعوام كشراكة بين الحكومة المحلية وسلسلة أميركية. وبها 27 جهاز عدو وأجهزة رياضية تضاهي في جودتها تلك الموجودة في الغرب. وغالبا ما تكون خالية في الساعات الأخيرة من الظهيرة، ولكن يقول مدير التسويق تشانغ زيفان إنها تكون ممتلئة في الساعات اللاحقة.

وقد افتتحت صالة أخرى تابعة لـ«بالي». ويبلغ عدد الأعضاء في الصالتين 10000 عضو، مقارنة بقرابة 4000 قبل أربعة أعوام، على الرغم من أنها تتكلف 6000 رنمينبي (940 دولارا) في العام، بحسب ما ذكره تشانغ. وأشار إلى أنه تبلغ التكلفة داخل مراكز اللياقة في المتوسط نحو 25000 رنمينبي في العام.

وفي الوقت نفسه يزداد عدد الأندية الاجتماعية التي تركز على الرياضة. وانضم لي كاي، وهو محام عمره 26 عاما، إلى نادي تنس الريشة للمحامين قبل ثلاثة أعوام. وكان عدد الأعضاء حينها 200 عضو. وحاليا يوجد في النادي 500 عضو. ويسمح موقع إلكتروني للأعضاء تحديد مباريات للعب إحدى الرياضات الأكثر شعبية في الصين. ويفضل لي نادي «تنس الريشة» لأنه «أنيق»، كما أنه يمارس الرياضة نحو ست ساعات في الأسبوع.

يتجول لي داخل مجمع رياضي تحت الأرض أسفل فندق «سويتلاند»، ليس بعيدا عن الساحة الأوليمبية. وهي عبارة عن متاهة بها الكثير من ملاعب تنس الريشة وصالات الألعاب وحارات البولينغ ومتاجر الأجهزة الرياضية. لا تكترث لأن مقهى إنترنت كان من أكثر الأماكن ارتيادا في ظهيرة أحد الأيام، إذ يؤكد لي على أن الصين تصبح أفضل لياقة.

ولا بد أن يصدقه المرء اعتمادا على عدد المتاجر الرياضية حول المدينة. وفي إحدى المناطق الرئيسية للمشاة في المدينة كانت تتنافس على المساحة لوحات إعلانية تروج لـ«أديداس» و«لي نينغ»، وهي علامة تجارية صينية، مع لوحات إعلانية تروج لـ«كوكاكولا» و«مرسيدس بنز» و«أوميغا». وقد كان متجر السلع الرياضية في داليان، الذي افتتح عام 1986، أول هذه المتاجر في المدينة. وتقول المديرة سو في، إن المتجر جذب الناس من كل أنحاء المنطقة، وتشير إلى أن النشاط ما زال قويا، لكن النمو لم يعد بنفس القدر الذي كان عليه في ما مضى. وتقول سو إن التباطؤ في النمو لا يرجع إلى أن المتسوقين فقدوا حماسهم، ولكن بسبب كثرة المنافسين في المدينة. ويوجد «ديكاثلون» بالقرب من «إيكا»، والمتاجر الكثيرة أسفل فندق «سويتلاند» التي ترتادها أندية تنس الريشة.

ولكن كما هو الحال مع الكثير من الأمور التي تحدث في الصين، قد تكون الدولة هي الجهة التي تحدد مدى لياقة المواطنين.

ويقوم شو غوانغسونغ بالمشي عبر صالات مدرسته «شاهيكو كوزهي» للمعاقين، التي يعمل فيها كمدرس رياضة. ويوضح شو، 40 عاما، أنه عندما بدأ التدريس قبل 20 عاما لم تكن درجات التربية الرياضية تمثل شيئا بالنسبة للطلبة، لكنها حاليا مهمة بالنسبة للمجموع الإجمالي، كما هو الحال مع الرياضيات والتاريخ واللغة.

وبالنسبة إلى تلامذة شو، فإن الرياضة عنصر هام بشكل خاص، حيث إن الطلبة هنا معاقون ذهنيا، لكنهم قادرون من الناحية البدنية. وتزين القاعات نجاحات حققتها المدرسة. ويشير شو إلى صورة طالب فاز بالرقم القياسي العالمي لسباق 100 متر في عام 2007 في شنغهاي في ألعاب الصيف العالمية بالأولمبياد الخاص.

وما يجب على الرياضيين التدرب عليه عبارة عن مساحة صغيرة من حشائش «الاستروف» الصناعية، ولا يوجد مضمار مناسب أو رمال. ولكن يقول شو إن الإدارة الحكومية في المدينة ستقوم بتغيير ذلك. وفي العام المقبل سينتقل مع طلابه من ملاعبهم التي يبلغ عمرها 36 عاما إلى حرم جديد به مضمار مفتوح وصالة ألعاب رياضية تحت الأرض. ويقول شو إن الخطوة انعكاس لنجاح مدرسته ورغبة الحكومة في تحسين البنية التحتية، حتى بالنسبة للمعاقين.

وفي نفس الوقت تبدي الحكومة دعمها المالي لتدريب المزيد من الرياضيين النخبويين. ولم يذهب صن شياو، 22 عاما، إلى المدرسة منذ أن كان في الخامسة عشرة من عمره، ولم يحتج إلى ذلك، فهو سباح محترف، علاوة على أنه موظف حكومي. ويحتل صن المركز الثاني في مقاطعة لياونينغ الصينية في سباحة الفراشة والمركز الخامس في السباحة على الظهر.

وفي مساء أحد الأيام الأخيرة، احتسى صن موكا فرابتشينو في «ستاربكس» بعيدا عن سكنه، حيث تقل احتمالية أن يراه مدربه الذي سيغضب لاحتسائه شيئا خارج الحرم، بحسب ما قاله صن. وظهر العرق على صن بعد يوم كامل من التدريب. ولا يتوقع صن أن يذهب إلى الأولمبياد في أحد الأيام، ولكن لا يبدو ذلك مهمّا بالنسبة له، فهو سعيد بحياته، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن الحكومة تغدق بالكثير على من هم مثله. وعندما بدأ قبل سبعة أعوام كانت وجبات العشاء تتكون من أربعة أطباق ونوعين من الخبز والأرز. وحاليا توجد 10 أطباق وستة أنواع من الخبز والأرز. وساعد حمام سباحة جديد على تقليل عدد الأفراد الذين يسبحون بالنسبة إلى الحارات من ستة إلى ثلاثة. ويخطط صن للعب ألعاب فيديو لمدة ساعة قبل الذهاب إلى النوم. وظل بعض من كوب الفرابتشينو في يد صن بينما كان يقفز على حاجز عائدا إلى مسكنه في طريقه إلى صين أكثر لياقة.

* خدمة «نيويورك تايمز».