«فيلق القدس» لديه أقسام في كل السفارات الإيرانية في الخارج

يستخدم حاملي رسائل على نمط بن لادن ولا يذكر في الميزانية أو يشارك في الاستعراضات العسكرية

TT

يعد فيلق القدس لغزا رئيسيا بين الألغاز التي يمتلئ بها نظام الحكم الإيراني الهرمي، فقد أشار مسؤولون غربيون وآخرون إلى تورطه في عدد كبير من العمليات السرية حول العالم مثل تفجيرات المركز الثقافي اليهودي في بوينس آيريس عام 1994 ومساعدة الجماعات المسلحة الشيعية في العراق وفي تسليح حركة طالبان في أفغانستان، والآن في التخطيط لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة. وقال تقرير لـ«أسوشييتد برس»، إن «الفيلق يأتي على قمة الشبكة العسكرية والصناعية للحرس الإيراني الثوري، الذي يدافع عن رجال الدين الشيعة الذين يحكمون إيران ويسيطرون على السلطة. للحرس الثوري حرية مطلقة في القيام بكل ما يحلو له، حيث يسيطر على البرامج الكبرى منها البرنامج النووي وبرنامج الفضاء وكذلك الحال بالنسبة إلى قوات الباسيج، والتي تمت الاستعانة بها في قمع المظاهرات». ينظر إلى فيلق القدس باعتباره الفريق الأول في الحرس الثوري الإيراني حول العالم. ويقول الخبراء إن الطريق المفضل لإيران هو التسليح والتدريب بالوكالة مثل حالة حزب الله في لبنان وحماس في غزة والجماعات المسلحة الشيعية في العراق لتضمنها مخاطر محدودة.

في يوليو (تموز) عزا المتحدث باسم الجيش الأميركي في العراق، جيفري بيوكنان، ارتفاع وتيرة الهجمات المرتفعة في العراق إلى كتائب حزب الله التي يشتبه في علاقتها بفيلق القدس. في بداية العام الحالي، زعم مسؤول استخباراتي غربي في أفغانستان حدوث مقابلة بين قائد في حركة طالبان وأشخاص في فيلق القدس في إيران هدفها طلب أسلحة أكثر تطورا لقتال قوات حلف شمال الأطلسي. وأشار تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عام 2007 إلى أن عناصر فيلق القدس لديهم أقسام خاصة في السفارات الإيرانية لا علاقة لها بالطاقم الدبلوماسي. وبحسب التقرير، من غير الواضح ما إذا كان السفراء لديهم معرفة كاملة بما يقوم به فيلق القدس من عمليات أم لا. ويقول مايكل سميث، الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب والمشارك في تأسيس مجموعة الأمن الاستشارية «كرونوس أدفايزوري» التي قدمت تقريرا عن فيلق القدس خلال اجتماع أعضاء الكونغرس في أبريل (نيسان): «يقال إن مستوى العمليات داخل الفيلق تصل إلى مستوى العمليات الخاصة التي تتضمن مهارات فائقة ومستوى ضباط الاستخبارات». ووصف التقرير الفيلق بأنه جزء من «مجهول معلوم» بالنسبة إلى مسؤولي الأمن الغربيين الذي يحاولون رصد شبكته. وأعلن الاتحاد الأوروبي في أغسطس (آب) فرض عقوبات أكثر صرامة على فيلق القدس، وقال إنه يدعم الرئيس السوري بشار الأسد في هجومه ضد المتظاهرين المعارضين للنظام. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية عام 2007 أن فيلق القدس «منظمة إرهابية عالمية».

ورغم أن إيران تقر بوجود فيلق القدس، لا يأتي ذكر الفيلق في ميزانية الدولة ولا يشارك علنا في الاستعراضات العسكرية مثل الحرس الثوري الإيراني. ويعتقد الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، روبرت باير، أن فيلق القدس يحتاج إلى استخدام حاملي رسائل من أجل الاتصالات الحساسة وهي طريقة كان يستخدمها أسامة بن لادن. من الوجوه القليلة الظاهرة، والتي تعرف بعلاقتها بفيلق القدس، وزير الدفاع اللواء أحمد وحيدي الذي كان قائد الفيلق خلال تفجيرات المركز الثقافي اليهودي عام 1994 والتي راح ضحيتها 85 شخص. وحيدي على قائمة المطلوبين مع أربعة آخرين مشتبه في علاقتهم بالتفجيرات.

لكن لا توجد أي رقابة شعبية في إيران على قادة فيلق القدس، ولهم علاقة مباشرة مع المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، الذي له الكلمة الأخيرة في كل الأمور الأساسية المهمة. إذا صحت تلك الاتهامات الأميركية لإيران خلال الأسبوع الحالي، فمن المرجح أن تكون هناك علاقة بين مؤامرة فيلق القدس والحكم الديني في إيران. في الوقت الذي لا تمتلك فيه الولايات المتحدة دليلا مباشرا يؤكد هذه الاتهامات، أو يشير إلى أن قادة إيرانيين قد وافقوا على اغتيال عادل الجبير، السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، قال مسؤول أميركي إن العملية ستناقش على أعلى المستويات. واتهم في مؤامرة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن منصور أرباب سيار، وهو مواطن أميركي يبلغ من العمر 56 عاما ويحمل الجنسية الإيرانية أيضا، وكذلك غلام شكوري، الذي زعمت السلطات أنه من عناصر فيلق القدس ولا يزال طليقا في إيران. ووصف مسؤولون أميركيون مخطط الاغتيال بأنه «لحظة طيش». والجوانب، التي يمكن تتبعها من المؤامرة المزعومة مثل التحويلين المصرفيين بأكثر من 100 ألف دولار وتوريط رجل أميركي - إيراني يعمل في مبيعات السيارات في المخطط، تبدو مختلفة تماما عن الملامح التي تميز عمليات فيلق القدس الذي يعمل من خلال طرف ثالث ويحرص على عدم ترك أي بصمات وراءه. ويقول رودولف توفهوفين، مدير معهد أبحاث الإرهاب والسياسات الأمنية في إيسن بألمانيا، قال إن الاتهامات الأميركية أثارت الكثير من الأسئلة. وأضاف: «يساورني الكثير من الشكوك. إذا كانت الحكومة الإيرانية تريد تنفيذ هجوم ضد دبلوماسي عربي، ما الذي يضطرها إلى القيام بهذا في الولايات المتحدة، في حين أنها كانت تستطيع القيام بذلك في أي دولة في الشرق الأوسط». وأوضح أن أحد السيناريوهات المحتملة المطروحة يتضمن قيام «عناصر متطرفة» من فيلق القدس بهذا العمل من تلقاء نفسها. وأضاف: «ربما قامت بعض العناصر المتشددة من فيلق القدس بهذا العمل وحدها لا بناء على أوامر صادرة من الحكومة، فالحكومة الإيرانية ليست غبية إلى الحد الذي يجعلها تصدر أمرا باغتيال دبلوماسي أجنبي لأن أي تقويض للنظام في إيران سيكون له تأثير كارثي في الشرق الأوسط وأنحاء أخرى من العالم». وتأسس فيلق القدس شأنه شأن أكثر الأجهزة العسكرية الحالية في إيران خلال الحرب الإيرانية - العراقية التي بدأت عام 1980 وانتهت عام 1988 خلال حكم صدام حسين الذي كانت تدعمه واشنطن آنذاك. ويرى بعض المحللين أن أذرع فيلق القدس بدأت تظهر في تفجيرات ثكنات مشاة البحرية الأميركية عام 1983 في بيروت، والتي أسفرت عن مقتل 241 أميركيا. ويزعم آخرون أن فيلق القدس ساعد بشكل مباشر في تفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية، والتي أسفرت عن مقتل 19 جنديا أميركيا. كل الآثار التي تشير إلى دور فيلق القدس مختفية تحت منظمات وهمية وطبقات من السرية الشديدة، وهو ما بات سمة من سمات هذه المجموعة.

مع ذلك من الصعب إخفاء بصماته في ميدان المعركة، فقد زودت إيران حزب الله بصواريخ من طراز «فجر 4» و«فجر 5»، والتي استخدمت خلال حرب عام 2006 مع إسرائيل. أما في العراق، فيشتبه في تورط إيران في تفجيرات بقنابل على جانب الطريق، والتي كانت السبب الرئيسي لمقتل عدد كبير من أفراد القوات الأميركية. ما الذي نعرفه هو أن فيلق القدس كان أداة لتنفيذ مثل هذه العمليات داخل العراق على حد قول الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في فبراير (شباط) عام 2007. ونعرف كذلك أن فيلق القدس جزء من الحكومة الإيرانية، لكن ما لا نعرفه هو ما إذا كان القادة الإيرانيون أصدروا أوامر إلى فيلق القدس بتنفيذ ذلك المخطط أم لا.