«الوسطية هي الحل».. شعار حزب مصري جديد في مواجهة «الإخوان»

أبو العلا ماضي: نحلم بأن نكون مبتكرين على غرار شركة «أبل»

أبو العلا ماضي («نيويورك تايمز»)
TT

في عام 1996، واتت أبو العلا ماضي، الشاب صاحب الأفكار المثالية، فكرة إنشاء حزب من شأنه أن يجيب عن تساؤل سيطر على السياسات العربية لأجيال: كيف يمكن أن يصبح الإسلام السياسي هو الاتجاه السياسي السائد؟ وراودته الفكرة نفسها في أعوام 1998 و2004 و2009. وقوبلت كل محاولة منه لطرح الفكرة بالرفض من قبل الحكومة التي كانت تنظر إليها على أنها نوع من التحريض على الفتنة والعصيان.

«أنا أيوب للأحزاب المصرية».. هكذا يقول، وعلى وجهه الابتسامة نفسها التي ظل محتفظا بها على مدى 15 عاما واجه فيها محن المحاكمة والسجن والانتقادات لمحاولته الخيالية تشكيل حزب «الوسط». وقد أتى صبر ماضي الذي يرتدي ملابس من تصميم «بيير كاردان»، بثماره، حينما تمكن أخيرا، بفضل ما يصفه بـ«هذه الثورة الرائعة»، من الحصول على موافقة على تشكيل الحزب في فبراير (شباط).

أو، بشكل أكثر تحديدا، بعد 14 عاما و9 أشهر و7 أيام من المرة الأولى التي قوبل فيها طلبه بالرفض. يقول ماضي: «كان التاريخ في صفنا».

يستعين ماضي، الذي يعتبر مهندسا بحكم دراسته وعمله وإصلاحيا في أفكاره، بمجموعة من الاستعارات هذه الأيام لوصف اللحظة التي وجد نفسه فيها يقف على أعتاب حقبة جديدة من السياسات المصرية، مفعمة بالآمال ومحفوفة بالمخاطر في الوقت نفسه، مع انتخابات مزمع إجراؤها الشهر المقبل لبداية عملية تشكيل دستور جديد واختيار رئيس.

قال إنه ربما يلعب لعبة غولف - كل رمية فيها تقرب حزبه من هدف تحقيق نصر انتخابي هذا الربيع. أو ربما يكون حزبه بمثابة مبتكر على غرار شركة «أبل» يستعرض سمات طبقة سياسية من العصر الحجري القديم تعوزها الأفكار. وربما يكون التشبيه الأكثر ملاءمة هو إشارته إلى أنه هو ورفاقه يمثلون فرق كوماندوز تحاول منذ سنوات عديدة كسر حائط قوضت أركانه في النهاية تماما خلال 18 يوما فقط في يناير (كانون الثاني) وفبراير. أجل كوماندوز، هكذا قال في مكتبه.

ومن خلال ذلك الوصف، بدا ماضي، 53 عاما، يستحوذ على المكان الغامض الذي وجد هو وحزبه أنفسهم فيه اليوم، بفوزهم في معركة فقط للمخاطرة بخسارة معركة أخرى.

ربما لا يكون هناك تحد يواجه الثورات والانتفاضات العربية أكبر من كيفية تعامل كيان سياسي ناشئ في الشرق الأوسط مع ظهور الجماعات الإسلامية بقوة. وطالما سيطر هذا السؤال على ماضي، الذي لم يفقد مطلقا تفاؤله باحتمالية أن تحتضن الديمقراطية الإسلام السياسي بين جعبتها فحسب، بل بحتمية حدوث ذلك. غير أن أفكاره التي بدت على درجة عالية من الابتكار والإبداع في عام 1996، حينما انفصل عن جماعة الإخوان المسلمين، مما أشعل خلافا حادا ما زال مستمرا حتى اليوم، أصبحت عماد العديد من الأحزاب الإسلامية في مصر وفي دول أخرى، وعلى رأس هذه الأفكار قبول الائتلافات التي تضم أحزابا علمانية، وتوظيف الديمقراطية كوسيلة للتغير والمساواة بين المسلمين والمسيحيين والتفسير الليبرالي للقانون الإسلامي وتأسيس نظام يكفل التعددية وسيادة القانون. بعبارة أخرى، ربما يكون نجاحه في حد ذاته سببا في جعله غير متوافق مع المناخ السائد.

في الوقت نفسه، هناك قدر أكبر من التنوع في سياق الإسلام السياسي، حيث إن الأصوات المتشددة التي كانت مقموعة في ظل النظام السابق تسعى لانتزاع مكاسب في ظل النظام الجديد، حتى لو ظلت متمسكة بآرائها المتطرفة. وقد تصاعد التوتر الطائفي بشكل خطير، إذ يشكك المسيحيون في صدق نيات الإسلاميين أصحاب أفضل النيات. وليس الشقاق بين الإسلاميين والعلمانيين على درجة الأقل من العمق. ووسط كل هذا التنافر، في سياق المشهد المتقلب، الذي يبدو غير متوقع مثلما كان حال مصر قبل الثورة، ربما يخبو صوت ماضي مجددا.

قالت كريمة الحفناوي، الناشطة المصرية العلمانية: «الوقت هو الاختبار الحقيقي لهم».

وفي مكتب يضم أثاثا جلديا بني اللون، وهو نفس الأثاث الذي كان بالمكتب منذ 15 عاما مضت، يتحدث ماضي بصدق إصلاحي تحتل أفكاره موقع الصدارة. «بعض الناس لم يروا النور مطلقا، لكني رأيته».. هذا ما قاله من مكتبه، الكائن في شارع القصر العيني الحافل بالضجيج في القاهرة. واستكمل قائلا: «دائما ما رأيت بصيصا من النور في نهاية النفق المظلم».

والسؤال هو: إلى أين سيقوده ذلك النفق المظلم؟

هناك عزم لا يعرف الهوادة أو الكلل في برنامج عمل ماضي، وشكا ماضي، دمث الخلق وصاحب الشخصية الساحرة مثلما يبدو، من أنه كان يعاني من حالة من الأرق بعد أن أخذته جهود تنظيم حملة للدعاية لحزبه ولمحاولة الفوز بمقعد في البرلمان إلى مدن أسوان والمنيا وكفر الدوار والغربية والإسماعيلية المصرية، ثم مجددا إلى القاهرة، خلال أسبوع واحد.

وقال ماضي كما لو كان يطمئن نفسه: «إنه نوع طيب من الإرهاق».

وفي هذا اليوم، زار الجامعة الأميركية في القاهرة، حرم الجامعة المبني حديثا والذي يحاكي طرازه التصميم الإسلامي التقليدي ويتنافر بشكل عنيف مع التوسعات العمرانية ذات الطابع الفظ في القاهرة. كان متأخرا، ولكنه لم يشر إلى ذلك. بل سحر الطلاب – الذين كان معظمهم أطفالا صغارا حينما بدأ أولى محاولاته لتشكيل حزب «الوسط» – بنداءاته. فقد رحب بالطلاب المصريين قائلا: «إخواني وأخواتي». أما الأميركيون، فقد حياهم بمساقط رؤوسهم.

قال: «ديلاوير، وطن جو بايدن!». وبعد تقديم التحيات، جلس على كرسي ليروي قصته. ككثيرين من جيله، أتى ماضي من عصر تجرع أفراده مرارة الهزيمة الساحقة في حرب 1967 ضد إسرائيل، تلك اللحظة التي أصابت معظم دول المنطقة بخيبة الأمل من مفهوم القومية العربية العلمانية الذي كان مهيمنا في تلك الفترة. وفي الجامعة، في مسقط رأسه بجنوب مصر، انجذب للتيارات الإسلامية وسرعان ما وجد نفسه في السجن أو مطاردا (اختبأ في إحدى المرات في الصحراء لمدة 10 أشهر، وتخفى في زي عامل لحام). وعمل بشكل سري في البداية، ثم بشكل معلن، مع جماعة الإخوان المسلمين، مجموعة من النشطاء الشباب الذين ساعدوا في إحياء حركة انطفأت جذوتها بفعل إجراءات القمع الوحشية.

«أعدنا تشكيل جماعة الإخوان المسلمين».. هكذا تحدث ماضي للطلاب. وقال إنه في السنوات التالية، أخذ نجم الحرس القديم للجماعة في الصعود، ونتيجة لشعوره هو وآخرين بحالة من الإحباط، انشقوا عن الجماعة في عام 1996. ونفر من أساليب جماعة الإخوان المتبعة في محاولة جذب أعضاء جدد للجماعة بكل أساليب الإغراء الممكنة. وانتقد النظام الهرمي للجماعة ومبدأ القبضة الحديدية الذي تتبعه. وفي تحد لحركة تنفر من الانشقاقات المعلنة، أعلن عن عزمه تشكيل حزب «الوسط».

وجاءت النتيجة ممثلة في واحدة من أكثر اللحظات غير المعتادة في السياسات الإسلامية المصرية. ففي قاعات المحاكم، تحالفت الحكومة مع عدوها، جماعة الإخوان المسلمين، من أجل منع الاعتراف بحزب «الوسط». وفي إحدى جلسات المحكمة التي عقدت في عام 1997، أخبر أحد محامي ماضي ممثلا لجماعة الإخوان بأن «التاريخ لن يغفر لهم».

كان الوقت مبكرا على نحو لا يمكن إنكاره، غير أن ماضي بدا على الجانب الصحيح من التاريخ.

في عام 2003، ساهم في تأسيس حركة حملت باكورة الثورة المصرية، من خلال دعوة 22 شخصا لشقته، المطلة على الأهرامات. وعلى مأدبة شهية تضم أطباق الحمام المحشي والملوخية، تجمع ماركسيون وإسلاميون شكلوا حركة أثار اسمها «كفاية» مشاعر الغضب تجاه ما فعله حكم الرئيس السابق حسني مبارك طويل الأمد بهذه الدولة العريقة.

وفي هذه الأيام، ما زال يحاول العمل كحلقة وصل بين الإسلاميين والعلمانيين، من خلال مساعدته في صياغة مجموعة مبادئ مشتركة في أغسطس (آب) (أحدها هو «المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات»). وعلى الرغم من أن برنامج حزبه ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية حتى لو تم تفسيره بشكل ليبرالي توافقي، فإنه يرفض مسمى «إسلامي» ويفضل عليه «وسطي». يروق له الحديث عن السياحة لا عن دقائق الجوانب التي يشوبها الطابع المقيد، مثل الخدمات المصرفية بدون فوائد.

ويروق له وصف مصر قبل الثورة بأنها كانت دولة مدنية إسلامية فاسدة ديكتاتورية. وهو لا يطمح في تغيير طبيعتها المدنية أو الإسلامية؛ فالدستور ينص بشكل واضح على أن الإسلام هو دين الدولة ويرسخ القانون الإسلامي بوصفه المصدر الرئيسي للتشريع. إنه يرغب في جعل الدولة المصرية «متفتحة وديمقراطية ومتقدمة».

«الإسلام ليس هو الحل».. قال ماضي بعد عودته إلى مكتبه، في إشارة إلى رفضه للشعار القديم لجماعة الإخوان المسلمين وآخرين. وقال «الوسطية هي الحل».

ما زال قادة جماعة الإخوان المسلمين يكنون مشاعر حقد تجاه ماضي؛ فبعضهم انسحب من محاضرة أقامها مؤخرا مع زميله عصام سلطان. وأشار عبد المنعم أبو الفتوح، قيادي سابق بجماعة الإخوان وأحد المرشحين المحتملين للرئاسة حاليا، إلى أن الخلاف دائما ما كان منصبا على «قضايا شخصية، في المقام الأول».

يبدو هذا صحيحا على وجه الخصوص الآن، فقد اتجهت جماعة الإخوان المسلمين نحو المثل العليا التي تبناها حزب «الوسط» في عام 1996، بتشكيل حزب سياسي ومحاولة ادعاء الأساس الوسطي نفسه الذي تبناه ماضي.

وهذا يجعل حزبه واحدا من بين عدة أحزاب تحمل نفس الشعار.

قال عماد شاهين، باحث إسلامي وأستاذ بجامعة نوتردام: «الحياة الحزبية في مصر على أعتاب مرحلة جديدة من التعددية والتنافس القوي». وأشار إلى أن حزب «الوسط»، «ليس استثناء» من هذه القاعدة.

وقال: «العديد من أفكار حزب (الوسط) استحوذ عليها إسلاميون آخرون، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلل من تأثير الحزب».

وقد عبر عن الرأي نفسه هشام علاء، ناشط ديني شاب ترك حزب «الوسط» في أعقاب الثورة خوفا من أن يضيع جهده هباء.

وقال إنه ليس لديه أي انتقاد لماضي، غير أنه أضاف «أشعر بأنهم لن يكون لهم تأثير كبير أو دور محوري في الأحداث المقبلة».

وبابتسامته المعهودة، نبذ المخاوف. وقال إنه سيعمل بمزيد من الجد وسيشكل ائتلافات وسينظم حزبه بشكل أفضل وسيتمسك برؤيته للإسلام الليبرالي.

لكن فيما كان يستعد للتوجه لحضور مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي، تفوه بعبارة بدت احتفالية وتشكل تحديا في الوقت نفسه. وللحظة، خبت ابتسامته المميزة. «هذه هي الحرية».. هكذا قال.

* خدمة «نيويورك تايمز»