الملف الأمني في العراق يدخل بورصة «المناكفات» السياسية

مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية

TT

مع قرب الانسحاب الأميركي الكامل من العراق نهاية العام الحالي، وعدم توصل الكتل السياسية العراقية إلى صيغة نهائية بشأن كيفية التعامل مع الملف الأمني في البلاد بدءا من العام المقبل، وكذلك الكيفية التي يمكن من خلالها حل أزمة المدربين الأميركيين؛ تبدو البدائل محدودة أمام القادة العراقيين، فضلا عن أنها في غاية الصعوبة، خصوصا في ظل استمرار الخلافات السياسية التي تفجرت بشكل لافت منذ نهاية الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مارس (آذار) 2010، وصولا إلى اتفاقات أربيل التي لا يزال الجدل دائرا بين القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، ودولة القانون بزعامة رئيس الوزراء، نوري المالكي، بشأن تنفيذها.

فبينما يعترف القادة العراقيون جميعا بمن فيهم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، نوري المالكي، أن العراق ليس قادرا بعد على صد أي هجوم خارجي يمكن أن يتعرض له بعد الانسحاب الأميركي، فإن المراهنة على عدم حصول اعتداء خارجي على العراق يعود إلى أسباب متباينة من وجهة نظر الطبقة السياسية العراقية، وأهمها أن جيران العراق يتوزعون بين كونهم أصدقاء للنظام السياسي الحالي في العراق، وبالتالي لا يمكن لهم أن «يعتدوا» عليه بناء على موجبات الصداقة، وفي المقدمة من هؤلاء إيران وسوريا، أو أنهم - القسم الآخر من جيران العراق - أصدقاء للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن موجبات الصداقة مع الأميركيين تجعلهم يترددون أيضا في الاعتداء على العراق. وفي كل الأحوال فإن المراهنة على عدم حصول عدوان خارجي ليست نابعة من قدرات ذاتية في التصدي والمواجهة، بقدر ما هي نابعة من عوامل خارجية بحتة.

وبينما يؤكد معظم القادة العراقيين، وفي المقدمة منهم المالكي، أن الأجهزة الأمنية العراقية قادرة على تأمين الأوضاع الداخلية في البلاد، فإن ما حصل خلال الشهرين الماضيين من تصاعد لافت للعمليات المسلحة - كان في المقدمة منها قضية النخيب وما تلاها من تفجيرات في عدد من المحافظات، وآخرها ما حصل في بغداد الأسبوع الماضي - أدخل الملف الأمني بشكل حاد في بورصة المناكفات السياسية بعد أن ثبت لشركاء المالكي السياسيين، ومنهم أطراف هامة داخل التحالف الوطني، أنه ليس فقط القدرات الأمنية والاستخبارية للأجهزة العراقية غير مكتملة، بل أن «المبادرة لا تزال بيد قوى الإرهاب»، مثلما أعلن زعيم المجلس الأعلى الإسلامي، عمار الحكيم، مشيرا خلال كلمته الأسبوعية في ملتقاه الثقافي إلى أن الإرهاب «هو من يحدد زمان ومكان جرائمه البشعة والمستمرة من قتل وتفجير في وضح النهار»، متمنيا «أن تكون المبادرة بيد القوات الأمنية، وهذا ما توفره المنظومة الاستخبارية والجهد الاستخباري». ليس هذا فقط، بل إن التصريحات التي أدلى بها العضو البارز في التيار الصدري، حاكم الزاملي، أن هناك اختراقات خطيرة في الأجهزة الأمنية، وأن هناك من يتواطأ من أجل بقاء الأميركيين، تمثل ضربة أخرى لجهود الأجهزة الأمنية وقيادة عمليات بغداد التي دعت من خلال المتحدث باسمها، اللواء قاسم عطا، القادة السياسيين إلى «عدم الإفراط في التصريحات السياسية حول الملف الأمني»، ومع أن عطا اعترف بأن كل هذه العمليات، سواء كانت تفجيرات بسيارات مفخخة أو اغتيالات بكواتم صوت، إنما هي من تدبير تنظيم القاعدة، فإن ما طرحه ممثل السيستاني في كربلاء خلال خطبة الجمعة بدا تساؤلا باعثا على الحيرة، حين أكد على الكيفية التي يمكن من خلالها حل المشكلة الأمنية في البلاد في ظل هذه الأجواء المحتقنة.

ويتضح من سياق ما يجري أنه كلما اقترب الموعد النهائي للانسحاب الأميركي، ازدادت حدة المناكفات السياسية، فضلا عن اتخاذ الأعمال المسلحة أو الاغتيالات صيغا تنظيمية أكثر من ذي قبل، وهو ما يؤكد أن عين الأجهزة الأمنية والاستخبارية ليست بصيرة في ظل ما تتعرض له من اختراقات، أو عدم تمكنها من التعامل مع المعلومات، كما أن يدها لا تزال قصيرة في ظل عدم القدرة على إيجاد حلول جذرية لا تقف عند حد اعتقال «أمير» هنا أو مجموعة مسلحة هناك.