طلاب النخبة الهنود يفضلون الدراسة في أميركا

التنافس بينهم على مقاعد «قليلة» يدفعهم للهجرة.. والأميركيون سعداء باحتضانهم

الشابة الهندية ساشديفا انتقلت للدراسة في شيكاغو (نيويورك تايمز)
TT

كانت مولشري موهان طالبة ممتازة في واحدة من أهم المدارس الثانوية الخاصة في نيودلهي، وعندما تقدمت بطلب للكليات، تلقت عرضا بمنحة دراسية بقيمة 20.000 دولار من جامعة دارتماوث الأميركية وأخرى بقيمة 15.000 دولار من جامعة سميث الأميركية، وكان من شأن كومة من رسائل القبول في جامعات كورنيل، وبرين ماور، وديوك، وويسليان، وبارنارد، وجامعة فيرجينيا، أن تضفي ابتسامة طموح على شفتيها.

ولكن بسبب مجموعها النهائي التراكمي في امتحانات الثانوية العامة، 93.5 في المائة، الذي يعد المعيار الوحيد للقبول في معظم الكليات هنا، لم تتمكن من الالتحاق بكليات القمة في جامعة نيودلهي، التي كانت الخيار الأول لعائلتها، والتي تعد من أعرق الجامعات الهندية.

وكتبت والدتها مادهافي شاندرا، في صفحتها على الـ«فيس بوك»: «التحقت الابنة الآن بجامعة دارتماوث، وقد أظهرت لنا التقلبات الغريبة في قواعد القبول هذا الموسم، أنه ما لا يمكن الوصول إليه في جامعة نيودلهي، يمكن الوصول إليه في رابطة اللبلاب».

وتعد موهان (18 عاما)، واحدة من بين أعداد متزايدة من الطلبة الهنود الذين يدرسون في الجامعات الأميركية، حيث دفعت المنافسة الكبيرة حتى بين أفضل الطلبة إلى اتخاذ هذه الخطوة. ومع وجود ما يقرب من نصف سكان الهند (1.2 مليار نسمة) تحت سن الخامسة والعشرين، واتساع الطبقة الوسطى، اكتظ العدد المحدود من الجامعات الشهيرة بالطلبة.

وقد أصدرت جامعة نيودلهي العام الحالي عشرات القيود على جامعات القمة، التي اقتربت من حد الاستحالة 100 في المائة في بعض الحالات. فمعاهد التكنولوجيا الهندية التي تنتشر على مستوى الهند قبلت نسبة أقل بـ2 في المائة من بين ما يقرب من 500.000 طالب تأهلوا لاختبارات القبول، وهو إنجاز يتطلب عامين من التدريب المتخصص بعد المدرسة. ويقول كابيل سيبال، الوزير الحكومي المشرف على التعليم في الهند، الذي درس القانون في جامعة هارفارد: «المشكلة واضحة، هناك طلب ومشكلة عرض، فأنت لا تملك معاهد على درجة ملائمة من الكفاءة، وهناك عدد كبير من الطلبة الأكفاء الذين يرغبون في حضور هذه المعاهد ذات الجودة».

وقد كانت الجامعات الأميركية أكثر سعادة في الحصول على هذا الفائض. فمع مواجهة تقلص العوائد من الصناديق الوقفية، والتراجع في عدد خريجي المدارس الثانوية في الولايات المتحدة وتزايد العقبات الاقتصادية أمام العائلات الأميركية، زادت الجامعات من جهودها لاستقطاب الطلاب الهنود على بعد آلاف الأميال.

وقد بدأ ممثلون عن العديد من مؤسسات رابطة اللبلاب بالقيام برحلات إلى الهند لاستقدام الطلبة وعقد شراكات مع الجامعات الهندية. وأنشأت بعض الجامعات مكاتب لها في الهند، تهدف بصورة جزئية إلى اجتذاب قاعدة عريضة من الطلاب، كما عقدت وزارة الخارجية الأميركية اجتماع قمة بشأن التعليم الثانوي الأميركي - الهندي يوم الخميس في جامعة جورج تاون لدعم هذه الشراكة بين البلدين.

وتأتي الهند في المرتبة الثانية من حيث عدد الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة، بعد الصين، حيث بلغ عدد الطلاب الهنود خلال العام الدراسي 2009 - 2010 ما يقرب من 105.000 طالب. ومن ناحية أخرى، زادت طلبات تأشيرة الدراسة في الولايات المتحدة من الهند بنسبة 20 في المائة عن العام الماضي بحسب السفارة الأميركية في الهند.

وعلى الرغم من أن غالبية الطلبة الهنود في الولايات المتحدة هم من الخريجين، فإن طلبة المراحل الدراسية زادت بنسبة 20 في المائة عن الأعوام القليلة الماضية. وعلى الرغم من إرسال العائلات الهندية الثرية أبناءها إلى أرقى الجامعات الأميركية منذ سنوات، فإن الفكرة بدأت بالانتشار بين أبناء الطبقة الوسطى الذين كانت جامعة نيودلهي الخيار الأول بالنسبة لهم.

وقد أصبحت الجامعات الأميركية الآن «جامعات أمن» بالنسبة لعدد متزايد من الطلبة والآباء الهنود المتوترين، الذين يشكون من أن حدثا كارثيا - الاختبار النهائي في المدارس الثانوية - يمكن أن يدمر أو أن يبني مستقبل المراهق.

وخلال موسم القبول للعام الحالي، تبادل الطلاب قصصا مفزعة عن الامتحانات. ويقول أحدهم إنه كان يعرف طالبا كان مريضا بالتيفود ولم يتمكن من إعادة التسجيل للامتحان. وتقول نيكيتا ساشديفا: «أنا أعرف فتاة رأت ورقة الفيزياء فأصيبت بحالة إغماء».

ساشديفا (19 عاما)، خريجة مدرسة نيودلهي العامة في عام 2010 بمجموع 94.5 في المائة، لكنها حرمت من الالتحاق بكلية سان ستيفان، إحدى أرقى كليات جامعة نيودلهي، بفارق واحد في المائة. وقد قررت التوقف عن الدراسة لمدة عام والعمل كمتدربة في منظمة غير ربحية تابعة لمنظمة الصحة العالمية، خلال فترة التقدم إلى الجامعات الأميركية.

لكن الأمر بالنسبة لبعض الطلبة لا يتمثل في أن المنافسة وحدها هي التي تدفعهم إلى التقدم للدراسة في الولايات المتحدة، بل الحرية الفكرية وفن التعليم الليبرالي الأميركي.

ويعد النظام التعليمي في الهند صارما، بحيث يحتجز الطلاب في منطقة دراسة ولا يوفر لهم سوى فرصة بسيطة للحصول على مقررات خارج نظام الدراسة بعد الصف الحادي عشر. وهناك عدد قليل من المقررات الدراسية، تقود إلى مسارات مهنية مربحة. وتحتل دراسات الطب والاقتصاد والتجارة والهندسة طابعا مميزا، بينما تحتل دراسة اللغة الإنجليزية والتاريخ واللغات مرتبة أدنى. وتقول ساشديفا، التي تدرس في جامعة شيكاغو هذا الخريف وتخطط للتخصص في الاقتصاد ودراسة الكتابة الإبداعية: «إذا تخصصت واحدة في اللغة الإنجليزية هنا، فمعنى هذا أنه ينقصها الطموح وتسعى إلى الزواج».

وفي الوقت ذاته قام طلبة آخرون وجدوا أن الدخول إلى الكليات التي يحلمون بها في الهند أمر مستحيل، بخيارات مماثلة. فقد رغب سيدهانت بوري في دراسة هندسة الكومبيوتر في أحد معاهد التكنولوجيا في الهند منذ الصغر، لكنه بعد شهر من التدريب في الصف الحادي عشر قرر عدم الاستمرار فيه، وبدلا من ذلك أصبح نائب رئيس فصله في المدرسة الثانوية، ولعب كرة القدم، ويخطط الآن لدراسة اللغة الألمانية والكومبيوتر في جامعة كاليفورنيا.

وقد وجد مثل هؤلاء الطلبة ترحيبا في الجامعات الأميركية. ويقول ماثيو غوتمان، نائب رئيس العلاقات الدولية في جامعة براون، التي تخطط لافتتاح مكتب لها في نيودلهي مخصص لاجتذاب طلاب جدد: «نحن نقبل أعدادا متزايدة من الطلبة وهم متميزون».

وكانت طلبات الالتحاق المقدمة من الطلبة الهنود قد ارتفعت من 86 في عام 2008 إلى أكثر من 300 خلال العام الأكاديمي الحالي في جامعة براون. ويقول ألان غودمان، نائب رئيس معهد التعليم الدولي، المنظمة غير الربحية ومقرها نيويورك: «الهند في الحقيقة بلد كبير يحتوي على طبقة متوسطة كبيرة حقا. وهم يقدرون التعليم كثيرا، لذا فهم يدخرون للتعليم، ولديهم الرغبة في الاستثمار في التعليم. وأسعارنا مرتفعة جدا».

الضغوط المالية كبيرة، وبعض رواتب أبناء الطبقة الوسطى في الهند دون مستوى الفقر في الغرب. والفرق في أقساط التعليم بين الجامعات الأميركية والهندية كبير للغاية. وأقساط التعليم في جامعة دارتماوث نحو 41.736 دولارا سنويا، غير شاملة السكن، في الوقت الذي تبلغ أقساط التعليم في كل من نيودلهي والجامعات الأخرى ما بين 150 إلى 500 دولار سنويا.

التضحية العاطفية بالسماح للمراهقين بالسفر عبر المحيط لا تقل قسوة بالنسبة لبعض الآباء؛ فقد أصيبت الدكتورة شاندرا قبل مغادرة ابنتها بأيام بالذعر، لكنها تقبلت فكرة أنه لا توجد كلية في الهند تناسب شابة كابنتها، التي ترغب في دراسة علم النفس وقضت الأشهر القليلة الماضية تضع الترتيبات النهائية لفيلم وثائقي تعده حول القصور في النظام التعليمي الهندي. وتقول شاندرا: «في النهاية، أنا سعيدة أن ذلك حدث، فقد كانت طالبة متفوقة، وهي ليست على استعداد لقبول الخيار الثاني».

* خدمة «نيويورك تايمز»