طهران تتراجع وتبدي استعدادا للتعاون في قضية محاولة اغتيال السفير السعودي

الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط» ردا على طهران: الخطوة التالية محاكمة المتهمين في المخطط

وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي (رويترز)
TT

ردت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ببرود على مقترح لوزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، يتمثل في رغبة إيران على الاطلاع على الأدلة المتعلقة بتورط طهران في محاولة اغتيال السفير السعودية لدى واشنطن، عادل الجبير، وقالت إن إيران لا تتعاون. وقال صالحي أمس إن إيران مستعدة للنظر في هذه القضية بهدوء.. «ولو أنها مفبركة». وأضاف: «نحن طلبنا من الولايات المتحدة أن تعطينا المعلومات الضرورية».

وقال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «توجهنا سابقا لتقديم المعلومات إلى إيران ولكن لم نحصل على رد بناء ورسمي حتى الآن». ولكنه أوضح أن «الأدلة والادعاءات موجودة علنا، ولقد أوضحنا تفاصيل مهمة حول المخطط». وبينما أشار صالحي إلى إمكانية العمل مع الأميركيين حول هذه القضية، اعتبر المسؤول الأميركي أن «الخطوة الأولى هي محاكمة المتهمين الوارد اسماهما في لائحة الاتهام».

وقلل المسؤول الأميركي من أهمية تصريحات صالحي، لافتا إلى أن الإيرانيين نفوا التأكيد الأميركي الأسبوع الماضي بإجراء لقاء مباشر بين مسؤولين من البلدين حول هذه القضية. وأفادت تقارير إخبارية رفضت إدارة أوباما تأكيدها بأن المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، كانت قد التقت بأعضاء من البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة يوم الأربعاء الماضي لإطلاعهم على تفاصيل القضية. وقال المسؤول الأميركي: «أؤكد عقد هذا اللقاء، وأوضحنا خلاله المعلومات الضرورية، وهي الاتهام للحكومة الإيرانية».

وأكد المسؤول الأميركي أن المحاكمة ستسير في الولايات المتحدة على الرغم من أن أحد المتهمين، غلام شاكري، ما زال حرا وفي إيران، وهو عضو في الحرس الثوري الإيراني. وأضاف: «أحد المتهمين ما زال فارا من العدالة وتجب محاسبته»، أما المتهم الثاني منصور أرباب سيار، فهو معتقل لدى الأميركيين. وأرباب سيار هو أميركي من أصول إيرانية ويحمل الجنسيتين، مما أثار تساؤلات حول حقوقه القنصلية وإمكانية تواصله مع الحكومة الإيرانية خلال فترة احتجازه.

وأوضح المسؤول من الخارجية الأميركية أن «الحقوق المنصوص عليها في معاهدة فيينا حول العلاقات القنصلية لا تنطبق في حال تم اعتقال حامل الجنسية المزدوجة، إذا كان يحمل الجنسية الأميركية» ويتم اعتقاله في الولايات المتحدة. ولكن أضاف أن على الرغم من عدم تطبيق معاهدة فيينا في هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة عادة ما تسمح بزيارة مسؤولين من الدولة الثانية للمعتقل. وأضاف: «في حال كان لدى الحكومة الإيرانية أي استفسارات عن أي مواطنين إيرانيين في الولايات المتحدة يمكنها معالجة تلك الاستفسارات من خلال السفارة الباكستانية»، وهي الدولة الراعية لمصالح إيران لدى الولايات المتحدة، مع انقطاع العلاقات بين البلدين.

وكانت السلطات الإيرانية أبدت بعض الاستعداد الحذر للتعاون، وإن حافظت (في إطار مواز) على استنكارها لما ادعت أنه «زج بها في القضية من أجل مصالح غربية».

وظهرت نبرة ازدواجية في الخطاب الإيراني للمرة الأولى منذ بداية الأزمة، وإن كانت تخدم بعضها (في رأي المراقبين)، على الرغم من أنها مختلفة الاتجاه، حيث أعلنت وزارة الخارجية للمرة الأولى عن «استعدادها للنظر في أمر الاتهامات الأميركية حول تورط طهران في المخطط»، كما طلبت إيران من واشنطن رسميا تسهيل «زيارة قنصلية» لمنصور أرباب سيار الإيراني - الأميركي المعتقل في الولايات المتحدة، الذي توجه له واشنطن أصابع الاتهام كأحد المتهمين الرئيسيين في القضية.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، أمس، عن علي أكبر صالحي، وزير الخارجية، قوله: «نحن مستعدون للنظر في هذه القضية بهدوء.. ولو أنها مفبركة. ونحن طلبنا من الولايات المتحدة أن تعطينا المعلومات الضرورية».

في حين خاطبت السلطات الإيرانية نظيرتها الأميركية، عبر السفارة السويسرية في طهران التي تمثل المصالح الأميركية هناك منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1980.. وطلبت إيران إفادتها بمعلومات موسعة حول القضية والمتهم الإيراني، وكذلك إذنا لزيارة قنصلية.

وأشارت وكالة «فارس» الإيرانية إلى أن دبلوماسيا إيرانيا رفيع المستوى استدعى، مساء أول من أمس، القائم بالأعمال السويسري للمرة الثانية لوزارة الخارجية، حيث سلمه رسالة إلى الحكومة الأميركية (لم تشر الوكالة إلى محتواها)، وأبلغه أخرى مفادها: «لا شك في أن الاتهامات الأميركية لا أساس لها.. إلا أن تقديم معلومات تتعلق بالمتهم وإجراء زيارة قنصلية هما من واجبات الحكومة الأميركية، وأي تأخير في هذا المجال مخالف للقوانين الدولية وللالتزامات الحكومة الأميركية».

وأشارت الأنباء الواردة من اللقاء إلى أن وزارة الخارجية الإيرانية نفت أن يكون المتهم الإيراني منصور أرباب سيار يعمل لصالح أي من الأجهزة الأمنية الإيرانية أو على صلة بها، كما طالبت الوزارة أميركا بتسليم المتهم لقسم المصالح الإيرانية في سفارة باكستان في واشنطن.

ولكن تصريحات وزير الخارجية علي أكبر صالحي، لم تنته عند هذا الحد من اللباقة الدبلوماسية، حين وعد بالنظر في القضية.. إذ إنه تابع متهما أميركا باستخدام «أساليب دعائية تشبه تلك التي استخدمها هتلر في ألمانيا إبان حقبة العهد النازي»، موضحا أنه «خلال عهد هتلر، قالوا لنجعل الكذبة كبيرة وعالية الصوت.. ونرددها كثيرا حتى تصدقها أنت نفسك في النهاية». كما حذر من أن الاتهامات الأميركية إنما «تهدف لإيجاد اختلافات سياسية في المنطقة».

وأضاف صالحي أن «الولايات المتحدة تريد إثارة قضية أمام الرأي العام، وتستغل تبعاتها السياسية لنسج أكاذيب حول بلادنا. (لكن) الرواية تفتقر إلى أسس صلبة»، وذلك في إطار نفيه المتكرر للواقعة، حيث قال إن «الجمهورية الإسلامية في إيران دولة تحترم التزاماتها الدولية، وستدافع عن حقوقها بموجب القانون الدولي».

وهو ذات السياق والمفهوم الذي أشار إليه سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، حين قال إن «أميركا لا يمكنها الخروج من أزماتها من خلال اصطناع التهديدات الزائفة»، مشيرا إلى أن المؤامرة الإيرانية هي ادعاء أميركي بحت من أجل إلهاء العالم أجمع، وتغيير البوصلة الداخلية والخارجية عن الأوضاع الضاغطة على البيت الأبيض، فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية والأمنية والعسكرية.

وقال جليلي، في تصريحات صحافية أمس، إن «أميركا لا يمكنها، من خلال اللجوء إلى الترسانات الحربية والأبواق الإعلامية واستخدام الضغوط الاقتصادية والمالية، التغطية على أزمة معارضة 99 في المائة في داخل وخارج الولايات المتحدة»، موضحا أن حركة «(وول ستريت) هي رمز لمعارضة 99 في المائة من المجتمع الدولي لحكام أميركا، التي وصلت اليوم إلى شوارع نيويورك»، والتي تحاول أميركا الالتفاف حولها من خلال ما تدعيه من تهديدات زائفة.

وتابع قائلا: «إن قوة مثل أميركا تلجأ إلى استخدام مثل هذه الأساليب، إلى جانب قمع الاحتجاجات الشعبية للتخلص من الأزمات الداخلية والخارجية، يعد مؤشرا على ضعفها المفرط وعجزها ودليلا على احتضارها كقوة كبرى»، مؤكدا أن «أميركا هي المتهم الرئيسي في الإرهاب.. ولا يمكنها التستر على تاريخ أعمالها الإرهابية».

وعلى ذات الصعيد المتحفز، استمر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي في كيل الاتهامات إلى أميركا لليوم الثالث على التوالي، حيث اتهمها أمس بالعمل على شق صف المسلمين بمحاولة بث الفتنة بين السنة والشيعة، مؤكدا أن مسعاها قد خاب في ذلك الأمر، نظرا لصلابة إيران ووحدتها، وأنها لا ولن تخضع لأي ابتزاز، مما يشكل ضربة قوية في وجه المتآمرين على الإسلام، بحسب قوله.

وفي كلمته لمستقبليه بمدينة باوة (ذات الأغلبية السنية من السكان، والواقعة في محافظة «كرمان شاه» غرب إيران)، أكد خامنئي ضرورة الحفاظ على وحدة الصف الإسلامي والتعاون بين طوائف المسلمين من الشيعة والسنة، «مما لا يدع مجالا للأعداء لزرع بذور الفتنة الطائفية أو بث الفرقة بين أبناء الشعب الإيراني»، حيث إن «هدف الاستكبار (الغرب) هو زرع بذور التفرقة بين الشعوب الإسلامية وإيران لمنع إيران من أن تكون قدوة ومثالا يقتدى به من قبل دول المنطقة».

كما شدد خامنئي على أن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتنازل مطلقا أمام أي مؤامرات أو ضغوط على مدى الأعوام الماضية»، وأنه، على الرغم من كل ما يمارسه الأعداء ضد طهران من ضغوط سياسية وعسكرية، فإن إيران لن ترضخ أو تتخاذل أبدا، وستقاوم بشدة ضد كل أنواع الابتزاز.

وفي غضون كل ذلك السجال الدبلوماسي، أعلن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، أمس، أن بلاده ستتمكن من إنتاج صفائح من الوقود النووي لمفاعل الأبحاث الطبية بطهران في غضون أربعة إلى خمسة أشهر، بحسب وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية.

وقال صالحي: «نأمل إنتاج صفائح الوقود في غضون أربعة إلى خمسة أشهر (في منشأة أصفهان بوسط إيران)، وأن تخضع للتجربة لاحقا في مفاعل الأبحاث في طهران».

ويعد إنتاج صفائح الوقود النووي إحدى المسائل الشائكة في علاقة إيران بالدول الغربية، التي ترى أن إيران لا تمتلك التقنيات اللازمة لمثل تلك الخطوة، مما يزيد من شكوك ومخاوف الغرب حول أهداف ومساعي إيران النووية.

ولكن إيران تبرر تلك الخطوة بمشارفة مخزونها، الذي ابتاعته في 1993 من الأرجنتين، على النفاد.. كما أنها سبق أن أعلنت أن إنتاج الصفائح سيبدأ في سبتمبر (أيلول) الماضي، في مشروع كان يشرف عليه العالم الإيراني مجيد شهرياري، قبل اغتياله في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، مما أدى جزئيا إلى تأخير المشروع.

ويعد شهرياري بدوره أحد العلماء الإيرانيين الذين تتهم طهران الولايات المتحدة وإسرائيل بالضلوع في قتلهم.