فرانسوا هولاند: سأكون النقيض لـ«ساركوزي» في ممارسة الرئاسة

مرشح الاشتراكيين يواجه 3 تحديات: توحيد الاشتراكيين وتشكيل طاقم منسجم وإقناع الفرنسيين

فرانسوا هولاند يحيي مؤيديه أمام منافسته مارتين أوبري بعد فوزه برئاسة الاشتراكيين (إ.ب.أ)
TT

انتهت معركة الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي بفوز ساحق حققه فرانسوا هولاند، أمين عام الحزب السابق (نحو 57 في المائة) على منافسته مارتين أوبري، خليفته على رأس الحزب منذ عام 2008. الثانية سارعت إلى الاعتراف بهزيمتها، وعجلت بالدعوة إلى وحدة الحزب ورص الصفوف بوجه المرشح اليميني الذي سيكون، بالطبع، الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. وأشاد هولاند بموقف منافسته، معتبرا أن المنتصر الأول في هذه الانتخابات الأولى من نوعها، التي جذبت في دورتها الثانية نحو 3 ملايين ناخب من اليسار ومناصريه، هو الحزب نفسه. وللتدليل على ذلك، خرج مرشحو الاشتراكيين الخمسة إلى شرفة مقر الحزب شابكين الأيدي في صورة يراد منها بالدرجة الأولى طي الانتقادات والانقسامات التي اعتاد عليها الحزب وتوفير الظروف إيصال رئيس اشتراكي إلى قصر الإليزيه. وقال فرانسوا هولاند إنه يريد أن يكون خليفة فرانسوا ميتران، الرئيس الاشتراكي الوحيد الذي شغل الإليزيه من 6 رؤساء وصلوا إليه منذ مجيء الجمهورية الخامسة.

قليلون عبر العالم يعرفون فرنسوا هولاند. فالرجل البالغ من العمر 57 عاما لم يشغل أبدا أي منصب وزاري. ففي بداية حياته المهنية - السياسية، عين هولاند مستشارا في الخلية الاقتصادية لرئاسة الجمهورية، بعد فوز ميتران، وكان قبل ذلك بسنتين قد التحق بالحزب الاشتراكي، وهو حال رفيقة دربه سيغولين رويال، التي عاش معها حتى عام 2007 قبل أن يفترقا ويعيش مع صحافية سياسية.

وعرف هولاند المولود في مدينة روان (شمال غربي فرنسا)، وخريج المعهد الوطني للإدارة الذي يحمل الكثير من الشهادات، عرابين سياسيين: الأول هو جاك ديلور، والد منافسته مارتين أوبري، ثم ليونيل جوسبان، رئيس الوزراء والمرشح الرئاسي لدورتين اثنين: عام 1995 وعام 2002، وكلاهما خسره بوجه الرئيس شيراك. ديلور أعطاه رئاسة النادي السياسي الذي أطلقه وجوسبان سلمه مفاتيح الحزب الاشتراكي من خلال تعيينه أمينا عاما له، وهو المنصب الذي بقي فيه 11 عاما إلى جانب كونه نائبا في البرلمان الفرنسي عن منطقة تقع وسط فرنسا. وفيما تنقلت مارتين أوبري وكذلك سيغولين رويال في مناصب وزارية كثيرة، كان هولاند مكلفا بحراسة البيت الاشتراكي وتسخيره لخدمة جوسبان.

كان هولاند المتحدر من عائلة تنتمي إلى البورجوازية المتوسطة (والده جورج هولاند، كان طبيبا يميل إلى اليمين المتطرف، ومن أنصار بقاء الهيمنة الفرنسية على الجزائر ووالدته ممرضة)، يحلم بخوض المنافسة الرئاسية عام 2007. إلا أن والدة أولاده الأربعة سيغولين رويال التي كان قد هجرها وأخذ يعيش مع صديقته الصحافية سبقته إلى إعلان ترشحها. وبفضل استطلاعات الرأي، نجحت في دفع الحزب على تبني ترشيحها. لكنه هذه المرة، سارع إلى إعلان عزمه على الترشح منذ العام الماضي، ثم أعلن ترشيحه رسميا في شهر مارس (آذار).

إذا كانت «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فإن «المصيبة» التي ألمت بمدير عام صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان بالقبض عليه في نيويورك، في 14 مايو (أيار) الماضي سقطت بردا وسلاما على هولاند.

ستروس كان المرشح «المثالي» للاشتراكيين وأملهم الأكبر بإخراج نيكولا ساركوزي من قصر الإليزيه. لكن فضيحته الجنسية قضت على طموحاته السياسية، الأمر الذي أزاح من درب هولاند منافسا خطيرا. ومنذ تلك اللحظة، فرض اسم هولاند نفسه على الاشتراكيين، الأمر الذي تكرس رسميا ليل الأحد - الاثنين بفوزه الساحق على أوبري.

عندما سئل هولاند عن الصورة التي يود أن يجسدها رئيسا للجمهورية، أجاب: «أريد أن أكون عكس ما هو نيكولا ساركوزي». هولاند يريد أن يكون «رئيسا عاديا» بعكس ساركوزي «الموجود في كل مكان»، ورئيسا بسيطا بينما ساركوزي يهوى السلطة والسطوة ومعاشرة أصحاب الثروات. هولاند يتنقل في باريس على دراجة نارية صغيرة ويعيش حياة «عادية». لكن ما يعتبره هو «ورقة رابحة» لدى الناخب الفرنسي، بدأ اليمين باستخدامه حجة ضده؛ حيث يتهمه بانعدام الخبرة وبتفادي إعلان مواقف واضحة وبعد القدرة على الحسم والتردد، وكلها انتقادات استخدمها ضده منافسوه داخل الحزب الاشتراكي، خصوصا بين الدورتين الأولى والثانية.

وعلى الرغم من استطلاعات الرأي التي تؤشر إلى فوزه وبنسبة كبيرة على الرئيس ساركوزي، فإن المعركة الرئاسية الحقيقية التي بدأت ستكون قاسية للغاية وهو ما ردده هولاند داعيا أنصاره إلى المثابرة والوحدة والعمل جماعيا.

ويواجه المرشح الاشتراكي عدة تحديات، أولها كيفية التوفيق بين أجنحة الحزب ومرشحيه من أجل بلورة برنامج انتخابي منسجم ومقنع ويحظى بقبول الجميع ودعمهم. والحال أن ثمة فروقا كبيرة بين جناحي الحزب يمينا ويسارا. والمفارقة أن خط مارتين أوبري هو الأقرب لما يروج له هولاند، أي اتباع سياسة أقرب إلى مفاهيم الديمقراطية الاجتماعية، التي تدعو إلى الوسطية وإدارة حديثة تسعى إلى العدالة الاجتماعية وخفض المديونية والتركيز على التعليم والشباب ومحاربة البطالة ومساعدة الطبقات الأضعف من خلال نظام ضريبي عادل. أما التحدي الثاني فهو تكوين فريق منسجم يقود حملته الانتخابية ويعمل بالتناغم مع الماكينة الاشتراكية، التي عادت أوبري إلى قيادتها منذ ليل أول من أمس. والتحدي الثالث يكمن في إبراز قدرته على مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها فرنسا، وتقديم حلول ذات صدقية لها، فضلا عن إسماع صوت فرنسا في الخارج.

يقول هولاند إن سر النجاح هو في لم شمل الاشتراكيين في المرحلة الأولى ثم اليسار في المرحلة الثانية قبل السعي إلى إقناع الفرنسيين. هذا ما كان يقوله الرئيس فرانسوا ميتران الذي كان يسمى «فرانسوا الأول»، والذي انتخب للرئاسة مرتين وأمضى في الإليزيه 14 عاما. فهل سينجح هولاند في أن يكون «فرنسوا الثاني» خليفة الأول على رأس الدولة الفرنسية لمدة خمس سنوات؟ الجواب على هذا السؤال يستدعي الانتظار والجواب في 6 مايو (أيار) المقبل.