شباب كوريا الجنوبية يخشون الوحدة مع الجارة الشمالية

يعتقدون أنها ستحول دولة مزدهرة إلى دولة فوضوية

اطفال يشاهدون عرضا لسلاح الجو في كوريا الجنوبية خلال معرض سيول للطيران والفضاء في المطار العسكري في سيونجنام جنوب العاصمة أمس (رويترز)
TT

بصورة متزايدة، يعيد الشباب في كوريا الجنوبية النظر بأحد الأهداف القومية داخل كوريا الجنوبية، حيث لا يعتقد هؤلاء الشباب أن الوحدة مع الجارة الشمالية ستفضي إلى استعادة النظام وتضميد الجراح القديمة، بل يعتقدون أنه سيحول دولة مزدهرة إلى دولة فوضوية. ولا يعتقد أكثر من نصف الكوريين الجنوبيين، ممن هم في مرحلة المراهقة والعشرينات من العمر، أن الوحدة أمر ضروري (على الرغم من أنهم يتعلمون أهمية ذلك بدءا من الصف الخامس).

وبالنسبة لمن يذكرون الحرب الكورية وتداعياتها، فإن انقسام كوريا أمر يتعذر الدفاع عنه.

وقال الرئيس لي ميونغ باك، الذي مات أخوه وأخته في الحرب، الأسبوع الماضي في كلمة أمام الكونغرس الأميركي: «لا أقبل ذلك كظرف دائم».

ولكن مع تنامي شكوك المواطنين بشأن الوحدة، تحاول حكومة كوريا الجنوبية تغيير الحالة المزاجية. وخلال الأسابيع الأخيرة، قامت الحكومة بتدشين مسلسل «سيت كوم» على شبكة الإنترنت تحت رعاية برنامج تلفزيون الواقع بإحدى الشبكات، ويحتوي المسلسل على أفكار مؤيدة للوحدة بين الكوريتين.

وإذا برهنت هذه الرسالة على قدرتها على الإقناع، فقد تستطيع كوريا الجنوبية منع إجماع عمره 60 عاما من التحول إلى نوع من الجدل. وكما ترى الحكومة الكورية الجنوبية، فإن الوحدة ستساعد على استعادة الوحدة بين عائلات وتحقيق استقرار في شبه الجزيرة (وفي نهاية المطاف) سيفضي ذلك إلى خلق قوة اقتصادية جديدة بدولة سيكون عدد سكانها 73 مليون نسمة بدلا من 49 مليون في الوقت الحالي. ولكن من المحتمل أن تلك الحملة الممولة من أموال دافعي الضرائب لم تغير الأفكار السائدة بدرجة كبيرة، بل تركت الجنوب مع تساؤلات جديدة عما إذا كانت جارته المثيرة للمشكلات يجب النظر إليها مثل أي دولة أجنبية أخرى، إن لم تكن دولة تشاركها نفس اللغة وتطرح تهديدا أمنيا. ومنذ هدنة تعود لعام 1953، قسمت الدولة وفرقت بين آلاف من العائلات، لم تتعامل كوريا الجنوبية مع جارتها الشمالية مثل أي دولة أخرى. وحتى في الوقت الحالي، وفيما تبدو بيونغ يانغ مستقرة، يعتبر الموقف المؤيد للوحدة آيديولوجية ترسم الطريق أمام صناع السياسات في كوريا الجنوبية. وعلى الرغم من الاستراتيجيات المختلفة لدى اليسار واليمين، فإنهما يريدان من كوريا الشمالية التخلي عن برنامجها للأسلحة النووية وأن تفتح اقتصادها. وباختصار، يريدان منها أن تصبح مثل الجنوب لتكون هذه نقطة بداية لتكامل سلمي.

وفي التسعينات من القرن الماضي، كان يعتقد أكثر من 80 في المائة من الدولة أن الوحدة شيء ضروري، وذلك وفق ما أفادت به استطلاعات رأي حكومية. ولكن تراجعت هذه النسبة إلى 56 في المائة. ولا يرى بذلك سوى 40 في المائة ممن هم في العقد الثالث من أعمارهم، وتتراجع النسبة بين المراهقين لتصل إلى 20 في المائة.

ولا يرى الشباب أن هناك الكثير من الأشياء التي تربطهم بكوريا الشمالية، على ضوء الحكومة السلطوية هناك والعزلة الاقتصادية التي تعيش فيها. وإذا ما اندمج الاقتصادان الكوريان في يوم من الأيام، فإن هذا التحول يمكن أن يمثل عائقا لارتقاء كوريا الجنوبية من الفقر إلى الازدهار، لتصل التكلفة إلى تريليون دولار.

واقترح لي العام الماضي «ضريبة وحدة» لمساعدة سيول على الاستعداد لتكلفة الاندماج. وقال لي في مقابلة أجريت معه أخيرا: «يعتقد الشباب أن التضحية المالية ستكون كبيرة، ولذا لديهم مشاعر سلبية إزاء الوحدة».

وفي العام الماضي، بدأت وزارة الوحدة في سيول، التي تتناول السياسة إزاء كوريا الشمالية، حملة إعلامية جديدة، وقامت بتطوير هذه الجهود خلال العام الحالي.

ولطالما كان للوزارة تأثير قوي على المناهج المدرسة، ولا سيما في المرحلة الابتدائية. ويحصل طلبة الصف الخامس، في مادة الأخلاق، على كتاب مدرسي تصدره الحكومة يحمل عنوان «نحن واحد»، ويحكي الكتاب قصصا عن الحياة في كوريا الشمالية. ويقول الكتاب إنه «في وقت ما من المستقبل»، سيعيش الكوريون الجنوبيون والشماليون جنبا إلى جنب. ويطلب دليل لمدرسي المدارس العليا، أصدرته وزارة التعليم، من المدرسين تبرير الوحدة بـ«صورة عقلانية ومنهجية.. حتى يكون لدى الطلبة نظرة أكثر إيجابية».

ويقول يون يانغ إن (24 عاما)، وهو طالب بجامعة سيول الوطنية لا يعتقد أن الوحدة شيئا ضروريا: «منذ المرحلة الابتدائية، نقوم برسم ملصقات وصياغة شعارات وكتابات مقالات عن الوحدة. ونقوم بذلك كله قبل حتى أن تتشكل لنا آراء».

وعلى ضوء ميزانيتها الإعلامية الجديدة التي تبلغ 1.5 مليون دولار، قامت وزارة الوحدة العام الحالي برعاية برنامج تلفزيوني وإعداد برنامج آخر. ويشبه البرنامج الذي يحظى برعاية، وهو برنامج «تجربة معجزة»، برنامج «أميركان أيدول»، وتقوم لجنة بتقييم المتسابقين المشاركين. وفي بعض الأحيان يقوم المتسابقون بالتمثيل في إعلانات تجارية لسيارات «هيونداي شركة راعية»، وفي بعض الأحيان يثنون على قوة كريم بشرة «بسبب راع آخر»، وفي حلقة أخيرة ابتكر ممثل إعلان خدمة عامة مدته 30 ثانية حول الوحدة ظهر فيه حبل غسيل عليه صور كوريين عاديين يمتدون في الأفق.

وقال متحدث باسم الحكومة يدعى لي يونغ جي إن المسعى الدعائي يروج لـ«حلم وضرورة» الوحدة. ولكن يشعر بعض المشرعين بالقلق من أن تصوير بعض الكوريين الشماليين قد يكون ظاهريا بصورة مبالغ فيها أو فيه نوع من الازدراء. وفي إحدى تحديات «تجربة معجزة»، طلب من متسابقين تمثيل دور جواسيس.

ولكن في الأغلب يثير المحتوى الأفكار، وفي إحدى الحلقات من المسلسل «سيت كوم» الإلكتروني، تتناقش عائلة تبنت منشقا كوريا شماليا حول ماذا سيحدث للخدمة المسلحة في الجنوب إذا تمت الوحدة واختفى التهديد المقبل من الشمال.

اثنان من الممثلات في سيت كوم في العشرينات، وقالت إحداهما، تشوي يون سول (28 عاما)، إنها لم تفكر كثيرا في كوريا الشمالية قبل أداء هذا الدور، ولم تكن حاجة للقيام بذلك. ولكن سمعت الأخرى، سول جو يونغ (24 عاما) الكثير عن كوريا الشمالية من أمها التي ولدت هناك.

وتقول سول: «بالنسبة إلى الأجيال الأكبر سنا، تعد الوحدة هدفا حياتيا. ولكن جيلي، أو حتى الأطفال الأصغر، ربما يرون أنه من العبث التفكير في ذلك. ولكنها مثل أمنية تتناقلها الأجيال - شيء يمكننا القيام به من أجل أسلافنا».

* «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»