السنوار: كنت جنديا قبل الأسر وخلاله وسأبقى كذلك

الأسير صاحب الهالة الكبرى.. الذي يتقاطر الغزيون للسلام عليه

السنوار يعانق مهنئيه من رفاق السلاح في غزة أمس (أ.ب)
TT

يضطر المرء للانتظار بصبر، بينما يتحرك الطابور الطويل والممتد لأكثر من 300 متر ببطء شديد، وبعد نحو نصف ساعة على الأقل من المكوث في الطابور، يمكن الوصول للمكان الذي يواجد فيه يحيى السنوار، أبرز قادة حركة حماس الذين أفرج عنهم في صفقة تبادل الأسرى يوم الثلاثاء الماضي ومصافحته، لكن ليس قبل أن يخبرك نشطاء الحركة بأن عليك ألا تعانقه، فالرجل يعاني من آلام شديدة في ذراعه الأيسر بسبب كثرة الناس الذين عانقوه.

غير أن السنوار يتجاوز تعليمات النشطاء ويصر على معانقة زملاء السجون والزنازين الذين أفرج عنهم في أوقات سابقة. ويكتفي الذين يرتادون السرادق الكبير الذي أقيم لاستقبال المهنئين في ملعب، وسط مدينة خان يونس جنوب غزة، خلف مستشفى ناصر بمصافحته، ثم يطلب منهم النشطاء الانتقال للجلوس في صفوف من الكراسي داخل السرادق.

ورغم أن «الشرق الأوسط» زارت عددا كبيرا من السرادقات التي أقيمت لاستقبال المهنئين بعودة الأسرى، فإن حجم الحضور لا يقارن بحجم حضور مهنئي السنوار. فرغم ضخامة سرادق فإن المهنئ لا يستطيع أن يمكث طويلا حتى يفسح المجال لأفواج المهنئين التي تتدفق على السرادق دون انقطاع.

ومن يراقب طوابير المهنئين، الذين يتعاظم عددهم بعد صلاة العصر يجد أنها بنفس الزخم، تمدها حافلات بمئات إن لم يكن آلاف المهنئين على مدار الساعة المقبلة.

ويصعب جدا على السنوار تبادل الحديث مع أحد لأنه في أغلب الوقت يكون مشغولا بمصافحة المهنئين. بعض الشباب الذين يرغبون في التقاط صور لهم معه، يأتون من الخلف ويصطفون إلى جانبه ثم يقوم زملاء لهم بالتقاط صور لهم معه بواسطة هواتف جوالة أو الكاميرات الديجيتال. ويرجع الحرص المنقطع النظير على السلام على السنوار للهالة التي أحاطت بالرجل وجعلت منه أسطورة بالنسبة للشباب الغزي، وتحديدا لعناصر الحركة الإسلامية. فقد ارتبط اسم السنوار (51 عاما)، بجميع أشكال النضال الفلسطيني ضد الاحتلال. ففي أوائل الثمانينات كان رئيسا لمجلس طلاب الجامعة الإسلامية، ومن هذا الموقع كان المسؤول حتى قبل اندلاع الانتفاضة بسنوات عن تنظيم الكثير من المظاهرات والمسيرات ضد الاحتلال. ومنذ ذلك الوقت عرف السنوار بشخصيته الكاريزماتية وحضوره الطاغي وقدرته الفائقة على التواصل مع الجماهير.

وقبل اندلاع الانتفاضة الأولى، انتقل السنوار من العمل الجماهيري النقابي للعمل الأمني والعسكري، فشكل أول تنظيم أمني للحركة الإسلامية أطلق عليه تنظيم مجد، الذي تخصص في استهداف الاحتلال وعملائه في القطاع، وفي عام 1989 اعتقل السنوار، وحكم عليه بالسجن 495 عاما. وفي المعتقل قاد السنوار سجناء حماس، مما دفع إدارة السجون إلى وضعه في الحبس الانفرادي نحو سبع سنوات متتالية. وزاد من الهالة التي أحاطت بالسنوار الشهادات التي أدلى بها قادة إسرائيل وأجهزتها الاستخبارية بشأنه. فلدى التصويت على صفقة تبادل الأسرى في الحكومة الإسرائيلية، برر نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون، رئيس أركان الجيش السابق ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية رفضه للصفقة بالقول: «يكفي أن هذه الصفقة تضم يحيى السنوار، الذي يعتبر أخطر عقلية إرهابية في المنطقة». ويجمع قادة جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) الذين طاردوا السنوار، وحققوا معه بعيد اعتقاله، وتابعوا سلوكه خلال السجن بأنه الأسير الذي ترك الانطباع الأعمق لديهم.

لذا كان حرص الجماهير على تحيته ومصافحته. ولم يجد السنوار متسعا من الوقت لمنح مقابلة صحافية لصحافي بعينه، رغم مطالبة عدد كبير من الصحافيين، فكان حديثه مع مجموعات من الصحافيين، وفي أوقات متباعدة. ويقول السنوار إن أكثر ما تركه في نفسه بالغ الأثر عندما اجتاز معبر رفح هو مدى الالتفاف الجماهيري الواسع حول الأسرى لدرجة تعجز الكلمات عن وصفها. ويشير إلى أن المسافة التي تفصل رفح عن الكتيبة الخضراء في مدينة غزة يمكن قطعها بالسيارة في غضون نصف ساعة، لكن موكب الأسرى قطعها في أكثر من ست ساعات بسبب اصطفاف الجماهير على جانبي شارع صلاح الدين وحرصهم على تحية الأسرى والسلام عليهم. ويضيف: «لم أندم على أي لحظة قضيتها في الأسر وفي عتمة الزنازين، لكن لو كنت نادما على معاناتي، لتلاشى هذا الندم بمجرد أن رأيت هذه الجماهير التي حرصت على استقبالنا على هذا النحو والتي تواصل القدوم هنا للسلام والتحية».

وعن السنوات الـ22 عاما التي قضاها في الأسر، قال: «أراد الاحتلال أن تكون السجون لنا مقابر ومطاحن لأرادتنا وقهر عزيمتنا، فحولناها بعون الله إلى محارب للشهادة وأكاديميات للصبر»، مشيرا إلى العدد الكبير من الأسرى الذي تمكن من إنجاز تعليمه الجامعي في السجن. وعن شعوره في الوقت الذي يتحرر هو من السجن، بينما يبقى عدد كبير من رفاقه خلف القضبان. أضاف أن قلبه يعتصر ألما وحسرة على بقاء هؤلاء الأسرى، مستدركا أنه على يقين أن معاناتهم ستزول قريبا، مشددا على أن الانطباع الذي تولد لديه من الالتفاف الجماهيري حول قضية الأسرى منحه الشعور بأن الجميع سيعمل على إغلاق ملف الأسر مرة وللأبد. ويكشف السنوار أن قيادة حماس في السجون كانت الطرف الذي أخر التوصل لصفقة التبادل من أجل كسر «الخطوط الحمراء» التي حاولت إسرائيل إملاءها، وتمثلت في عدم الإفراج عن أسرى القدس وفلسطينيي 1948، وعدد كبير من الأسرى بدعوى أن أياديهم «ملطخة» بدماء اليهود، ممتدحا المفاوض الذي تمكن من إجبار الإسرائيليين على التراجع، وإطلاق سراح 45 من أسرى القدس، وضمنهم قيادات كانت تقضي أحكاما مدى الحياة، بالإضافة إلى إطلاق سراح ستة من فلسطينيي 1948 وهضبة الجولان. وأشار السنوار إلى حقيقة أن صفقة التبادل تضم عمليا ثلث الأسرى الذين يقضون أحكاما بالسجن المؤبد، وأدت إلى «تبييض» السجون من الأسيرات، باستثناء بعض الأسيرات اللاتي يقضين أحكاما بسيطة، ولم تكن الحركة على علم بأسرهن. وقال إنه لن ينسى الموقف الذي عبر عنه زميله عثمان بلال المحكوم مدى الحياة، وكان هناك تأكيدات أنه سيكون ضمن المفرج عنهم، لكن تبين أن الجانب الإسرائيلي رفض الإفراج عنه، وعندما أبلغ بذلك، شخص إلى السماء وقال: «اللهم إني قد رضيت بقضائك فارض عني»، فأبكى كل من كان في السجن. وأوضح السنوار أنه سمع كلاما يثلج الصدر من زميل الزنازين أحمد المغربي، أحد أبرز كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لفتح، وبعد أن علم أن السنوار سيكون من بين المحررين.