لاجئون سوريون في لبنان: لا نشعر بالأمان والحكومة موالية للنظام السوري

قالوا إن السلطات اللبنانية قيدت تحركاتهم

عائلة سورية نازحة بلبنان تجلس في مدرسة تحولت الى ملجأ اليهم بمنطقة وادي خالد (رويترز)
TT

في الركن الواقع أقصى شمال لبنان، وتحديدا في واد مؤد إلى سوريا على الخريطة، ومحيط بالدولة من ثلاثة جوانب كشبه جزيرة من دون منفذ بحري، وصل آلاف اللاجئين السوريين مقبلين من إقليم حمص منذ بداية الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، في مارس (آذار).

وفي الوقت الذي فر فيه اللاجئون في وادي خالد من التهديدات المباشرة في سوريا، فإن معاناتهم لم تنته بعد؛ فهم في حالة من القلق الدائم بشأن وضعهم القانوني الغامض وجهود الإغاثة غير الكافية وغارات القوات السورية وعمليات إطلاق النار بالأسلحة الصغيرة عبر الحدود السورية - اللبنانية من قبل القوات السورية، بل وحتى بسبب شائعات اختطاف سوريين في لبنان على أيدي قوات سورية.

«لا يوجد أمان داخل لبنان»، هكذا يقول محمد إبراهيم، 35 عاما، الذي يملك مطعما في مدينة تلكلخ الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، التي لحق بها الدمار جراء القتال الدائر هناك. ويضيف: «الحكومة في لبنان موالية للنظام السوري، وهذا ليس سرا يخفى على أحد».

وفي تصريحات بداية هذا الشهر، تعهد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، أن تلتزم دولته بحماية اللاجئين داخل حدودها. لقد وصل عدد كبير من اللاجئين إلى وادي خالد في مايو (أيار)، حينما هاجمت القوات السورية، مدعومة بالعربات المدرعة والميليشيا التي ترتدي ملابس مدنية، المعروفة باسم الشبيحة، مدينة تلكلخ. وفي الهجوم، أشار اللاجئون إلى قصف مدفعي عشوائي لمدينتهم واعتقال أعداد ضخمة، فضلا عن إطلاق النار من قبل قناصة.

هناك 3135 لاجئا سوريا في لبنان مسجلون لدى مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكن اللاجئين يقدرون أن عددهم أكبر من ذلك، نظرا لأنه ليس جميع اللاجئين مسجلين لدى المكتب.

وقال لاجئون إن الحكومة اللبنانية قيدت تحركاتهم، كما يقيم الجيش نقاط تفتيش بشكل منتظم لاعتراض طريقهم. وقال مصطفى جاسم حلوم (41 عاما)، وهو محام من تلكلخ: «في الأغلب، نذهب إلى القرية لشراء بعض مستلزماتنا ونعود مجددا. في إحدى المرات، كنا متجهين لطرابلس للبحث عن عمل، قاموا (قوات الأمن اللبنانية) باحتجازنا عند نقطة التفتيش وأجبرونا على العودة، لأننا لم نكن نملك الأوراق التي تثبت دخولنا لبنان بشكل قانوني».

يقيم إبراهيم وحلوم في مدرسة العبرة التي ظلت مهجورة لعدة سنوات قبل أن يتم تجديدها مؤخرا من قبل مؤسسة «بشاير» الخيرية بتكلفة 15000 دولار، لتسع 80 لاجئا. وعلى مستويين، تبدو الغرف بسيطة ومفروشة بالمراتب والحصير على الأرض. واشترت المؤسسة ثلاجة صغيرة لكل أسرة، كما تقوم بإمدادها بحاجياتها من الخضراوات والخبز يوميا.

يعيش كثير من اللاجئين في وادي خالد مع أسر في قرى الوادي، وليس تحت رعاية منظمات الإعانة الإنسانية. وقال لاجئون إن المساعدات التي تأتي من الحكومة اللبنانية محدودة جدا، وإن مؤسسات الإعانة الإنسانية، مثل «بشاير»، تبذل جهدا مريرا من أجل توفير الاحتياجات اللازمة وتوصيلها للاجئين.

وفي لافتة خارج مدرسة العبرة تشير إلى المركز، تم تغيير كلمة «لاجئين» إلى كلمة «أشخاص مشردين» من قبل الحكومة اللبنانية، بحسب هشام سبسابي، الموظف المسؤول عن المركز بمؤسسة الإعانة. وقال اللاجئون المقيمون بالمدرسة إنهم يعتقدون أن الحكومة اللبنانية تحاول فرض قيود على مسؤوليتها تجاه اللاجئين بتغيير تسميتهم.

ووصف نديم حوري مدير مكتب منظمة «هيومان رايتس ووتش» في بيروت رد فعل السلطات اللبنانية تجاه قضية اللاجئين السوريين بـ«المختلط». وقال: «إنهم سعداء بتقديمهم المساعدة على المستوى الإنساني، لكن حينما يتعلق الأمر بقضايا الحماية، يبدون أقل قدرة على اتخاذ القرارات وفي حالة من التردد». واستطرد قائلا: «والآن، يبدو أنهم ربما يرغبون في محاولة فرض السيطرة على المنطقة».

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، عرقل الجيش اللبناني إمكانية وصول الصحافيين لوادي خالد لأسباب لم تتضح بعد. وفي محادثة هاتفية يوم السبت، ذكر المكتب الصحافي لوزارة الدفاع أن هؤلاء الصحافيين لم يكونوا يملكون تصريحا لدخول المنطقة.

وقد زادت حدة مخاوف اللاجئين بسبب الأعمال الوحشية التي يرتكبها الجيش السوري على طول الحدود بين البلدين. وفي الأسابيع الأخيرة، عبرت قوات سوريا الحدود متجهة للبنان وأطلقت النار عبر الحدود.

وفي يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول)، لقي مزارع سوري مصرعه في مدينة عرسال بمنطقة وادي البقاع على أيدي قوات سورية، كما تم قصف مصنع مهجور، بحسب تقارير إخبارية محلية. وفي يوم الثلاثاء، أعلنت وسائل إعلام إخبارية محلية عن مقتل سوري آخر على أيدي القوات السورية بمدينة القاع على حدود البقاع. وتحمل كثير من المنازل على الحدود بين البلدين آثار طلقات نارية حديثة.

وفي تصريحات لوسائل الإعلام الإخبارية المحلية، قللت السلطات اللبنانية من شأن التقارير الواردة عن الغارات عبر الحدود وقصف القوات السورية لبنان.

يعيش فوزي حمادي، مواطن لبناني، في منزل يبعد أقل من 100 متر عن الحدود السورية في مواجهة تلكلخ. وتظهر على الجزء الخلفي من منزله ثقوب جراء طلقات نارية برصاص القوات السورية في الأشهر الأخيرة. ومرت طلقة عبر نافذة بالطابق الثاني لتدخل الغرفة التي كانت أسرته تحتسي الشاي فيها في ذلك الوقت، على حد قوله. وتم نشر قوات من الجيش اللبناني أمام منزل حمادي، غير أنه ذكر أنهم لا يفعلون شيئا أكثر من الاختباء عندما تطلق القوات السورية النيران عبر الحدود. وعلى الحدود من منزل حمادي، يمكن مشاهدة القوات السورية في دوريات وتحتل مواقع فوق أسقف المنازل يوم الثلاثاء. وذكر سكان من المنطقة أنهم شاهدوا قوات سوريا تعبر الحدود قبل الفجر في بعض الأيام وتسير حول المباني على الجانب اللبناني.

وقال اللاجئون والسكان إنه يمكن في معظم الليالي سماع صوت طلقات النيران، والقصف المدفعي في بعض الأحيان.

وتنتشر شائعات الاختطاف في وادي خالد، وينظر كثير من اللاجئين إليها باعتبارها أحد أبرز مخاوفهم. وقال حلوم إن شخصين سوريين من أقربائه (وهما عدنان حلوم ونضال حيدر) تربص بهما الشبيحة بالقرب من الحدود وقاموا باختطافهما. لكن تعذر التحقق من صحة هذه الرواية، وغيرها من الروايات الأخرى، بشكل مؤكد.

وعلى الرغم من مخاوفهم، فإن اللاجئين ما زالوا يتحلون بالجرأة والإقدام. وقال إبراهيم، صاحب مطعم سابقا، إنه «في اللحظة التي يفتحون فيها الباب للتجنيد، سنكون مستعدين: سنتطوع جميعا بالجيش السوري الحر».

يذكر أن الجيش السوري الحر هو عبارة عن جيش غير نظامي شكله مجموعة من المنشقين عن الجيش السوري بعد دخولهم في صدامات كثيرة مع القوات الحكومية.

وعلى الرغم من أن منطقة وادي خالد تقع على بعد أقل من 50 كيلومترا، نحو 30 ميلا، من مدينة حمص، أحد المراكز الرئيسية للانتفاضة السورية، قال لاجئون إنه لم يكن مكانا مثاليا لتنظيم عمليات مناهضة للنظام بسبب الضغط من جانب الحكومة اللبنانية.

وقال إبراهيم إنه لم يكن مشاركا في الحركة الاحتجاجية، لكنه كان معتقلا عندما قصفت القوات السورية تلكلخ. وأظهر علامة على ساقه قال إنها ناتجة عن ضربه بعصا كهربائية وكدمات بأصابع يديه جراء تعذيب لقيه على أيدي قوات الأمن السورية. وقال: «لدي شعور بالكراهية تجاه النظام الآن، ولست وحدي من يخالجني هذا الشعور، بل هناك كثيرون مثلي أيضا، وأنا على استعداد الآن للمشاركة بسبب ما قد شهدته». وأنهى حديثه قائلا: «لسنا هنا لنأكل وننام فقط، وإنما أيضا للمقاومة».

* خدمة «نيويورك تايمز»