الإسلاميون يركزون في دعايتهم على حي التضامن الشعبي المهمش في العاصمة التونسية

ردود فعل السكان ليست دائما مؤيدة لهم

TT

يعيش عدد كبير من الأسر التي طالها قمع نظام زين العابدين بن علي الإسلاميين في حي التضامن الشعبي المهمش والأكبر في العاصمة التونسية، مما يجعل منه أرضية خصبة لدعاية حزب النهضة الإسلامي، لكن ردود فعل السكان ليست دائما مؤيدة للإسلاميين.

وكان حي التضامن من أولى المناطق التي انتفضت ضد نظام بن علي عندما امتدت الثورة التونسية إلى العاصمة في بداية يناير (كانون الثاني) الماضي.

وفي شوارع الحي المزدحم الذي يقطنه أكثر من مائة ألف نسمة عاود «الملتحون»، كما يسميهم معارضوهم، في مزيج من الخشية والكراهية، الظهور، منذ فرار بن علي في يناير.

ويقول برهان بوغانمي: «عانينا لعقود من الزمان وآلامنا هي التي أججت شرارة الثورة، واليوم فإن النهضة هي المستقبل».

وكان هذا العاطل عن العمل (48 عاما) تعرض للتوقيف في 1981 حين كان يغادر أحد المساجد. ويروي.. «كان عمري 19 عاما وكانت سنة امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة)، ولم أتمكن منذ تلك الواقعة من استئناف الدراسة».

وباستثناء فترة قصيرة، أواخر ثمانينات القرن الماضي، تعرض الإسلاميون في تونس للقمع منذ منتصف السبعينات وفي عهدي الحبيب بورقيبة وبن علي. وسجن نحو ثلاثين ألفا من أنصارهم في التسعينات.

ومثل كثيرين غيرهم من ناشطي «النهضة» أو أنصارها الذين سيصوتون لها، بعد غد (الأحد)، في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، يعتز برهان بماضيه كواحد من ضحايا النظام السابق، وبأنه تمكن من إثبات وجوده مجددا «كمسلم».

وتقول مريم الماجري (30 عاما) مبتسمة وهي تتذكر الرجل الذي نزع عنها حجابها في الشارع: «لم أعد خائفة، أصبح بإمكاني أن أضع الحجاب على رأسي».

أما طاهر اللافي، الذي تشير آثار حروق في ساقيه إلى تعذيب تعرض له خلال أربع سنوات من السجن، فإنه يشعر بأنه «يتنفس هواء نقيا ونظيفا»، كما قال. ويقول كثيرون في الحي إن (النهضة) تساوي الاستقامة والنزاهة، بعد فساد نظام بن علي.

ويقول إبراهيم صابر، المسؤول المحلي لـ«النهضة»: «قلنا دائما: لا للاستبداد، ولم نتغير، وأصررنا على مبدئنا. من هنا تأتي مصداقيتنا».

وألصقت على مقر «النهضة» في حي التضامن المفتوح حتى وقت متأخر مساء، الكثير من النشرات التي تؤكد أن «الانتخاب حق وواجب»، وأيضا شعار الحزب المكون من حمامة فاتحة الجناحين تحيط النجمة الحمراء في علم تونس.

وتباع بطاقات الانخراط في الحزب بعشرة دنانير (سبعة دولارات) للرجال وخمسة دنانير للنساء ودينارين اثنين للطلبة، وهي مجانية بالنسبة للعاطلين عن العمل.

وتكثر عبارات الترحيب الحار عند دخول مقر الحزب والأجواء لا تخلو من أريحية، لكن كل النقاشات داخله تدور تحت أسماع مسؤول الحزب.

أما الخطاب الرسمي، فيتكرر بشكل ثابت: النهضة حزب ديمقراطي «يداه نظيفتان» وقريب من مشاغل الناس. لكن في حي التضامن الذي تتجاوز فيه البطالة بمراحل النسبة الوطنية (19 في المائة) يثير الخطاب الأخلاقي للنهضة حفيظة البعض.

وتقول حبيبة، التي تعمل في حضانة أطفال، إن «جماعة النهضة يملكون حضورا كبيرا هنا وهم يتحدثون إلينا بانتظام لدعوتنا إلى لبس الحجاب أو التوجه للمسجد. لكني لا أرى أن هذه هي مشكلاتنا الحقيقية». ويضيف زوجها في لهجة منددة: «إنهم يقدمون هدايا ويمولون زيجات ويوزعون مواد غذائية».

وفي إحدى المكتبات الصغيرة، تعمل سعيدة وابنتها أميرة (25 عاما) ولا تخفيان انتقاداتهما لـ«النهضة» وخيبة الأمل فيها.

وكان والد الأسرة ناشطا إسلاميا تعرض للسجن خمس سنوات في عهد بن علي وخرج من السجن يعاني نفسيا، في حين عاشت أسرته مضايقات.

وتصب سعيدة جام غضيها على «النهضة» قائلة: «حين كان زوجي في السجن لم يكن أحد من (النهضة) هنا لمساعدتنا. وحين عملت وحيدة لإعالة أسرتي لم أرهم ولم أحصل منهم على أي مليم، واليوم يظهرون. أين كانوا؟ هذا مثير للاشمئزاز».