صور القذافي ووجهه المضرج بالدماء تغطي الصفحات الأولى للصحف الغربية

الصحف البريطانية لا تخفي شماتتها بمقتل القذافي

TT

لم تحاول الصحف البريطانية إخفاء شماتتها بمقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي. ولم تحاول حتى أن تحجب صور جثته ووجهه المضرج بالدماء من على صفحاتها الأولى، كي لا تزعج قراءها بصور تتجنبها في العادة. وذهبت الصحف الشعبية (تابلويد) إلى حدّ الهزء بالقذافي واختارت أن تركز عناوين صفحاتها الأولى، على اللحظات الأخيرة التي سبقت مقتله والتي سمع فيها، من خلال أشرطة الفيديو التي نشرت، وهو يلتمس الرحمة من الثوار ويرجو الحفاظ على حياته.

واختارت صحيفتا الـ«ديلي ميل» والـ«ديلي ميرور» الشعبيتان العنوان نفسه، وكتبتا على صدر الصفحة الأولى: «لا تطلق النار». وبينما اختارت الصحيفة الأولى نشر صورة للقذافي وهو لا يزال حيا ويبدو وكأنه يتكلم ويطلب الرحمة، نشرت الثانية صورة كبيرة احتلت مساحة الصفحة الأولى لجثة القذافي. وكتبت «ديلي ميل» بخط أصغر على صفحتها الأولى: «مضروب ومدمم، طاغية ليبيا يتسول الحفاظ على حياته. بعد لحظات، قتل معدوما برصاصة في رأسه». وأفردت الصحيفة 11 صفحة لتغطية مقتل القذافي. ولم تترد بوصفه بعناوينها في الداخل بـ«الكلب المسعور»، وهو اللفظ الذي استعمله الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان مرة لوصف القذافي.

ولكن العنوان الأكثر إثارة للصدمة، كان الذي اختارته الـ«صن» الشعبية، الصحيفة الأكثر انتشارا في بريطانيا، والتي كتبت فوق صورة لجثة القذافي، في ما ينم عن شعور بالتلذذ بالانتقام: «هذا عن لوكيربي وعن ايفون فليتشر وضحايا متفجرات الجيش الجمهوري الأيرلندي».

وعرف القذافي بدعمه للجيش الجمهوري الأيرلندي في قتاله للانفصال عن بريطانيا، وكان يرسل الأسلحة والمتفجرات إليه، وهو ما تسبب بمقتل نحو 1800 بريطاني. أما لوكيربي فهو تفجير طائرة بان أميركان فوق منطقة لوكيربي في اسكتلندا عام 1988 والتي أدت إلى مقتل 270 شخصا كانوا على متنها، ويتهم القذافي بأنه أمر بتنفيذها. أما ايفون فليتشر فهي شرطية بريطانية أطلق عليها دبلوماسيون في السفارة الليبية في لندن النار عام 1984، مما أدى إلى مقتلها.

وهزأت أيضا صحيفة الـ«مترو» الشعبية من طلب القذافي الرحمة من الثوار، وعنونت على صفحتها الأولى: «كلب مسعور في حياته وجرذ جبان في لحظاته الأخيرة الوحشية».

ورغم أن الصحف الرصينة حاولت تجنب العناوين التي تدل على شماتة واضحة، وهزأت بالقذافي، بالشكل الذي اعتمدته الصحف الشعبية، فإن النبرة بقيت نفسها. وقد عنونت صحيفة الـ«ديلي تلغراف» اليمينية: «لا رحمة لطاغية من دون رحمة». وكتب مراسل الصحيفة في سرت في خبر الصفحة الأولى: «لطالما وصف أعداءه بأنهم جرذان وهو يتوعد باصطيادهم زنقة زنقة أو يموت وهو يحاول ذلك. ولكن في النهاية، كان الكولونيل معمر القذافي هو من اختبأ مثل الجرذ عندما تمت محاصرته أخيرا في أنبوب من أنابيب الصرف الصحي، يحمل مسدسا ذهبيا ويلتمس عبثا الحفاظ على حياته». وفي الصفحات الداخلية التي أفردت لتغطية مقتل القذافي، كتب محرر شؤون الشرق الأوسط قصة حول سوريا تحت عنوان: «السوريون يعلنون: الأسد سيكون التالي».

وعنونت صحيفة الـ«إندبندنت» اليسارية على صفحتها الأولى، تحت أربع صور للحظات الأخيرة للقذافي وهو حي: «نهاية طاغية». وكتبت: «في النهاية، كان مقتل معمر القذافي، الديكتاتور الليبي الذي بدا وكأنه هرب من قبضة الثوار الذين أطاحوا به، يفتقر للوقار وبالوحشية نفسها التي قتل فيها الكثير من أعدائه طوال السنوات الماضية». وعلق بيتر كوفان على الصور الوحشية لمقتل القذافي. وقال: «بالنسبة إلينا، لقطات الفيديو لمعمر القذافي - حيا أو ميتا، من يدري - يجره حشد من الرجال من شاحنة وهم يصرخون.. ثم راحوا يركلونه كأنه كرة قدم، كانت مقلقة: غوغاء يقتلون خارج القانون بأكثر الطرق بدائية. ولكن من نحن لنحكم؟ لم نعش يوما تحت رعب رجل واحد». وأضاف: «كان الأمر أشبه بالموت العنيف لكل طاغية، والفرح بالخبر كان يساوي الشعور بعدم العدالة الذي يتقاسمه شعبه».

واستطاعت صحيفة «الغارديان» اليسارية أن تحافظ على أكبر قدر من الابتعاد عن الشماتة في تغطيتها، وركزت أكثر على مستقبل ليبيا بعد القذافي. وعنونت على صفحتها الأولى: «موت ديكتاتور»، مع صور لجثة القذافي المضرجة بالدماء. وكتب سيمون تيسدال تحت عنوان «عجلة التاريخ دارت أمس ولن تعود إلى الوراء»: «معمر القذافي الذي سيطر على ليبيا بذهنية واحدة لا ترحم طوال 42 عاما، كان كاذبا وقاتلا ومحتالا. ولكن في مجال واحد على الأقل، بقي وفيا لكلمته. عندما بدأت الانتفاضة الليبية في فبراير (شباط) الماضي وأدت إلى تدخل الناتو بسرعة، توعد القذافي بالقتال حتى الموت». وأضاف: «أعلن القذافي في رسالة عبر الراديو، أنه لن يسلم نفسه للمحاكمة كما فعل صدام حسين، ولن يهرب كما فعل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي أطيح به.. وعد بالبقاء حتى النهاية، فوقف وقاتل. وتبين أنه ليس وحشا لا يقهر، بل رجل عادي من لحم ودم..».

كما تحدثت «الغارديان» عن مستقبل المجلس الانتقالي وحذرت من الخلافات التي قد تبدأ بالخروج إلى السطح «بعد أن فقد الثوار القضية المشتركة» وهي القتال ضد القذافي. وتساءلت: «ليبيا أخيرا حرة لإكمال الطريق، ولكن السؤال الكبير: بأي اتجاه؟».

وفيما أفردت «التلغراف» قصة حول علاقة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير (زعيم حزب العمال السابق) بالقذافي، تنقل فيها مخاوف حزب المحافظين من اختفاء «الأسرار» حول علاقة الرجلين، كتب روبرت فيسك، الصحافي المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، مقالا انتقد فيه تعاطي الغرب مع القذافي، تحت عنوان: «لا يمكن لومه لأنه ظن أنه أحد الرجال الطيبين». وقال: «الغرب قد يحتفل بمقتل القذافي، ولكن هذا سببه فقط عامل التوقيت».