زعماء إيران المتشددون يواجهون تحديا جديدا

مساع لإجراء محادثات مع واشنطن عبر دبلوماسية «الغرف الخلفية» لتخفيف التوتر

TT

جددت التحديات السريعة والمتعاقبة التي توالت على إيران خلال الأيام الأخيرة الجدل في طهران ثانية حول كيفية التعامل مع بقية العالم، فلا يزال حكام إيران الذين يقودهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، رافضين الدخول في أي مفاوضات قد تضطرهم لقبول حل وسط، ولكن هناك فصيلا مؤثرا يضغط الآن من أجل إجراء محادثات مع الولايات المتحدة عبر القنوات الخلفية باعتبارها خطوة نحو تقليل حدة التوترات التي أثارتها المزاعم الأميركية حول وجود مؤامرة اغتيال إيرانية.

كما أشار أعضاء من هذا الفصيل، في إطار حثهم إيران على بذل المزيد من الجهد لمواجهة الانتقادات الخارجية، للضغوط الدولية المتزايدة بشأن البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية المثير للجدل، ولتقرير الأمم المتحدة الجديد والبالغ الأهمية حول انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

وقد قوبلت الاتهامات الأميركية لإيران بأنها دبرت مؤامرة لقتل السفير السعودي في واشنطن برفض واسع النطاق في إيران، ولكن الفصيل المعارض الذي أجبر على الخروج من الحكومة عام 2009، يرى أن السياسات المتشددة التي يتبعها الزعماء المتشددون في إيران لم تترك للبلاد مساحة كبيرة للمناورة.

وكان من ضمن السياسيين السابقين والنشطاء الذين تحدثوا في هذا الشأن في الأيام الأخيرة الرئيس السابق، آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي دعا يوم الاثنين إلى مزيد من «اللباقة والسيطرة» في تعامل إيران مع القضايا الدولية المثيرة للجدل.

وقد تم دفع رفسنجاني، السياسي البراغماتي الذي كان يعتبر في السابق الرجل الأقوى في إيران، خارج دائرة الحكم الداخلية من قبل أنصار خامنئي في عملية تطهير لم يسبق لها مثيل بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اعترضت على فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في انتخابات 2009. رفسنجاني، الذي كان يتمتع بعلاقات وثيقة مع العائلة المالكة السعودية، هو الزعيم غير الرسمي للفصيل المعارض الذي مارس ضغوطا من أجل حصول الإيرانيين على المزيد من الحريات الشخصية، ومن أجل تحسين علاقات إيران بالبلدان الأخرى.

وقد انضم إلى رفسنجاني في حملته الجديدة الكثير من السياسيين الأقوياء السابقين والمحللين المؤثرين الآخرين، الذين دعوا خامنئي في الأيام الأخيرة للعب دور عملي بشكل أكبر يمكن أن يشمل إجراء محادثات سرية مع الولايات المتحدة أو محاولة إرضاء المملكة العربية السعودية.

وقال رضا كاوياني، وهو محلل بارز وأحد المنتقدين لحكومة أحمدي نجاد: «ينبغي على خامنئي زيادة وجوده ومحاولة إيجاد الحلول وفتح الطريق أمام دبلوماسية الغرف الخلفية، فإيران لا تستطيع إظهار المرونة سوى في المحادثات السرية، وليس في المحادثات العامة كما يريد الغرب».

لقد كانت السياسة الخارجية الإيرانية دائما مسرحا للقادة المتنافسين لتصفية خلافاتهم المحلية، وعلى الرغم من أن أحداث عام 2009 قد قللت من عدد اللاعبين السياسيين في البلاد، فإن هناك الكثير من الخلافات بشأن السياسة الخارجية بين مجموعة القادة الضئيلة التي لا تزال قائمة. ففي صباح يوم الاثنين قال وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، إن إيران ستحقق في المزاعم الأميركية حول المؤامرة، ليعقب ذلك تصريح تصحيحي من أحمدي نجاد في المساء، حيث قال لقناة «الجزيرة» ليست هناك حاجة لإجراء مثل هذا التحقيق.

وقال فرشاد غوربانبور، المحرر السياسي في صحيفة «فارغاتيغان»، وهى صحيفة معارضة للحكومة: «على الرغم من أن الظروف الآن ليست مناسبة، فإن التحدث مباشرة إلى الولايات المتحدة بصوت واحد هو السبيل الوحيدة لحل هذه المشكلات، ولو كنت في موقع المسؤولية، لأوفدت فورا كلا من رفسنجاني وأحمدي نجاد والرئيس السابق محمد خاتمي إلى الرياض ليحاولوا إصلاح العلاقات معهم».

وعلى الرغم من أن المؤامرة المزعومة هي أكثر قضايا إيران الدولية إلحاحا في الوقت الراهن، فإن تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في إيران الذي صدر يوم الاثنين والذي يحمل إدانة واضحة لإيران، قد أضاف مزيدا من الضغوط، حيث قال البرلمان الإيراني يوم الأربعاء، إنه سوف «يقاضي» أحمد شهيد، الكاتب الرئيسي للتقرير، واصفا النتائج التي توصل إليها بشأن «وحشية» انتهاكات حقوق الإنسان في إيران بأنها «أكاذيب تحركها أغراض سياسية».

وقالت إدارة أوباما يوم السبت، إنها قد تستخدم تقريرا صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني للضغط من أجل تصعيد العقوبات ضد إيران.

ويقول منتقدو زعماء إيران، إن معارضة المتشددين المتصلبة لأي نوع من أنواع الحلول الوسط تمثل عقبة كؤودا أمام إيجاد حل للقضايا المعلقة، ولكنهم لا يتوقعون من كبار زعماء إيران النزول على رأيهم.

وقال نادر كريمي جوني، رئيس تحرير صحيفة سابق أفرج عنه مؤخرا بعد ثلاث سنوات قضاها في السجن نتيجة لنشاطه السياسي: «إنهم لا يمكنهم التوصل إلى حل وسط في قضية واحدة فقط، لأن الغرب لديه الكثير من القضايا، وبالتالي فخيارهم الوحيد هو وصف كل الضغوط الغربية بأنها مؤامرات والانتظار حتى تمر المشكلات».

وقد كان خامنئي، السياسي المحنك الذي قاد الجمهورية الإسلامية منذ عام 1989، المؤيد الرئيسي لسياسة عدم القبول بحل وسط في إيران، حيث قال يوم السبت ردا على مزاعم مؤامرة الاغتيال: «الطريق إلى النجاح هو عدم التراجع أمام العدو، حتى لو كان هذا التراجع مجرد خطوة واحدة».

ولكنه أيضا كثيرا ما يشيد ببصيرة وبراغماتية مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني، الذي أنهى الحرب مع العراق في عام 1988 استجابة للضغوط الأميركية الكبيرة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»