نشطاء مصريون يطلقون حملة لكتابة وصاياهم

يسيطر عليهم القلق بعد مقتل ناشط واعتقال واختطاف آخرين

مسيرة للمصريين تدعو إلى الوحدة الوطنية بعد أحدث ماسبيرو («الشرق الأوسط»)
TT

أطلق مجموعة من الناشطين السياسيين حملة على شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» تحت عنوان «شهداء تحت الطلب، دوِّن وصيتك ضد العسكر» من أجل كتابة وصيتهم لذويهم حال وفاتهم، وهو ما تهافت عليه عشرات من الناشطين في خطوة تعكس حالة من القلق تنتاب الكثير من الناشطين السياسيين في مصر في الفترة الأخيرة، بعد تعرض ناشطين للقتل أو الاعتقال أو الاختطاف مؤخرا.

وفي التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قتل الناشط مينا دانيال (20 عاما) أثناء مظاهرة للأقباط في منطقة ماسبيرو، وهي المظاهرة التي شهدت مقتل 26 شخصا آخرين بالرصاص أو دهسا بالمدرعات، اللافت أن دانيال كان قد كتب وصيته لأصدقائه في أول أيام ثورة 25 يناير، والتي شهدت سقوط قرابة 800 شهيد، حيث حملت وصيته أن يمر جثمانه بميدان التحرير، وهو ما قام به أنصاره فعلا.

وفي ممر معتم وضيق ذي أرضية ملطخة بالدماء في المستشفى القبطي بالقاهرة حيث وصل جثمان دانيال، جلس ناشطون آخرون في حالة من الحزن والإحباط، لكن ظروفهم الصعبة ألهمتهم فكرة كتابة وصاياهم.

وأوضح مالك عدلي، وهو محام بمركز هشام مبارك للقانون، وصديق شخصي لمينا دانيال أن الناشطين كانوا يتلقون تدريبات لتفادي الاعتقال أو الضرب أثناء المظاهرات، لكنه تابع قائلا بصوت يملؤه الإحباط: «لكن من الصعب أن نعطي تدريبات تتعلق بتفادي الموت بالرصاص».

وقال عدلي لـ«الشرق الأوسط»: «أشعر أن هناك تصعيدا في مواجهة الناشطين، بدءا من معركة العباسية والتي شهدت سقوط أول ناشط وهو محمد محسن، ثم اليوم المخاطر تتزايد من حولنا» لكنه قال بنبرة عالية متحدية «لكننا سنواصل مسيرة التوعية ولن نخاف الرصاص أو الدهس بالمدرعات».

وتقول مها الأسود (26 عاما)، ناشطة سياسية وصاحبة فكرة تدوين وصايا النشطاء، إن الناشطين يشعرون بأن الموت أصبح قريبا منهم الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث قالت لـ«الشرق الأوسط»: «هناك نوع من أنواع التربص بنا في كل مكان وبكل الأشكال، هناك من قتل، وهناك من اعتقل، وهناك من اختطف».

وقبل أسبوع اختفى الطبيب أحمد عاطف عزمي، منسق ائتلاف شباب مصر، والمرشح لانتخابات الأطباء لخمسة أيام قبل أن يعثر عليه مغشيا عليه في ضاحية المقطم الجبلية في القاهرة، المثير أن عزمي ظهر تلفزيونيا ليقول إنه تم التحقيق معه من قبل جهات مجهولة حول إضراب الأطباء وأحداث ماسبيرو وانتخابات نقابة الأطباء. ولم يكن اختطاف عزمي الأول من نوعه بعد الثورة، حيث سبق وتم اختطاف الناشط محمود شعبان، بالمكتب التنفيذي لحملة دعم البرادعي في الإسكندرية، حيث قامت جهات أمنية باحتجازه ليومين، لكن وزارة الداخلية المصرية نفت أن أي أجهزة أمنية تابعة لها مسؤولة عن الحادثين. وكان حادث الاختفاء الأشهر هو ما تعرض له الناشط الشهير وائل غنيم قبل ساعات من انطلاقة جمعة الغضب في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وتقول الأسود بعصبية واضحة، بعد أن تنفخ دخان سيجارتها في الهواء: «هناك الكثير من التضييق، فالمحاكمات العسكرية وقمع الصحافة والإعلام تعمل على تضييق الخناق على تحركاتنا بشكل كبير» وتضيف «هناك حملة لتشويه سمعة النشطاء السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، وهي الحملة التي انتقلت للأهالي وجعلت الكثيرين منهم يحملون مشاعر سلبية تجاهنا».

ويقوم الكثير من الناشطين بتوجيه رسائل سياسية عبر فن «الجرافيتي» الذي انتشر بشكل كبير أثناء الثورة وحتى الآن، لكنه يواجه تضييقا كبيرا الآن هو الآخر، فمساء الثلاثاء الماضي تم توقيف الناشط علي الحلبي لقيامه برسم جرافيتي على أحد الجدران بالقاهرة، وكان الحلبي يقوم برسم «الجرافيتي» ضمن حملة «الدائرة البيضاء والدائرة السوداء» التي أطلقتها حركة شباب 6 أبريل منذ عدة أسابيع لتوعية المواطن بأهمية المشاركة بالتصويت في الانتخابات النيابية والتعريف بأسماء أعضاء الحزب الوطني (المنحل) لمقاطعتهم، ويخضع الحلبي لتحقيق أمام النيابة العسكرية، وهو ما قد يجعله عرضة لمحاكمة عسكرية، ويقول حقوقيون إن المحاكمات العسكرية طالت قرابة 12 ألف مدني حتى الآن.

ويتعرض المجتمع المدني في مصر منذ فترة لهجوم كبير فيما يتعلق بتمويله، حيث برز على السطح خلاف يتعلق بحجم التمويل الأجنبي الذي تتلقاه عشرات من منظمات المجتمع المدني، وهو ما أساء للعاملين بها وجعل الشكوك تحوم حول نشاطهم وولائهم لمصر بحسب ناشطين آخرين.

وتهافت العشرات من النشطاء لكتابة وصاياهم، لكن الأسود تعتقد أن المبادرة لم تلهم الكثيرين حتى اللحظة قائلة «المسألة صعبة جدا، أن يتخيل الناشط نفسه ميتا ويكتب وصيته لأهله»، وحملت رسائل الناشطين عبر الحملة وصايا مختلفة ومتباينة لكن معظمها كانت وصايا عامة وليست شخصية، حيث قال أحدهم «خدوا بالكوا من البلد دي عشان مش هسامح اللي يفرط في حقها»، لكن آخر قال «ادفنوني في صينية ميدان التحرير»، وكتب آخر «أوصيكم بالمجلس شرا وبمصر خيرا وبشعبها رفقا.. وأن أدفن في مدفن جماعي لمسلمين ومسيحيين ويكتب عليه: هكذا أحبوا مصر.. وأنتم؟؟!».

وقبل شهور كانت الأسود برفقة مالك عدلي ومينا دانيال في وسط ميدان التحرير ضمن ملايين المصريين يطالبون بسقوط نظام مبارك، والآن بعد أن فارق دانيال الحياة، جددا عزمهما على مواصلة توعية الآخرين أن تكون مصر أفضل بلد، وأن تتحقق العدالة الاجتماعية، وهو ما يراه عدلي مطلبا مشروعا لن تثنيه عنه المخاطر الجديدة.