الفيضانات.. الاختبار الأول لزعيمة تايلاند الجديدة

صعوبات أمام ينغلاك شيناواترا بسبب حجم الكارثة والارتباك إزاء كيفية مواجهتها

ينغلاك شيناواترا
TT

تواجه رئيسة الوزراء التايلاندية، ينغلاك شيناواترا، بعد شهرين من توليها منصبها، اختبارا لقدرتها على القيادة يمكن أن يؤدى إلى تحديد شكل إدارتها، فهي ليست محاطة فقط بمياه الفيضانات التي ترتفع خلف الحواجز في جميع أنحاء بانكوك، وإنما محاطة أيضا بالنقاد والمعارضين السياسيين الذين يقفون على أهبة الاستعداد لانتقاد أي زلة لها.

وقد اعترفت ينغلاك أول من أمس بفشل الجهود المبذولة لتحويل مياه الفيضانات الموجودة في جميع أنحاء بانكوك بعيدا عن المدينة، وقالت إن الحكومة سوف تحاول الآن التحكم في تدفق مياه الفيضانات بحيث يتم تصريف مياه الفيضانات عبر بعض مناطق المدينة. وأضافت قائلة: «لقد استنفدنا اليوم كل الموارد الموجودة لدينا لمنع تدفق المياه إلى المدينة، سواء كان ذلك عبر بناء السدود أو من خلال البحيرات الصناعية المستخدمة في احتجاز مياه الفيضانات».

ولذا قررت أن تطلب من سكان بانكوك: «فتح جميع بوابات السدود، مما قد يتسبب في حدوث تدفق هائل للمياه، وذلك حتى نتمكن من تصريف المياه في البحر في أسرع وقت ممكن، حيث إن مياه الفيضانات تأتي من كل اتجاه، ونحن لا نستطيع السيطرة عليها لأنها كمية كبيرة من المياه، ولكننا سنحاول تحذير الناس».

وقد حاولت الحكومة حماية بانكوك، التي تشكل قلب البلاد السياسي والاقتصادي، وذلك باستخدام السدود وقنوات الصرف لإجبار الماء على الالتفاف حول المدينة، ولكن الماء استمر في اندفاعه خلف الحواجز التي تحمي المدينة، حتى إن بعض المناطق الواقعة على الأطراف الشمالية والشرقية فد غمرتها المياه بالفعل.

ولم تتحدد بعد مناطق بانكوك التي ستغمرها المياه نتيجة للقرار الذي اتخذته الحكومة، أو حجم الضرر الذي سيصيبها، ولكن البيان أدى إلى حدوث موجة من الذعر في المدينة، كما أدى إلى تدافع السكان على محال البقالة، التي خلت رفوفها من بعض البضائع مثل زجاجات المياه، والبطاريات الجافة والمعكرونة سريعة التحضير.

ويمثل هذا الفيضان، الذي يقول بعض الخبراء إنه لم يحدث منذ مائة عام، تحديا لأي زعيم، في الوقت الذي تعد فيه ينغلاك سياسية مبتدئة تعمل مع أعضاء حكومة لا تعرفهم معرفة جيدة. وقد اتسمت استجابتها الأولية لارتفاع منسوب المياه التي تتحرك باتجاه العاصمة بنبرة من التشكك والارتباك.

وقد أخطأت الحكومة بالفعل في تقدير حجم الفيضانات، حيث أعلنت في وقت مبكر من الأسبوع الماضي أن البلاد قد اجتازت أسوأ مرحلة في الفيضان وأن بانكوك قد أصبحت آمنة، ولكن يبدو أن ينغلاك كانت تواجه صعوبة في السيطرة على وزرائها، فسمحت لهم بإصدار بيانات وتوجيهات متناقضة، كما يتوجب عليها أيضا إيجاد حل لخلافها مع حاكم بانكوك، وهو عضو في الحزب الديمقراطي المعارض، ومواجهة انتقادات الجمهور الذي يشعر بالخوف والغضب. وقالت مناشدة الصحافيين يوم الأربعاء: «أنا أطلب الرحمة من وسائل الإعلام هنا، ولذلك دعونا نضع السياسة جانبا، ونعمل معا على رفع معنويات الشعب».

وقد تسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت في الأشهر الثلاثة الماضية، بالإضافة إلى مياه السدود الطافحة الموجودة في الشمال، في حدوث فيضانات غمرت المدن وطمست معالم حقول الأرز وأجبرت ما لا يقل عن ألف مصنع على الإغلاق. وقد وصل عدد القتلى حسب الإحصاءات الرسمية إلى أكثر من 300 شخص، بالإضافة إلى تضرر نحو تسعة ملايين شخص، إلى جانب نزوح عشرات الآلاف من منازلهم.

ولن تكون التكلفة الاقتصادية باهظة فقط بالنسبة لتايلاند ولكنها ستكون كذلك أيضا بالنسبة للشركات العالمية، ولا سيما شركات صناعة السيارات وشركات التكنولوجيا، التي تعتمد على تايلاند لتوريد قطع غيار منتجاتها.

وقد واجهت ينغلاك، الشقيقة الصغرى لرئيس الوزراء السابق الهارب تاكسين شيناواترا، منذ البداية، أسئلة عن مؤهلاتها واستقلالها السياسي، حيث اختارها تاكسين مرشحة للحزب الذي يؤيده، كما يعتقد أنه قد اختار أعضاء حكومتها من ملجئه في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي يقيم بها تهربا من تنفيذ حكم بالسجن صدر ضده بعد اتهامه بإساءة استخدام السلطة. وكان انقلاب عام 2006، قد أطاح بتاكسين، ولكنه استمر في ممارسة نفوذه السياسي باعتباره واحدا من أكثر الشخصيات العامة في تايلاند ثراء وشعبية.

ولكن إذا كانت سياسات ينغلاك ودورها القيادي، موجهين، كما يعتقد الكثيرون، من دبي، فإن الضرورة الملحة اليومية للفيضانات تتطلب اتخاذ نوع من القرارات السريعة والمحددة لا يستطيع أن يتخذها سوى شخص موجود في قلب الحدث، وفقا لما يقوله مدير معهد الدراسات الأمنية والدولية في جامعة تشولالونغكورن، تيتينان بونجسوديراك، الذي أضاف قائلا: «لقد أصبحت همتها موضع اختبار، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى تحديد دورها القيادي».

وقال تيتينان إن إحدى ميزاتها كقائدة طبيعتها الهادئة القادرة على تقبل النقد، ولكنها قد تكون مفتقرة للحسم اللازم لاتخاذ الخيارات الصعبة وضمان أن وزراءها لن يتخذوا إجراءات أحادية الجانب، حيث أصدر وزير العلوم والتكنولوجيا، بلودباراسوب سوراسوادي، قبل أسبوع إنذارا بالإخلاء العاجل لسكان منطقة بانكوك الشمالية، ليتضح بعد ذلك أنه إنذار كاذب وتم التراجع عنه سريعا. كما قال تيتينان إن إجراءات التحفيز المالي بعد انحسار المياه قد تعطي غطاء لبعض السياسات الاشتراكية المكلفة التي بنت عليها ينغلاك حملته الانتخابية، ولكن من المرجح أيضا أن يطغى هذا الانتعاش الاقتصادي المتوقع على عناصر أخرى مثيرة للجدل في أجندتها السياسية، مثل إجراء تعديلات دستورية وإصدار عفو عن السياسيين المحظورين مثل شقيقها. وقال قادة الصناعة بالفعل إن فترة ما بعد الفيضانات لن تكون مناسبة للتحرك قدما نحو تحقيق زيادة في الحد الأدنى للأجور كما كانت ينغلاك قد وعدت.

وتعكس الجهود التي تبذلها الحكومة للحفاظ على بانكوك على حساب مناطق أخرى بعضا من الانقسام الوطني الذي تمثل في احتجاجات «القمصان الحمراء» التي حدثت في العام الماضي، والتي تم فيها طرد بعض فقراء الريف من قلب بانكوك بعد فترة اعتصام طويلة. وأضاف تيتينان قائلا: «لقد استفادت بانكوك على حساب بقية تايلاند، وقد تراكم هذا التفاوت على مر السنين، وها هي بانكوك يتم حمايتها على حساب المحافظات الأخرى المحيطة بها».

ولكن مهما اختلفت المواقف السياسية، كما يقول، فإن المعركة التي يخوضها الجميع لإنقاذ المدينة تبرهن على أن هذا المركز الحضري الغني يحظى بالأولوية، سواء بالنسبة لقادة الحكومة أو لقادة المعارضة.

* خدمة «نيويورك تايمز»