الموت يغيب الرئيس السابق لمحكمة الحريري بعد صراع مع المرض

قاض في المحكمة لـ «الشرق الأوسط»: بان كي مون سيعين خلفا لكاسيزي خلال أيام

TT

غيب الموت أمس الرئيس السابق للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيزي، في منزله في فلورنسا، إثر صراع طويل مع مرض السرطان، بعد أن استقال من منصبه الشهر الماضي لأسباب صحية.

وأفاد بيان صادر عن المحكمة الدولية، بأن «خبر رحيل القاضي كاسيزي قوبل بحزن عميق بين موظفي المحكمة، فـ(نينو) - اختصار لاسم أنطونيو - كما يعرفه الكثيرون في المحكمة، كان محط إعجاب الكثيرين، كونه رئيسا بارزا يتمتع برحابة الصدر والفكر اللامع وحس الفكاهة».

وقال الرئيس الحالي للمحكمة، القاضي السير ديفيد باراغوانث، في تصريح له إثر تلقيه نبأ وفاة كاسيزي «إن مأساة رحيل (نينو) تعجز عن وصفها الكلمات، فقد كان بمثابة المايسترو في نظر موظفي المحكمة، وقدراته المميزة كرجل قانون وشخصية عامة يوازيها الدفء والإنسانية اللذان جعلا منه صديقنا العزيز». وأضاف باراغوانث «وقد كان القاضي كاسيزي من الأشخاص الذين شرفنا بالعمل معهم. أسهم في تطوير القانون الجنائي الدولي العصري، ولمع في هذا المجال، وامتدت عائلته إلى جميع أنحاء العالم حيث خيم الظلم، وأسهم نشاطه ورؤيته وفكره وشجاعته في تغيير مواقف ومؤسسات وحياة الكثير من الأشخاص».

أما نائب رئيس المحكمة القاضي اللبناني رالف الرياشي، الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية وزمالة مع القاضي كاسيزي، فاعتبر أنه «برحيل القاضي كاسيزي، فقدت العدالة الدولية والناشطون في مجال حقوق الإنسان أحد أبرز روادهم». وقال «عزاؤنا الوحيد أنه ترك لعائلته وأصدقائه وزملائه وتلامذته إرثا غنيا من الإنسانية والعلم واحترام الآخرين. وجل ما علّمنا إياه أنه مهما عظمت إنجازاتنا، فمن الممكن أن نبقى متواضعين».

وكشف قاض في المحكمة الدولية لـ«الشرق الأوسط»، أن «أعضاء المحكمة كانوا يشعرون بحراجة الوضع الصحي للقاضي كاسيزي، خصوصا أنه في المرحلة الأخيرة بات عاجزا عن الكلام كليا، لكن الأطباء كانوا يخدعونه كما حال كل مريض بالسرطان، ويطمئنونه إلى أن صحته ستتحسن بعد شهرين، لكن في الواقع كانت صحته في وضع حرج، وكان نبأ وفاته منتظرا بين يوم وآخر». وقال القاضي الذي رفض ذكر اسمه «إن تعيين البديل عن كاسيزي لن يطول، لأن الأمر بيد الأمين العام للأمم المتحدة وحده، وقد يختار في وقت قصير خلفا لكاسيزي من بين عشرات القضاة الدوليين الذين تقدموا بطلبات ليكونوا أعضاء في المحكمة»، مشيرا إلى أن «غياب عضو لا يعطل عمل المحكمة إذا كانت ثمة ضرورة، لأنها بإمكانها أن تعقد جلسة بأربعة أعضاء وتتخذ قرارات ما دامت الأغلبية متوافرة فيها».

ويعتبر كاسيزي إحدى أبرز الشخصيات في مجال العدالة الدولية. وكان أول رئيس للمحكمة الخاصة بلبنان وللمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وهو أيضا صاحب مسيرة مهنية طويلة في الأوساط الأكاديمية. وقد استقال من منصبه كرئيس لمحكمة لبنان في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لأسباب صحية، بعد أن تولى منصب رئيس المحكمة لأكثر من سنتين (منذ الأول من مارس/ آذار، 2009 وحتى 19 أكتوبر 2011). وكان يشغل منصب قاض في غرفة الاستئناف عندما توفي. وهذا المنصب هو الأخير في سلسلة من المناصب التي شغلها في المجال القانوني.

وفي نبذة موجزة نشرتها المحكمة على موقعها الإلكتروني عن المناصب التي تولاها كاسيزي، فقد عينه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان في عام 2004 رئيسا للجنة التحقيق الدولية لدارفور. وعينه في ما بعد خبيرا مستقلا للنظر في الكفاءة القضائية للمحكمة الخاصة لسيراليون. وطوال مسيرته المهنية، عمل القاضي كاسيزي للحد من حالات القتل خارج نطاق القانون والقتل المستهدف، وللتأكيد على المسؤولية الفردية عن الجرائم الدولية أمام المحاكم الوطنية والدولية.

وعمل القاضي كاسيزي أستاذا في القانون الدولي في جامعة فلورنسا من عام 1975 حتى عام 2008. وبين عامي 1987 و1993، شغل منصب أستاذ في القانون في المعهد الجامعي الأوروبي. وكان أستاذا زائرا في معهد «أُول سولز» التابع لجامعة أكسفورد (1979 - 1980). كما كان عضوا في معهد القانون الدولي والرئيس الأسبق للجنة منع التعذيب التابعة للمجلس الأوروبي. وللقاضي كاسيزي، الذي لطالما دافع عن الحق في تقرير المصير وحقوق الإنسان، كتابات عديدة حول جميع جوانب القانون الدولي، وبصورة خاصة القانون الجنائي الدولي. وقد حاز عددا من الأوسمة الفخرية والجوائز.