موت القذافي يحيي المعارضة والأمل في سوريا

لا توجد أي حركة معارضة أخرى في الثورات العربية تواجه التحديات التي تواجهها المعارضة السورية

TT

انتشرت أنباء وفاة العقيد معمر القذافي في أنحاء سوريا يوم أول من أمس، الجمعة، لتعيد إحياء الاحتجاجات التي كانت قد بدأت في التوقف، ولتركز الانتباه على جماعة معارضة جديدة منظمة وغير مسلحة تسعى إلى تحدي حكم عائلة الأسد، الذي استمر على مدى 4 عقود.

وباسم عادي ومهمة طموحة، بدأ المجلس الوطني السوري، الذي تم الإعلان عنه في إسطنبول هذا الشهر، في محاولة محاكاة النجاح الذي حققته قيادة المعارضة في ليبيا، وتوحيد الصفوف، في محاولة، هي الأكثر تضافرا من نوعها حتى الآن، لإيجاد بديل للرئيس السوري بشار الأسد واستمالة الدعم الدولي الذي ثبت مدى أهميته في ليبيا.

وقال سمير نشار، وهو ناشط من حلب وزعيم الجماعة: «سيحول العالم انتباهه الآن إلى سوريا، فقد حان دور سوريا في الحصول على الاهتمام». ولكن لا تزال هناك تحديات كبيرة تقف أمامهم، وكثير منها يتعلق بنفس القضايا التي كانت تعاني منها الانتفاضة في سوريا منذ بدايتها قبل 7 أشهر، فما زالت هناك هوة تفصل بين المعارضة الموجودة في المنفى وتلك الموجودة في الداخل، كما تعيق الخصومات والنزاعات الآيديولوجية عملهم، وبنفس القدر من الأهمية فقد أظهرت أوروبا والولايات المتحدة ترددا في الاعتراف بالمجلس مقارنة باعترافهما السريع بالمعارضة في ليبيا.

وربما كان أكثر التحديات التي واجهت المجلس النقاش الذي طغى على الكثير من مناقشاته، والذي يدور حول نوع التدخل الدولي الذي سيسعى المجلس إلى الحصول عليه، على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يحدث الآن، في محاولة إنهاء حكم الرئيس الأسد، فحتى النشطاء أنفسهم في هذه الأيام لا يعتقدون أن الاحتجاجات وحدها، مهما كانت كبيرة، تكفي لإسقاط الحكومة.

وقال لؤي حسين، وهو شخصية معارضة بارزة في مدينة دمشق، على الرغم من كونه من منتقدي المجلس الوطني السوري: «سيكون النموذج الليبي مغريا».

وقد اندلعت الاحتجاجات في أنحاء سوريا يوم أول من أمس، الجمعة، التي وصفها النشطاء، بحسب الروايات المتناقلة، بأنها كانت أكبر مما كانت عليه في الأسابيع الماضية، ولكنها دموية مثلها تماما، حيث قتلت قوات الأمن ما لا يقل عن 24 شخصا. وقد أعطت وفاة العقيد القذافي درسا دمويا للمصير الذي ينتظر الأوتوقراطيين، وأصبحت إحدى الأفكار الرئيسية على صفحات موقعي «فيس بوك» و«تويتر» وفي المظاهرات نفسها، حيث كتب على إحدى اللافتات: «لقد ذهب القذافي، وسيأتي دورك يا بشار»، كما هتف البعض «فلنكن نحن التالين»، وقد استوحى أحد الشعارات أغنية لأم كلثوم: «القذافي يغني لبشار: أنا بانتظارك مليت».

وقال أحد المتظاهرين (25 عاما)، في بلدة برزة بالقرب من دمشق، الذي قال إن اسمه باسيل: «نحن اليوم نسير على الطريق نفسه الذي سلكته ليبيا»، ودعا إلى «المقاومة المسلحة».

ولكن المحتجين يواجهون اليوم حكومة أكثر جرأة في أفعالها، وتلوح لأنصارها باحتمال الفوز، حيث كانت الاحتجاجات قد تراجعت قبل يوم أول من أمس، الجمعة، على الأقل بسبب العدد الكبير من المتظاهرين الموجودين في السجن، وحتى أشد منتقدي الأسد حماسا قد أصبحوا الآن يتحدثون عن امتداد الصراع لعدة أشهر وربما لسنوات، في حين أنهم كانوا قد توقعوا من قبل استمراره لعدة أسابيع فقط.

وقد أظهرت القيادة السياسية في الأسبوع الماضي من خلال الحشد الهائل للموالين للحكومة في دمشق مدى الدعم الذي تحظى به المدن الكبرى في سوريا، والأقليات التي تبدو أكثر خوفا من أي وقت مضى من سقوط نظام الأسد. وقد حذر وزير الخارجية السوري في لهجة شبه تهديدية من الانتقام ضد أي دولة تعترف بالمعارضة، رغم عدم توضيحه لما يمكن للدولة أن تفعله.

وقد أصبحت حركة الاحتجاج نفسها أكثر تعقيدا، حيث ظهر تمرد مسلح بشكل قسري في قلب سوريا، بينما اعترف بعض المتظاهرين السلميين بأنهم قد فقدوا الزخم الذي كان يحركهم إلى جانب انخفاض روحهم المعنوية. وقد ذكر عدد من قادة المجلس الوطني السوري أن الضغوط من أجل توحيد الصفوف قد جاءت من خارج سوريا بقدر ما جاءت من داخلها، حيث كانت الشكاوى قد كثرت حول ما اعتبره بعض المتظاهرين أنه مناوشات لا نهاية لها في الخارج.

وقالت بسمة كودوماني، وهي معارضة سورية بارزة وشخصية رئيسية في المجلس الوطني السوري: «لقد وصلت الانتفاضة التي تحدث على أرض الواقع إلى نقطة حرجة، حيث إنها قدمت كل ما كان يمكن أن تقدمه في ما يتعلق بالنتائج من خلال الوسائل السلمية»، وأضافت قائلة إن الجماعة المعارضة هي بمثابة الترياق لـ«استحالة تحقيق أي انفراج».

وقد نالت الجماعة الإعجاب، حتى من منتقديها، لقدرتها على مدى أكثر من 3 أشهر من المفاوضات في جمع شمل الناخبين اليائسين في الدوائر الانتخابية معا، تلك الدوائر المتناثرة في أنحاء سوريا، الذين وأدت عائلة الأسد طموحاتهم السياسة بحيث لم يعد حتى لحزب البعث الحاكم كلمة مسموعة بينهم. وقد تم الإعلان عن المجلس في إسطنبول، في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول)، بعد «مفاوضات مكثفة للغاية»، كما يصفها ياسر طبارة، وهو محام في مدينة شيكاغو، وعضو في المجلس.

وقال نشار: «لقد أوشكنا على تكوين أرضية مشتركة».

وعلى الرغم من أنه لم يتم الإعلان عن أسماء جميع الأعضاء - الأمر الذي يشير إلى وجود خلافات عالقة - فإنه تم تنظيم المجلس بحيث يتكون من 230 ممثلا، بالإضافة إلى أمانة أصغر حجما مكونة من 29 شخصا، ولجنة تنفيذية من 7 أشخاص، ومن ضمن أعضاء اللجنة التنفيذية قيادي من جماعة الإخوان المسلمين، وشخصية من الأقلية الآشورية، وأحد الأكاديميين السوريين العاملين في فرنسا، بالإضافة إلى نشار.

وقد برز برهان غليون، الأكاديمي الذي يعمل في مدينة باريس، بصفته المتحدث الرسمي باسم المجلس.

وقال محلل موجود في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام، إن غليون: «لا يتمتع بكاريزما خاصة، كما أنه لم يراهن على أي برنامج سياسي، ولكن هناك ميلا إلى اعتباره رجلا نظيفا، مما يعني ثباته على مواقفه على مدار العام، واستقلاله، حيث لا يعتمد فقط سوى على لقمة العيش التي يكسبها، وليست لديه انتماءات معروفة».

ولا توجد أي حركة معارضة أخرى في الثورات العربية تواجه التحديات التي تواجهها المعارضة السورية، حيث عملت الحكومة على ضمان عدم وجود ميدان «تحرير» تتركز فيه المعارضة، كما تم حرمان سوريا من التغطية الصحافية التي ساعدت على تحريك الانتفاضة في تونس في الأيام الأولى، من خلال منع معظم الصحافيين من دخول سوريا، فالحدود السورية ليست مفتوحة، بخلاف ليبيا، كما لا يوجد بها مدينة مثل بنغازي، يمكن للمعارضة أن تقوم بتنظيم صفوفها فيها، والأكثر صعوبة من ذلك هي التركيبة السورية نفسها، حيث تتكون سوريا من أقليات كبيرة الحجم دأبت الحكومة بلا هوادة على بث الرعب والخشية في نفوسها من عواقب أفعالها.

وقد وصف المسؤولون الغربيون تشكيل المجلس بأنه خطوة إيجابية، ولكنهم بخلاف مع فعلوا مع ليبيا، لم يقدموا شيئا أكثر من ذلك.

وقالت كاثرين أشتون، رئيسة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية: «أعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى معرفة المزيد». (حتى الآن، لم يعترف بالمجلس كممثل للشعب السوري سوى الحكومة الجديدة في ليبيا).

وقد انتقد مسؤول في إدارة أوباما المجلس بصورة خاصة قائلا إن المجلس قد مارس ضغوطا على المجتمع الدولي أكثر من السوريين أنفسهم، وبخاصة الأقليات المسيحية والعلوية، وقد رفض المسؤول أن يشير إلى المجلس بتسميته بـ«المعارضة»، مفضلا تسميته بالـ«معارضين»، وهو الاسم الذي يعكس طبيعة المجلس الذي يتسم بكونه لم ينضج بعد.

وأضاف المسؤول الموجود في واشنطن قائلا: «على الرغم من أنها خطوة صحيحة، فإننا ما زلنا متشككين في الأساس، فليس هناك بعد كيان حقيقي يمثل الشعب السوري بشكل كامل».

ويشعر البعض داخل المعارضة بالقلق من القوة غير المتناسبة للإسلاميين، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، خصوصا مع افتقارها إلى أي وجود تنظيمي داخل سوريا. كما يشير آخرون إلى أن تركيا قد تسعى إلى السيطرة على المعارضة، وقد عارض بعض الناشطين عقد الاجتماع في إسطنبول. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأتراك قد سعوا إلى تصوير أنفسهم على نطاق واسع بأنهم يقفون في جانب التغيير في العالم العربي، فإن لديهم علاقات قوية مع الحركات الإسلامية في مصر وتونس والأراضي الفلسطينية.

وفي الوقت الذي يقول فيه غليون إن المجلس يعارض تدخل حلف شمال الأطلسي، حتى ولو لم يكن هذا الخيار مطروحا بعد، أيد آخرون ما يسمونه بالحماية الدولية للمتظاهرين، وهو موقف غامض باعتراف الجميع، أو مناطق حظر الطيران أو الملاذات على طول الحدود السورية. وما زال هناك بعض المنشقين داخل سوريا يحذرون من الإطاحة بالأسد - خوفا من الحرب الأهلية - ويؤيدون بدلا من ذلك الإصلاح التدريجي.

وعلى الرغم من أن هذا الشهر قد شهد واحدة من أكبر المظاهرات الكردية، فإن المجتمع لم يدخل بقوة بعد في النزاع إلى جانب المعارضة.

وقال عبد الباسط حمو، وهو ناشط كردي: «لا تزال الأمور غير واضحة بشكل كبير».

ويقول بعض المحللين إن التحدي الأكبر للمعارضة في الأشهر المقبلة هو وضع رؤية دقيقة لمستقبل سوريا، تتجاوز صياغة مجموعة من المبادئ، حيث تتسم حكومة الأسد بافتقارها إلى وجود أي آيديولوجيا، والخوف من الفوضى هو السبب وراء الكثير من الدعم الذي تحظى به، وقد ظهر ذلك جليا في معظم الشعارات التي رفعت في المظاهرات الموالية للحكومة في الأسبوع الماضي، والتي أشادت ببقايا المميزات الشخصية للأسد، والتي تضاءلت نتيجة لضراوة الحملة القمعية التي قام بها.

وقال نديم حوري، وهو من كبار الباحثين في منظمة «هيومان رايتس ووتش» في بيروت: «النقطة الأساسية تكمن في قدرتهم على تقديم بديل حقيقي، فلو نجحوا في ذلك، فإنهم سيبدأون في وضع جدول أعمال، بغض النظر عما إذا كانوا في دمشق أم لا، فقوتهم الحقيقية اليوم تكمن في قدرتهم على وضع جدول أعمال وتحديد شكل سوريا في المستقبل».

* خدمة «نيويورك تايمز»