الأنفاس محبوسة.. ونتائج الانتخابات ستحسم مصير الثورة التونسية

المراقبون الدوليون لـ «الشرق الأوسط» : مناخ سياسي هادئ.. ووعي ملموس

تونسية من مؤيدي حركة النهضة ترفع علم بلادها في مدينة بن عروس بجنوب تونس أمس (أ.ب)
TT

رغم ما تميزت به الحملة الانتخابية في تونس من أجواء إيجابية, وعدم ملاحظة أحداث وخلافات مثيرة طيلة فترتها، التي تواصلت على امتداد ثلاثة أسابيع. إلا أن قلق التونسيين واضح والأنفاس محبوسة في انتظار الإعلان عن النتائج وما قد ينتج عنها, خاصة أن بعض الأحزاب هددت بـ«ثورة جديدة» إذا تم تزوير فيها. لكن القلق الداخلي قابله ارتياح دولي في مواقف المراقبين الدوليين الذين يزورون تونس بهذه المناسبة.

وقال أحمدو ولد عبد الله، رئيس المراقبين التابعين للمنظمة الدولية الفرانكوفونية، وهو سكرتير سابق لأمين العام الأمم المتحدة, إن الانتخابات في تونس تجري في «مناخ سياسي هادئ», وبين أن من أهم ما لاحظه هو حماس الشعب التونسي لهذه الانتخابات رجالا ونساء. وبأنهم يشعرون بأنها مسؤولية كبيرة.

وبين ولد عبد الله في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه لاحظ أيضا أن المسؤولين ملتزمون بما يقومون به, مؤمنين أنه مسؤولية وطنية وإقليمية من ناحية انتمائهم العربي والإسلامي, ودولية. وأكد أنه مبدئيا أسس نجاح الانتخابات متوفرة, واعتبر أن الثورة التونسية أثمرت ثورة سياسية شملت كل شرائح الشعب من أجل بلد ديمقراطي.

من جهته، قال هارولد ثورود، الذي يمثل برنامج التطوير في الأمم المتحدة، والذي قدم لتونس من بانكوك أن التنظيم يبدو ممتازا, ويقدم مثالا جيدا يمكن أن يستفيد منه آخرون, مشيرا إلى أنه لاحظ وحدة بين الشعب التونسي, وأيضا حضور ومشاركة قوية للمرأة في الحملة.

وواصل المراقبون الدوليون والعرب جولاتهم يوم أمس في تونس في تحسس أولي للأجواء الانتخابية, بعد أن أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن نهاية الحملة الانتخابية منتصف ليلة أول من أمس, وشملت زياراتهم وزارات ومقرات منظمات تونس، كما زاروا قصر المؤتمرات بتونس، حيث المقر الإعلامي للهيئة العليا للانتخابات.

ومن جهته، قال سلمان الحرفي، السفير الفلسطيني في تونس، إن خبراء فلسطينيين تعاونوا مع الهيئة العليا في تنظيم الانتخابات. واعتبر الحرفي أن هذه الانتخابات لها أهمية كبرى، خاصة أنها بعد «الربيع العربي» تؤدي إلى مستقبل جديد وحقبة جديدة, وهي مهمة، ليس فقط لتونس، بل للمنطقة العربية. كما أكد أنها ستكون ذات انعكاسات إيجابية على القضية الفلسطينية، وقال: «لا سيما أن كل الأحزاب والمؤسسات والنقابات في تونس لها إجماع، وموقفها واضح ولا اختلاف حول القضية الفلسطينية».

وأضاف: «نفتخر أنها مرت بهدوء ورقي حضاري لم تشهد أحداثا من أي نوع».

وبين السفير أن المستوى التعليمي و«الرقي» لدى الشعب التونسي انعكس على هذه الحملة التي تميزت بسلاسة التعامل, وحتى عندما يشذ البعض عن المسار يصححه ويحتويه الآخرون, مؤكدا في الوقت ذاته أنها تسير «بطريقة حضارية وهي تجربة ثمينة لا سيما أنها أتت في ظل أجواء مشحونة في بلدان مجاورة, فتونس أعطت المثال المنشود بوعي سياسي سيقود بالتأكيد إلى حالة ديمقراطية».

واعتبر الحرفي أن نجاح الانتخابات هو بداية ناجحة للثورة. وقال إنها «تجربة غنية نأمل أن تتكلل بالنجاح وتنعكس على بقية الدول العربية». وفي نفس السياق قالت شادية فراج، السفيرة المصرية في تونس، لـ«الشرق الأوسط» إن الوفد المصري الذي حل بتونس لملاحظة الانتخابات يطمح للاستفادة من التجربة الانتخابية في تونس, وعبرت عن تفاؤلها الشديد، وقالت: «رأينا عملا وإرادة, واحتواء لكل المشكلات».

وبينت أن هناك تشابها كبيرا بين التجربتين التونسية والمصرية, وأوضحت: «أتمنى أن تجري التجربة الانتخابية المصرية في نفس الظروف».

وعن دور المراقبين الدوليين في الانتخابات، قال كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إن من حقهم حرية الملاحظة والمعاينة, وأضاف: «نحن بانتظار تقاريرهم وإعطاء الإيجابيات والإخلالات التي نريد الاستفادة منها».

وقال الجندوبي في الندوة الصحافية التي عقدت بقصر المؤتمرات بالعاصمة التونسية أمس: «نحن متحكمون في مسارنا، وإحقاقا للحق منذ تأسيسها كانت في البداية بعض التخوفات، لكن وجدنا كل التعاون من الحكومة المؤقتة التي كان لنا لقاءات دورية معها», مؤكدا أن كل المسارات كان تحت سيطرة كاملة للهيئة على الرغم من الصعوبات، و«أحيانا سوء تفاهم».

وعن الصعوبات التي واجهتها الهيئة منذ بداية عملها وصولا إلى هذه المرحلة، قال رئيسها لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يتم اجتماع الهيئة حتى الآن للقيام بتقييم أعمالهم، لكنهم تعرضوا لنوعين من الصعوبات؛ الأولى حول التنظيم وطريقة العمل، التي تم التغلب عليها والاعتماد على حشد كبير من الشباب من خرجي الجامعات خاصة الذين لم يحصلوا على عمل بعد، وتفرغوا كليا لهذه المسألة.

كما أشاد بالشركاء من مجتمع مدني وأحزاب ومجهود الدولة وإداراتها ووجود الكفاءات التونسية, وذكر بأنهم انطلقوا في التنظيم لهذه العملية «من دون أرشيف سابق, فتونس لم تشهد انتخابات منذ 1956، وكل ما كان يحدث فيها هو عبارة عن كذبة وتمثيلية ولم تقع فيها أبدا انتخابات في السابق».

وقال الجندوبي أيضا لـ«الشرق الأوسط» إن أكبر صعوبة واجهتهم هي عمليات التشكيك والمس بثقة الناس, وقال: «تعرضنا لعملية تشكيك كبيرة والتهويل يدل على انعدام الثقة.. لكن المسار الانتخابي حاليا أعاد الثقة للتونسيين».

كما ثمن أعضاء الهيئة، وفي إطار نفس الندوة، عمل الجيش الوطني وتعاونهم معهم, وعبر بعضهم عن أن تخوفاتهم كانت أساسا من طريقة عمل الأحزاب، لكنها في الفترة الأخيرة أثبتت قدرا من الحكمة والرصانة.

وانتقد الجندوبي بشدة تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية، الذي عبر عن رأي الوزارة في سير الانتخابات خارج البلاد التونسية، وطلب من الخارجية أن «تصمت» لأن هذا ليس من اختصاصها, والأمر ليس من عمل أي جهة حكومية لكن الهيئة العليا للانتخابات هي الجهة الوحيدة المسؤولة.

وأتم الناخبون التونسيون المقيمون خارج تونس تصويتهم وأغلقت مراكز الاقتراع أمس لتبدأ اليوم في تونس.