فوضى الآراء الشخصية وتراشق الشيوخ يربكان قضية «حرية التعبير» بعد ثورة 25 يناير

سلفيون يطالبون بحرية «شيوخهم» على الفضائيات.. وحبس مدون بتهمة الإساءة للإسلام

TT

جددت مظاهرة السلفيين أمس للمطالبة بحرية التعبير لـ«مشايخهم» في القنوات الفضائية الدينية، والحكم على مدون بالسجن 3 سنوات بتهمة الإساءة للإسلام والترويج لأفكار متطرفة، الجدل حول حجم الحريات في مصر بعد نظام الرئيس السابق حسني مبارك.

وكانت أصوات بعد ثورة 25 يناير قد دأبت على المطالبة بمساحات واسعة من الحريات التي كانت مقيدة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ودشن آلاف الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي حملات ضد منع حرية الرأي والتعبير على الإنترنت وخلال شاشات الفضائيات وعلى صفحات الصحف المصرية.

وأمس شن آلاف السلفيين هجوما حادا على الدكتور علي جمعة مفتي مصر في المظاهرة التي نظموها أمام محكمة كفر الشيخ (200 كلم شمال القاهرة) التي يحاكم فيها الداعية السلفي أبو إسحاق الحويني بتهمة سب وقذف جمعة. حيث تجمع أكثر من 50 ألف سلفي من قيادات الدعوة السلفية من مختلف محافظات مصر أمام مقر المحكمة لمؤازرة الحويني والمطالبة بإقالة مفتي مصر الذي يقاضي الحويني ويتهمه بالسب والقذف، وإطلاق مساحة من الحريات للشيوخ على شاشات الفضائيات.

وقال الداعية السلفي الشيخ أسامة حمدي: «إننا ضد محاولات تهميش الحريات والعودة لنظام مبارك». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا ضد رجال الأزهر الشريف؛ ولكن ضد الممارسات القمعية ضد شيوخ السلفية»، مشيرا إلى أن أعدادا كبيرة من السلفيين بمحافظات الغربية والدقهلية والبحيرة فضلا عن أهالي محافظة كفر الشيخ حضروا جلسة محاكمة الحويني، التي تقرر تأجيلها لأجل غير مسمى لعدم وجود القضاة وقيام المحامين بإغلاق أبواب المحكمة، كجزء من إضرابهم.

وأضاف حمدي أن مظاهرة أمس للتأكيد على الحرية، ورسالة بعدم المساس بشيخ السلفيين، مؤكدا على أن الشيخ الحويني لم يسئ للمفتي، رافضا الربط بين موقفهم من المفتي وما يقال حول رفضهم للمؤسسة الدينية.

وكان المتظاهرون السلفيون قد أغلقوا الشوارع المؤدية للمحكمة وأقاموا منصة وألقوا خطبا حماسية من خلال مكبرات الصوت لمؤازرة الحويني والمطالبة بإقالة المفتي، ودعوا لحملة جمع المليون توقيع لإقالة المفتي. وردد السلفيون شعارات: «الله أكبر والعزة لله»، و«حسبنا الله ونعم الوكيل»، «اللهم أبدل لنا خيرا من المفتي».

وكان مفتي الديار المصرية، قد اتهم الحويني بسبه وقذفه بعبارات واضحة، القصد منها المساس بالشرف، ومن شأنها التقليل من مكانته الدينية، خلال حلقة من برنامج «حرس الحدود» أذيعت مؤخرا على فضائية «الحكمة» وطالب المفتي بتعويض قدره عشرة آلاف جنيه جراء ما أصابه معنويا وأدبيا ونفسيا. لكن مصادر قريبة الصلة من المفتي أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن المفتي مستعد للتنازل عن الدعوى في حال اعتذار الشيخ الحويني عما بدر منه من سب وقذف.

من ناحية أخرى، عاقبت محكمة جنح الأزبكية بالقاهرة برئاسة المستشار شريف كامل، أحد مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، ويدعى أيمن يوسف منصور بالحبس لمدة 3 سنوات مع الشغل والنفاذ، إثر إدانته باستغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة الطائفية والإضرار بالوحدة الوطنية، وتحقير الدين الإسلامي والتعدي عليه بالإهانة والسخرية والازدراء.

وقالت المحكمة في أسباب حكمها، إنه تأكد لها يقينا أن المتهم تعمد المساس بكرامة الدين الإسلامي ووضعه موضع سخرية واستهزاء، ونال منه بالسب والازدراء والتحقير من خلال حساب خاص به على موقع التواصل «فيس بوك»، مشيرة إلى أن العبارات التي ذكرها المتهم انصبت جميعها على القرآن الكريم والدين الإسلامي الحنيف ونبي الإسلام وأهل بيته والمسلمين، بشكل شائن ومقذع عن علم منه وإرادة.

وأكدت المحكمة أنه لما كانت الأديان السماوية المختلفة لها مكانة واحدة في نظر القانون الجنائي، وتعيش في ظل من الوحدة الوطنية، فقد بات واجبا على كل أبناء تلك الأديان أن يتحمل بعضهم وجود البعض الآخر، مشيرة إلى أنه لا يعتبر مجرد إظهار رأي مخالف لدين معين تعديا على هذا الدين في ضوء حرية الاعتقاد المكفولة بمقتضى أحكام جميع الدساتير المصرية.

غير أن هذا لا يبيح لمن يجادل في مبادئ الدين أن يمتهن حرمته أو أن يحط من شأنه أو يزدريه، وذلك لأن الشعور الديني لعمقه وعنفه لا يسهل رده إذا تم تهييجه وإثارته لدى الجماعات التي تدين به، كما أن إثارته تعرض النظام والأمن لأفدح الأخطار والأضرار.

وقد واجه العديد من الإعلاميين صعوبات خلال الفترة الماضية، بسبب ما يقدمونه في برامجهم الفضائية أو بسبب ما قيل إنه أخبار كاذبة، وهو ما قالوا إنه أحد الأساليب التي كان يمارسها النظام السابق لإعاقة الإعلام.

وأمس، اعتذر الإعلامي عمرو الليثي عن الاستمرار في قناة «التحرير» الفضائية الخاصة، وقبل يومين اعتذر الإعلامي المصري يسري فودة عن الاستمرار في قناة «أون تي في» الفضائية الخاصة، ومن قبله اعتذر الإعلامي محمود سعد والكاتب بلال فضل، وغيرهم.. وذلك لوجود ضغوط عليهم في هذه القنوات وعدم قدرتهم على التعبير بحرية في هذه القنوات، حسب تصريحاتهم.

وقال الدكتور بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن المشكلة الآن التي تواجه الجميع في حجم الحريات المتاح عبر وسائل الإعلام المختلفة، لافتا إلى أن الحرية ليس معناها الإساءة للإسلام أو الإضرار بأشخاص معينين؛ ولكن معناها الاختلاف في الرأي فقط. وأضاف بهي لـ«الشرق الأوسط» لا بد أن يميز الجميع سواء في الفضائيات أو عبر الإنترنت بين الاختلاف في الرأي والمواقف الشخصية، رافضا قيام شيوخ الدعوة السلفية أو الجماعة الإسلامية بالإساءة إلى رموز الأزهر، تحت أي مسمي، واتهامهم بأنهم من بقايا النظام السابق.