«سلطان الخير».. لم يشغله مرضه عن التخطيط لتطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي

شكاوى المواطنين دفعت به إلى متابعة المشروع بشكل كبير

لم يثنه مرضه عن العمل وبذل الجهد للتطوير في كافة المجالات (صورة خاصة بـ«الشرق الأوسط» بعدسة بندر بن سلمان)
TT

أن يصبح مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة أحد أكثر المطارات تطورا على مستوى العالم، هو ما خطط له الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني، قبل وفاته.

في مكتبه بوزارة الدفاع والطيران، رعى المغفور له، في الـ23 من شهر يوليو (تموز) عام 2008، مراسم توقيع عقد أعمال التصميم والخدمات الهندسية للمرحلة الأولى من مشروع تطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي، مع شركة «مطارات باريس للهندسة» (ADPI) بمبلغ 514 مليونا و900 ألف ريال.

وأثناء قضائه فترة النقاهة في أغادير بالمغرب العام الماضي، لم يشغله مرضه وحالته الصحية عن تحقيق ذلك الحلم، حيث إنه وقع في الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي عقدي المرحلة الأولى من مشروع تطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، الذي سيرفع طاقة المطار الاستيعابية إلى 30 مليون مسافر سنويا، وبقيمة إجمالية بلغت 27.11 مليار ريال (7.2 مليار دولار أميركي)، وذلك بحضور الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.

وأكد آنذاك المغفور له الأمير سلطان بن عبد العزيز، أن هذا المشروع يأتي في إطار رعاية واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمنظومة الطيران المدني في السعودية بشكل عام، وبمطار الملك عبد العزيز الدولي بشكل خاص، كونه بوابة رئيسية للحرمين الشريفين، فضلا عن الدور الذي يمكن أن يؤديه في دعم البنية الاقتصادية للمنطقة.

وقال ولي العهد في ذلك الوقت: «إن الهيئة العامة للطيران المدني شهدت مؤخرا تحولا في هيكلها التنظيمي والإداري، وأصبحت بموجبه المطارات الدولية وحدات عمل استراتيجية، ليتم تحويلها إلى شركات عامة مستقلة مملوكة للدولة، الأمر الذي سيمكنها من العمل وفق أسس تجارية، كما هي الحال في معظم المطارات الدولية الناجحة».

وأشار إلى أن ذلك التحول سيساعد الهيئة العامة للطيران المدني في الاعتماد على عوائدها الذاتية، مبينا أنه تمت الاستعانة بشركات عالمية متخصصة في التشغيل التجاري، بهدف الرفع من كفاءة هذه المطارات، ومن ثم تجويد مستوى خدماتها للمسافرين.

وذكر الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، حينذاك، أن مطارات السعودية شهدت الكثير من برامج الإنشاء والتطوير، من ضمنها مشروع تطوير مطار تبوك الإقليمي، الذي من المتوقع الانتهاء منه في القريب العاجل، ويعد نموذجا لمطارات الجيل الجديد، فضلا عن تطوير مطار الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز في ينبع بشكل جذري، وكذلك مطار بيشة. وكانت آخر تصريحات الأمير سلطان بن عبد العزيز الإعلامية، خلال توقيعه عقد تطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، قوله: «تم الانتهاء من مشروع إنشاء مطار الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز بالعلا، فضلا عن البدء في تنفيذ مطار نجران، الذي من المتوقع الانتهاء من المرحلة الأولى منه العام المقبل، إضافة إلى مطار القنفذة الجديد، بعد اعتماده مؤخرا، علاوة على المشاريع الكثيرة التطويرية في معظم المطارات، التي تهدف لتعزيز خدمات النقل الجوي في السعودية، ليستفيد منها المواطنون والمقيمون والزوار».

«مدرسة قائمة بحد ذاتها».. كان الأمير سلطان بن عبد العزيز في مجال الطيران السعودي، بحسب ما ذكره لـ«الشرق الأوسط» المهندس عبد الله رحيمي، رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السابق، الذي وصف دعم ولي العهد الراحل بـ«اللامحدود» فيما يتعلق بالمبادرات الرامية للتطوير والتغيير الإيجابي في الهيئة العامة للطيران المدني. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب أن أصف مدى حجم الخبرة المكتسبة في العمل تحت لواء شخصية فذة مثل شخصية المغفور له الأمير سلطان بن عبد العزيز، بما لديه من بعد نظر إداري في معالجة الشأن العام، وشؤون القطاع بشكل خاص، وتوفيق القرار وإدارة الحوار واللامركزية مقرونة بالمتابعة والمراقبة في مجال الطيران المدني».

وأفاد بأن الأمير سلطان بن عبد العزيز «رجل دولة ودولة في رجل»، مما يصعب وصف شخصيته التي تميزت بالرؤية الثاقبة والثقافة السياسية داخليا وخارجيا، إلى جانب عمق معرفة الشأن الداخلي والتواصل مع كل القيادات السعودية والعربية والعالمية، مشيرا إلى قدرته القيادية والإدارية التي وصفها بـ«الفذة» والمريحة في التعامل. وأضاف: «كانت قراراته متزامنة مع الحدث المعني به كل قرار دون أي تأخير، فضلا عن دعمه المتواصل وتفاعله المتميز مع المبادرات الجيدة، وتخويله للصلاحيات متى ما تولدت الثقة بينه وبين القيادات في الطيران المدني، حيث إنه كان يتخلى عن المركزية دون أن يهمل المتابعة اللصيقة للعمل».

ولفت إلى أن ولي العهد السعودي الراحل، منذ توليه رئاسة قطاع الطيران قبل نحو 5 عقود زمنية، يعتبر الراعي الرئيسي لذلك القطاع، خصوصا أنه حدثت في عهده كل التطويرات والتغييرات الإدارية التي أوجدت الطيران اليوم بأفضل الممارسات المعمول بها دوليا.

وأبان رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السابق، أن الأمير سلطان بن عبد العزيز أشرف على إيجاد شبكة مطارات تغطي السعودية كاملة، والبالغ عدد المطارات فيها نحو 30 مطارا محليا ودوليا، إلى جانب البدء في برنامج جديد لإعادة تطوير تلك المطارات، سواء من خلال توسعتها أو إدخال نظم حديثة إليها، ومن ضمنها مطار ينبع وتبوك ونجران وبيشة.

وزاد: «رفض المغفور له توقيع عقد المرحلة الأولى من تطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة في الرياض، حيث إننا كنا حريصين على راحته، إلا أنه أصر على القدوم للمكان الذي يحتضن المطار، فقد تحمل عناء السفر وقدم إلى جدة من أجل توقيع العقد».

وبين أن حرص الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - على مشروع تطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي، جاء نتيجة سماعه للكثير من شكاوى المواطنين، وهو ما جعله يهتم برفع العناء عن الناس، من منطلق استحقاقهم لأكثر مما هو موجود، موضحا أن الراحل كان متابعا بشكل كبير لخطوات تنفيذ هذا المشروع، مع رغبته القوية في تحققه.

واستطرد في القول: «من عمل مع الأمير سلطان بن عبد العزيز يعي تماما كيف كان يغمره بأسلوب إداري متميز لأبعد الحدود متى ما تولدت الثقة فيه، إلى جانب الإدارة المريحة التي يوفرها له، من ناحية قبول المبادرات والبعد عن المركزية وغيرها من الجوانب التي كانت تتوفر في الجانب الإداري له».

وأوضح أنه اهتم بالملاحة الجوية، في ظل اعتماد السعودية سابقا على أنظمة الدول المجاورة لها، إلا أنه باشر عملية تنفيذ المشاريع المتعلقة بالأنظمة الملاحية، وتدريب السعوديين على إدارتها، حتى أصبحت المملكة تمتلك أكبر مجال جوي في الشرق الأوسط يدار من قبل أنظمة سعودية بكفاءات وطنية على أفضل المستويات.

شهر أبريل (نيسان) الماضي شهد رعاية المغفور له ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني، للندوة الدولية للدفاع الجوي 2020، التي تعد الندوة العسكرية الأولى من نوعها على مستوى القوات المسلحة السعودية، والمستوى الدولي، بمشاركة نحو 21 دولة.

الندوة التي نظمتها قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي، والمركز الدولي للجودة والإنتاجية في الشرق الأوسط (IQPC)، بمقر معهد قوات الدفاع الجوي بجدة خلال الفترة من 17 إلى 20 أبريل الماضي، ضمت نخبة من القادة العسكريين والصناعيين في مجال الدفاع الجوي والصاروخي، حيث أتاحت فرصة مناقشة أبرز تهديدات الدفاع الجوي، واستراتيجيات التسلح، وأساليب التكامل بين المنظومات الدفاعية الجوية، إضافة إلى معرفة مستقبل الدفاع الجوي، ونشر وتطوير الوعي بأهمية التعاون الاستراتيجي المشترك على مستوى العالم من الآن وحتى عام 2020 وما بعده.

وتضمنت الندوة التي حضرها الأمير خالد بن سلطان، مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية نيابة عن والده آنذاك، أكثر من 50 عرضا رئيسيا لمتحدثين بارزين، إضافة لحلقات نقاش أدارها نخبة من القادة العسكريين في العالم، وقد غطت المسائل المتعلقة بالدفاع الجوي والصاروخي من الوقت الراهن وحتى عام 2020 وما بعده، فضلا عن معرض لأنظمة الدفاع الجوي الصاروخي المعاصرة والمستقبلية.

جناح الدفاع الجوي الملكي السعودي الذي شارك في المعرض المصاحب لتلك الندوة، كان فيه الأمير سلطان بن عبد العزيز نجما كسر حاجز صمت قاعة المعرض، بعد أن اندمجت نبرات صوته التي تضمنتها مقاطع فيديو متفرقة من خطاباته في بعض مناسبات الدفاع الجوي الملكي السعودي، بأصوات مختلفة للرماية والأسلحة.

وكان النقيب وليد الحمدان، المشرف العام على جناح قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي، قد قال في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»: «عمدنا إلى إبراز أصوات للكثير من عروض الرماية التي قام بها الدفاع الجوي الملكي السعودي على مر السنين، ودمجها مع خطابات الأمير سلطان بن عبد العزيز، من أجل جذب الزوار وتحقيق تفاعل كبير مع المعرض».

حضور ولي العهد السعودي الراحل في ذلك المعرض لم يكن فقط عبر مقاطع الفيديو تلك، وإنما احتل ركنا في الجهة الأمامية المقابلة لمدخل جناح قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي، ضمن لوحة مرسومة حوت كلمة مكتوبة له، رحمه الله، عن إعلانه عن تكوين قوات الدفاع الجوي كقوة رابعة للقوات المسلحة في السعودية.

ويعد الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - الذي تسلم مهام وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة في الـ31 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1962، أقدم وزير دفاع، بل عميد وزراء الدفاع على مستوى العالم قاطبة. وشهدت القوات المسلحة السعودية تحت قيادته عهدا من التطور والنماء، واستطاع بجهوده وتحت توجيهات القيادة السعودية بناء نظام دفاعي متكامل لبلاده، إضافة إلى أنه حقق، من خلال وزارة الدفاع، إنجازات لافتة ليس فقط في مجالات الدفاع والطيران، بل في مجالات التنمية المختلفة.

الجدير بالذكر أن الأمير سلطان بن عبد العزيز يعتبر خامس وزير للدفاع والطيران، حيث تعاقب على الوزارة منذ تأسيسها خمسة وزراء كان لكل منهم دوره في تنظيم الوزارة وتوسعة نشاطاتها وتطوير أدائها، في حين بدأت القوات المسلحة السعودية بستين رجلا، هم رفقاء الملك عبد العزيز في رحلته الجهادية لاستعادة ملك آبائه وأجداده، وما لبثت هذه القوات أن ازدادت حتى بلغت الآلاف.