تقييمات استخباراتية تستبعد حدوث فوضى في العراق كانت عاملا رئيسيا وراء قرار الانسحاب

مفاوضات بين واشنطن وبغداد حول عودة بعض القوات العام المقبل

TT

كان إعلان الرئيس، باراك أوباما، أول من أمس، الجمعة، عن رحيل جميع القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية هذا العام مناسبة لاحتفال الكثيرين، إلا أن بعض كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين ارتاعوا لهذا البيان، حيث رأوا أن الرئيس يحاول تجميل التوقف في المفاوضات البالغة الصعوبة مع العراقيين.

أما بالنسبة للمفاوضين الذي عملوا طوال العام لتجنب هذه النتيجة، كان الأمر يعد انتصارا للسياسات على حقيقة الأمن العراقي الهش الذي يتطلب بقاء بعض القوات، وهي حقيقة افترض الجميع أنها ستسود. إلا أن المسؤولين تمسكوا بأمل أن تبدأ الدولتان في التفاوض بشكل أكثر فعالية، كدولتين لهما سيادة، بعد انسحاب القوات.

وقد ذكر مسؤولون عسكريون أميركيون، هذا العام، أنهم يرغبون في بقاء قوة تتكون من عشرات الآلاف من القوات الأميركية في العراق بعد انتهاء عام 2011، وذلك كضمان لعدم حدوث أي أعمال عنف. وكانت هذه الأعداد في تراجع مستمر، إلا أن التوقعات أشارت إلى استمرار بقاء ما لا يقل عن 3000 إلى 5000 جندي أميركي.

وفي نهاية إدارة بوش، عندما كانت اتفاقية وضع القوات تتفاوض حول تحديد عام 2011 كأقصى موعد للدور العسكري الأميركي، ذكر مسؤولون أن هذا الموعد النهائي قد تم تحديده لأسباب سياسية، وذلك لوضع نهاية رمزية للاحتلال وتحقيق السيادة العراقية. ورغم ذلك كان هناك تفاهم يشير إلى وجود قوة أميركية كبيرة الحجم بعد هذا الموعد.

وخلال الاجتماعات المسائية التي عقدت على مدار العام الماضي، في المجمع السكني المنيع للرئيس العراقي، جلال طالباني، وفي اجتماع عبر «الفيديو كونفرانس» بين بغداد وواشنطن، تصارع المفاوضون العراقيون والأميركيون للوصول إلى اتفاق. وطوال هذا الوقت، كان الرئيس أوباما، ونوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، يذكران دوما أن العراق مستعد للاعتماد على نفسه، لكنهما لم يغلقا الباب أمام إمكانية بقاء القوات الأميركية.

كما استمر مسؤولون أميركيون، خلال الصيف الماضي، في افتراض أن الاتفاق سيتم تعديله، وأن أوباما كان مستعدا لدعم استمرار وجود عسكري. وفي يونيو (حزيران)، فذكر مسؤولون عراقيون ودبلوماسيون أن الرئيس أوباما أخبر المالكي أنه مستعد لبقاء عدد يصل إلى 10.000 جندي للاستمرار في تدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية. وقد وافق المالكي على ذلك؛ إلا أنه قال إنه بحاجة إلى بعض الوقت لحشد حلفاء سياسيين.

وكان المالكي يخشى أن يستغل منافسوه، وبخاصة رئيس الوزراء السابق، إياد علاوي، هذه القضية لإضعاف حكومته الائتلافية الهشة، إذا ما ظهر علانية ليؤيد بقاء القوات دون حشد دعم من باقي الأحزاب في البرلمان. وقد حصل على تصريح، مؤخرا، من الجماعة السياسية من أجل بدء محادثات مع الأميركيين بشأن بقاء القوات في العراق.

وبعد مناقشات بين وزارة الدفاع الأميركية ووزارة الخارجية والبيت الأبيض، استقر الأميركيون على بقاء عدد يتراوح بين 3000 إلى 5000 جندي، وهو ما نشر في أغسطس (آب). ووفقا لشخصين مطلعين على الأمر، أحدهما من داخل الإدارة والآخر من خارجها، فإن مناقشات مسؤولين في البيت الأبيض هما: توماس إي دونيلون، مستشار الأمن القومي، ونائبه دينيس ماكدونوف، سادت على مناقشات العسكرية الأميركية.

وذكر مسؤول أميركي أن التقييمات الاستخباراتية التي أشارت إلى أنه لن تكون هناك خطورة كبيرة بشأن حدوث فوضى في العراق في ظل غياب القوات الأميركية كانت عاملا رئيسيا في اتخاذ هذا القرار.

وقد ألح مسؤولون أميركيون، هذا الشهر، على القيادة العراقية لعقد اجتماع مرة أخرى في مجمع الرئيس طالباني لمناقشة تلك القضية. وطلب منهم الأميركيون هذه المرة اتخاذ موقف بشأن مسألة تحصين القوات، آملين في التخلص من العقبة التي دائما ما كانت تمثل صعوبة بالغة. إلا أنهم أساءوا فهم السياسات العراقية والشعب العراقي، حيث كان العراقيون لا يزالون يعانون من الصدمات النفسية التي خلفتها تلك الحرب والحروب السابقة، كما شاهدوا الثورات التي اجتاحت منطقتهم، ولم يكونوا مستعدين للموافقة على شيء من شأنه أن ينتهك سيادتهم.

ونظرا لإدراك القيادة العراقية الشديد لهذه المشاعر، فقد ذكرت سريعا أنها لن تدعم الحماية القانونية لأي من القوات الأميركية. كما ذكر بعض المسؤولين الأميركيين سرا أن الإلحاح على عقد هذا الاجتماع، الذي أجبر العراقيين على اتخاذ موقف عام في مسألة شديدة الحساسية قبل تدبير سياسات تقديمه إلى ناخبيهم وإلى البرلمان، كان خطأ استراتيجيا بالغا قضى على أي احتمالية تشير إلى بقاء القوات الأميركية بعد ديسمبر (كانون الأول).

لكن الدرس المتكرر من السياسات العراقية يشير إلى أن الاتفاقيات النهائية المزعومة دائما ما تخضع للمراجعة. وحتى الآن، ومع وجود بيان ذي لهجة مؤكدة من جانب الرئيس، يستمر الجانبان في مناقشة استمرار العلاقات العسكرية بينهما.

وبعد وقت قصير من ملاحظات الرئيس أوباما، التي نقلها التلفزيون العراقي، صرح الفريق بابكر زيباري، رئيس أركان الجيش العراقي، الذي ذكر في وقت سابق أن قوات الأمن العراقية في حاجة إلى مساعدة أميركية حتى عام 2012، في بيان له، أن الدولة لا تزال بحاجة إلى مدربين عسكريين.

كما صرح سامي العسكري، عضو في البرلمان وأحد المستشارين المقربين للمالكي، في حوار معه، أنه على الرغم من بيان أوباما، لم يتغير الكثير بالفعل. وأضاف: «كما قلنا من قبل، إن اتفاقية وضع القوات تختلف تماما عن قضية المدربين، التي لا تزال تحت الفحص، لأننا ذكرنا أن هناك ضرورة لوجود مدربين».

وقد تمسك ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي، باحتمال بقاء مجموعة صغيرة من مدربي الجيش الأميركي في العراق في المستقبل، رغم عدم وجود مفاوضات جارية بشأن الأعداد أو بشأن هذه المهمة. كما ذكر بانيتا لصحافيين كانوا على متن طائرته المتجهة إلى إندونيسيا يوم أول من أمس، الجمعة: «إننا مستعدون لتقديم احتياجاتهم التدريبية كذلك الإرشاد والتدريب لطياريهم، كما أننا مستعدون للاستمرار في تطوير العلاقة المستمرة معهم في المستقبل».

وقال مسؤول أميركي في العراق، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه نظرا لسرية المفاوضات، مساء أول من أمس، الجمعة، إن «المفاوضات الآن تركز على الترتيبات التي ستبدأ العام المقبل بعد رحيل جميع القوات الأميركية. وتتمثل الاحتمالات التي تتم مناقشتها الآن في عودة بعض القوات عام 2012، وهو خيار يفضله بعض السياسيين الأميركيين الذين يريدون إنهاء ما لا يزال يسميه البعض هنا بالاحتلال، على الرغم من انتهائه رسميا قبل سنوات. أما الاحتمالات الأخرى التي تتم مناقشتها فتتعلق بقيام الولايات المتحدة بتجريب القوات في دولة مجاورة مثل الكويت أو بقاء بعض القوات هنا تحت رعاية قوات حلف شمال الأطلسي».

* خدمة «نيويوك تايمز»