سياسي من سلالة بوليفار يبرز لمنافسة شافيز

ليوبولدو لوبيز يفوز بقرار قضائي يرفع عنه حظر الترشح للرئاسة العام المقبل

ليوبولدو لوبيز
TT

جعل رئيس فنزويلا، هوغو شافيز، سيمون بوليفار، أرستقراطي القرن التاسع عشر الذي حرر معظم أجزاء أميركا الجنوبية من قبضة إسبانيا، الشخصية الرئيسية في الأيديولوجية «البوليفارية» للبلاد، وذلك باستحضار ذكراه من تابوته الحجري، بل وحتى الشروع في بناء ضريح جديد على شكل سفينة هذا العام.

لكن في تحول بارز في السياسات الفنزويلية، جاء لافتا أن أحد أقوى المنافسين لشافيز في سباق الانتخابات الرئاسية العام المقبل، ناشط تجري روح بوليفار في دمائه. إنه ليوبولدو لوبيز، الأرستقراطي والاقتصادي الذي تلقى تعليمه بجامعة هارفارد ويتحدر من سلالة جوانا، شقيقة سيمون بوليفار.

وقد بات بإمكان لوبيز تنظيم حملته الدعائية بموجب قرار صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي عن محكمة الأميركتين لحقوق الإنسان، الذي قضى بضرورة رفع حكومة فنزويلا حظر خوض لوبيز سباق الترشح للانتخابات الرئاسية. وأشار لوبيز إلى أن حرمانه من حقه تجاوز المدى ليصل إلى تمييز سياسي، وكان الحظر قد فرض عليه من قبل مسؤولين مؤيدين لشافيز بسبب دعاوى قضائية ضده في الفترة التي كان فيها عضوا بإحدى الجماعات غير الهادفة للربح وكرئيس لبلدية تشاكاو الواقعة في كاراكاس.

وانتشرت حالة من الدهشة بمجرد أن اتخذت المؤسسات الحاكمة التي يديرها شافيز، رد فعل تجاه القرار الصادر عن محكمة الأميركتين لحقوق الإنسان، وهي هيئة قضائية تابعة لمنظمة الدول الأميركية. ومن خلال حكمها الصادر هذا الأسبوع، بدت المحكمة العليا في فنزويلا مؤيدة لحرمان لوبيز من حقه في الترشح لمنصب الرئاسة. ووصفت المحكمة العليا، التي يسيطر عليها قضاة موالون لشافيز، قرار محكمة الأميركتين لحقوق الإنسان بأنه «غير قابل للتنفيذ». غير أن لويزا استيلا موراليس، رئيسة محكمة فنزويلا، قالت أيضا إن لوبيز «يمكنه بكل حرية أن يسجل اسمه في قوائم المرشحين ويشارك في الانتخابات»، بما في ذلك السباق الانتخابي العام المقبل، مع أنها أحجمت عن تحديد ما إذا كان يمكن أن يقوم بمهام منصبه إذا تم انتخابه رئيسا أم لا.

وليس لوبيز، 40 عاما، بغريب عن العمل في إطار الجوانب المبهمة من السياسات في فنزويلا، البلد الذي يشهد انتخابات وتزداد فيه حدة النقد الشعبي الموجه لشافيز، ولكنه أيضا بلد يقف فيه البيروقراطيون بالمرصاد لقادة المعارضة من خلال تهديدات قانونية ومقاضاة الجهات التنظيمية للمؤسسات الإخبارية المستقلة، وهو ما تجلى في غرامة قيمتها مليونا دولار فرضت هذا الأسبوع على الشبكة التلفزيونية «غلوبو فيجن»، بسبب بثها أخبارا عن أحداث شغب وحشية بالسجون. وقال لوبيز في مقابلة أجريت معه إن «الدولة تسعى لحرمان أولئك الساعين إلى بديل من حقوقهم من خلال اغتيالهم معنويا بلا هوادة». وأضاف أنهم «يخافونني لأن بإمكاني الفوز».

ومنذ صدور قرار محكمة الأميركتين لحقوق الإنسان، وجهت موجات جديدة من الانتقادات اللاذعة من جانب حكومة شافيز إلى لوبيز، الذي ينتمي أسلوب تفكيره إلى تيار يمين الوسط في أميركا اللاتينية. وعلى سبيل المثال، وصفه مقال نشر هذا الأسبوع على الموقع الإلكتروني الخاص بشبكة «راديو ناسيونال دي فنزويلا»، الشبكة الإذاعية الحكومية، بأنه «متطرف يميني»، وزعم أنه «يرتكب دوما فظائع تهدد الاستقرار الذي حققته الثورة البوليفارية».

وذهب المقال إلى حد التأكيد على أن لوبيز «مدعوم من الإمبريالية»، الكلمة الدارج استخدامها في فنزويلا للإشارة إلى الولايات المتحدة - والإشارة إليه أيضا بوصف «شخصية محتالة». وبعدها، وعلى نحو يعكس الاتجاه لتزييف الحقائق، أورد المقال قولا لكارلوس إسكارا، نائب رئيس لجنة السياسة الخارجية في فنزويلا، الذي أشار إلى قرار حرمان لوبيز من خوض السباق الانتخابي بوصفه قرارا «إداريا وليس سياسيا».

تخرج لوبيز، الذي ينتمي للنخبة ذات الميول الأميركية في فنزويلا، من جامعة كينيون بولاية أوهايو الأميركية وحصل على درجة الماجستير في السياسة العامة من جامعة هارفارد. وتتناقض الخلفية المتميزة للوبيز بشكل صارخ مع خلفية شافيز. فلوبيز متزوج من ليليان تينتوري، وهي مذيعة تلفزيونية سابقة وبطلة ركوب الأمواج بالمظلات، أما شافيز، فهو ضابط جيش سابق خرج من بؤرة الفقر ليشكل حركة سياسية مناهضة للتأثير الأميركي داخل أميركا اللاتينية.

لكن يبدو أن لوبيز قد أخذ أيضا بعض الاستراتيجيات من شافيز، الذي نظم حركة سياسية شعبية في تسعينات القرن الماضي بعد أن عاصر انقلابا فاشلا في عام 1992. وقد سافر لوبيز إلى الكثير من الأماكن خارج العاصمة كاراكاس، وشكل حركة وطنية تحمل اسم «فولونتاد بوبولار» أو الإرادة الشعبية، التي توطدت أركانها في صورة حزب سياسي وسطي.

واكتسب لوبيز، الذي نادرا ما يعلن الصلات التي تربط أسرته ببوليفار، شهرة وطنية أثناء السنوات الثماني التي شغل فيها منصب رئيس تشاكاو، البلدية الغنية نسبيا في كاراكاس، وقد أعيد انتخابه لفترة ثانية في عام 2004 بحصوله على نسبة 80 في المائة من الأصوات، بعد أن ركز على إدخال إصلاحات على مدارس تشاكاو ومواصلاتها العامة.

وأثناء انقلاب فوضوي وقع في عام 2002، وأطاح بشافيز من منصبه لفترة قصيرة، غضب أنصار شافيز بسبب مشاركة لوبيز في اعتقال رامون رودريغيز تشاكين، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في ذلك الوقت. ولاحقا، في عام 2006، أطلق مسلحون النار على أحد الحراس الشخصيين للوبيز بينما كان جالسا في سيارة لوبيز وأردوه قتيلا، وهي الواقعة التي ذكر أنها كانت تهدف لتوجيه رسالة تهديد له.

وترجع محاولات الحكومة لحرمان لوبيز من خوض السباق الانتخابي إلى الفترة التي شغل فيها منصب رئيس بلدية تشاكاو، حينما اتهمته السلطات بتحويل أموال بشكل غير لائق في عام 2003 من أحد أجزاء ميزانية البلدية إلى جزء آخر منها.

وقال لوبيز إنه «بريء تماما» من هذه التهمة، مؤكدا أن الدعوى القانونية شملت الوفاء بالتزامات الرواتب تجاه المدرسين الذين تمت ترقيتهم من قبل شافيز نفسه. وفي حين حرم المسؤولون أيضا عشرات المواطنين الآخرين من خوض سباق الترشح للرئاسة، أوضح لوبيز أنه لم تدنه أية محكمة فنزويلية بأية تهمة.

وعقب صدور قرار محكمة الأميركتين لحقوق الإنسان، رحبت منظمة تضم مجموعة من أحزاب المعارضة في فنزويلا بخطة لوبيز للمشاركة في الانتخابات التمهيدية المزمع إجراؤها في فبراير (شباط) المقبل. وفي الاقتراعات الأخيرة، تنافس مع هنريك كابريليس رادونسكي، حاكم ولاية ميراندا، مرشح المعارضة البارز. والذي سيفوز في تلك الانتخابات التمهيدية، يتوقع أن يجد نفسه في سباق انتخابي مغاير لأي سباق جرى في تاريخ فنزويلا الحديث. وفيما سيطر شافيز على المشهد السياسي لأكثر من 12 عاما ويسيطر أنصاره على الجمعية الوطنية والمحكمة العليا وشركة النفط الوطنية، فإن صراعه مع مرض السرطان يجعل موقفه ضعيفا.

غير أنه لم يتضح بعد مدى تأثير مرض شافيز على السباق الانتخابي. فقد ارتفعت نسب تأييده خلال الأشهر منذ إعلانه عن مرضه، كما أنه لا يوجد أي مرشح آخر يسيطر على الموارد الممولة من صناعة النفط أو جهاز الدعاية الحكومي الخاضعة لإمرته. وقال الرئيس هذا الأسبوع إنه قد هزم السرطان، غير أنه لم يستفض في الكشف عن التفاصيل، وعاود السخرية من خصومه.

وفي الوقت نفسه، سيعتمد ترشح لوبيز غير المؤكد جزئيا على المؤسسات التي يسيطر عليها أنصار شافيز. وقال مسؤول حكومي رفيع المستوى هذا الأسبوع إن المسؤولين سيكشفون «في الوقت المناسب» عن نتائج التحقيقات الجنائية مع لوبيز. وعقب تجاهل المحكمة العليا القرار الملزم الصادر عن محكمة الأميركتين لحقوق الإنسان، أشارت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى الرفض بأنه «ضربة موجعة لسيادة القانون».

ومع ذلك، فإن جهد لوبيز الذي استمر لعدة سنوات من أجل إزالة اسمه من القائمة السوداء للانتخابات لدى الحكومة ربما تكون له أصداء إيجابية. فقد وافق المجلس الانتخابي الوطني، الذي يسيطر عليه أنصار شافيز أيضا، يوم الخميس على السماح للوبيز بخوض سباق الانتخابات الرئاسية. وقال لوبيز: «ليست معركة سهلة، لكن لدينا الإصرار والإيمان ونعلم إلى أي مدى يمكن أن نطمح».

* خدمة «نيويورك تايمز»