الأمير سلطان.. حياة في بناء الدولة

عكف على بناء الجيش السعودي وأرسى دعائم العمل الإنساني المتطور

TT

واكب الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، الذي انتقل إلى رحمة الله يوم أمس، مراحل بناء الدولة السعودية، والتصقت تجربته الشخصية بملحمة بناء الدولة، منذ مرحلة التأسيس، مرورا بإنشاء وتحديث هياكل هذه الدولة وتكوين مؤسساتها، وتشكيل الهيئات القيادية التي تشرف على أعمال الوزارات وتدعيمها بالكادر المؤهل.

وإلى جانب مشاركته بفعالية في إنشاء دولة عصرية، عبرت سريعا مراحل التنمية وبناء المؤسسات الاقتصادية والإدارية، فإن الأبرز في سيرة الأمير سلطان العملية، عكوفه على بناء واحد من أكثر الجيوش في منطقة الشرق الأوسط تأهيلا وتدريبا وتجهيزا.

ولد الأمير سلطان في السادس عشر من شعبان 1349 هجرية، الخامس من يناير (كانون الثاني) 1931 في مدينة الرياض. ومبكرا، كان ولي العهد الراحل أحد أهم الفاعلين في العمل السياسي الذي يستهدف تشكيل مؤسسات الدولة الفتية، وعلى مدى أكثر من 64 عاما من سيرته العملية، منذ تقلد منصب أمير منطقة الرياض، كان الأمير سلطان فعالا في بناء الدولة، وسندا مهما لأخيه الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز في تكوين المؤسسات، وتوطين البادية، وبناء المدينة العصرية، وإطلاق خطط تنمية طموحة.

ومنذ عين عام 1947 أميرا لمنطقة الرياض، أرسى الأمير سلطان خطة طموحة لتحويل الرياض من مجموعة من القرى والأحياء الطينية المبعثرة إلى حاضرة الدولة السعودية وواحدة من أكثر مدن العالم جمالا، وأسرعها نموا، وأغناها في حجم الاستثمارات، لتمثل الرياض في ما بعد واحدة من معجزات التنمية السعودية.

وفي أول تشكيل لمجلس الوزراء السعودي، في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1953، عين الأمير سلطان وزيرا للزراعة، ومن خلال هذا المنصب أسهم في تجهيز مشروع إعادة توطين القبائل البدوية، وهو المشروع الذي نجح في توطين آلاف القبائل في المدن، وتوفير فرص العمل والتعليم لأبنائها، ورفد الجهاز الإداري والعسكري بالكوادر التي انخرطت في سلك الدولة. وبعد عامين (1955) أصبح وزيرا للمواصلات وأسهم بشكل كبير في تطوير شبكة الطرق والاتصالات. كما أشرف على بناء النظام الوحيد للسكك الحديدية في شبه الجزيرة العربية، الذي يصل الدمام بالرياض.

وفي عام 1963، عين الأمير سلطان وزيرا للدفاع والطيران، واشتغل منذ ذلك الوقت على بناء وتجهيز المؤسسة العسكرية الأبرز في السعودية ورفدها بالرجال، كما أسهم في بناء القوات البرية والجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي. وأشرف على بناء المدن العسكرية في كافة أنحاء السعودية، ليصبح الجيش السعودي واحدا من الجيوش المهمة في المنطقة، من حيث التأهيل والتدريب والتجهيز. كما اشتغل الأمير سلطان خلال هذه الفترة على عدد من المشاريع التي ترسي دعائم المؤسسات في الدولة، بينها ترؤسه لمجلس إدارة «الخطوط الجوية السعودية»، وترؤسه للهيئة الوطنية لحماية وإنماء الحياة الفطرية والوطنية، إضافة إلى ذلك، فإن الأمير سلطان كان رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهي منظمة أسست حديثا تلتزم خدمة المسلمين والأقليات المسلمة حول العالم. كذلك ترأس العديد من اللجان؛ وبينها اللجنة العليا للتعليم، ومجلس القوى العاملة، واللجنة الوزارية للبيئة، ومجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات العسكرية، واللجنة العليا للتوازن الاقتصادي، والهيئة العليا للسياحة، والهيئة العامة للغذاء والدواء. بالإضافة لشغله مناصب مهمة، بينها نائب رئيس المجلس الأعلى للإصلاح الإداري، ونائب رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى. ولتدعيم اهتمامه بالعمل الخيري، فإن الأمير سلطان شكل عام 1995 وترأس مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية التي تأسست لتوفير الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية للمسنين، وبرامج إعادة التأهيل الشاملة للمعاقين. كذلك ترأس وأشرف على بناء وتكوين أكبر موسوعة علمية عربية أسهم في إنجازها آلاف العلماء والمترجمين.

وعلى الصعيد الخارجي، فقد كان الأمير سلطان، ومنذ عام 1962، عضوا في الوفود السعودية التي ترأسها الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز إلى مؤتمرات القمة العربية الإسلامية، وعضوا في الوفود السعودية في الزيارات الرسمية واجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وفي 13 يونيو (حزيران) 1982 صدر الأمر الملكي بتعيين الأمير سلطان بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة لمهامه كوزير للدفاع والطيران والمفتش العام.

وفي الأول من أغسطس (آب) 2005، وعلى أثر مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملكا للبلاد، خلفا للملك فهد، صدر الأمر الملكي بتعيين الأمير سلطان وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرا للدفاع والطيران ومفتشا عاما.

في الجانب الإنساني، كان سجل الأمير سلطان ثريا وزاخرا وتعتبر «مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية» الذراع الخيرية لأعمال الأمير سلطان الإنسانية. وهذه المؤسسة التي أنشأها وينفق عليها ولي العهد منذ عام 1416هـ (1995م)، مؤسسة غير ربحية، وهي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية، والصحية، والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين. كما أن لها نشاطات بارزة في دعم الأبحاث في مجال الخدمات الإنسانية، والطبية، والعلوم التقنية، وتسعى المؤسسة إلى تحقيق أهدافها من خلال عدد من المشاريع والنشاطات، أبرزها:

«مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية»: تعد من أكبر مدن التأهيل الطبي في العالم، وتضم مركزا متكاملا للفحوص الطبية، والمخبرية، والإشعاعية، وغرفا للعمليات الكبرى والصغرى، ومركزا للتأهيل الطبي. كما يوجد في المدينة مركز لتنمية الطفل، والتدخل المبكر لمساعدة الأطفال الذين لديهم بعض الإعاقات البدنية واعتلالات النمو، والمشاكل الصحية المعقدة. وبلغت التكلفة الإنشائية لـ«مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية» أكثر من مليار ريال سعودي.

«برنامج سلطان بن عبد العزيز للاتصالات الطبية والتعليمية - مديونت»: يهدف إلى تقديم خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات للقطاعين الصحي والتعليمي، ويقدم خدمات عديدة، منها: الطب الاتصالي، وخدمات الاتصال المرئي والمؤتمرات متعددة الأطراف، وأنظمة المعلومات الصحية المتكاملة، والتعليم عن بعد، وتصميم وتجهيز الشبكات، وتصميم وتطبيق الشبكات الافتراضية الآمنة.

«مركز سلطان بن عبد العزيز للعلوم التقنية» (سايتك): يسعى إلى نشر مبادئ المعرفة، وابتكارات العلوم والتقنية، من خلال منهجية التعليم بالترفيه، والتعليم بالتجربة والمشاهدة، وتنمية حب الاستطلاع والاستكشاف لمختلف الأعمار. وبلغت تكلفته الإنشائية قرابة 270 مليون ريال سعودي. وقد أهدى الأمير سلطان هذا المركز لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في مدينة الظهران عام 1426هـ (2005) ليستفيد منه أبناء المملكة والخليج.

«مشروعات مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية للإسكان»؛ وتهدف المشاريع الخيرية للإسكان إلى بناء وتمليك الأسر المحتاجة مساكن عصرية نموذجية، وأنجز منها أو قارب على الإنجاز نحو 1550 وحدة سكنية موزعة على عدد من مناطق المملكة، وهي مؤثثة تأثيثا كاملا ومزودة بالخدمات اللازمة. ويضم كل مشروع سكني كافة خدمات البنية التحتية والمساندة. إضافة إلى المساجد، والمدارس، والمراكز الصحية، والاجتماعية، وبلغت تكاليف الوحدات السكنية المنجزة نحو 440 مليون ريال سعودي.

في حين يعمل «صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لدعم المشاريع الصغيرة للسيدات»، لخدمة النساء في توفير مصادر للعمل والاستثمار.

في الجانب العلمي، أسهم الأمير سلطان في إثراء المكتبة العربية بواحدة من أهم الموسوعات العملية، وهي «الموسوعة العربية العالمية»، التي أعدها نخبة من العلماء والكتاب والباحثين، وكان هو رئيس مجلس إدارتها، بالإضافة إلى دعمه عددا من المشاريع العلمية والبحثية؛ بينها جامعة الأمير سلطان الأهلية في الرياض، ودعم مشاريع أبحاث الإعاقة ومراكز المعاقين. ومراكز أبحاث وعلاج أمراض القلب، وأبحاث الشيخوخة والخرف في جامعة الملك سعود بالرياض، وصندوق الحياة الفطرية، ومشروع الأمير سلطان بن عبد العزيز للمحافظة على الصقور، وتأسيس مركز الأمير سلطان الحضاري في حائل.