تعددت الروايات حول من قتل القذافي.. قيادي من الثوار لـ «الشرق الأوسط»: دمه تفرق بين القبائل

آخر اتصال هاتفي أجراه العقيد كان بامرأة في سوريا.. والثوار ردوا على عائشة في الهاتف: «مات أبو شفشوفة»

TT

قال مصدر في المجلس الانتقالي الليبي، إن أصابع الاتهام في قتل العقيد الليبي معمر القذافي بعد أسره حيا، تتجه لعنصر من لواء بنغازي وقياديين آخرين من مصراتة وغريان، وإن المجلس بدأ يتعرض منذ أمس لضغوط من عدة منظمات دولية لتقديم معلومات عن «المتورطين في قتل أسير» لتقديمهم للعدالة باعتبارهم «مجرمي حرب»، إلا أن قياديا كبيرا ومسؤولا في جبهتي سرت وبني وليد، قال ردا على أسئلة «الشرق الأوسط»، إن الثوار فتحوا صفحة جديدة بمقتل القذافي يوم العشرين من الشهر الحالي، ولن يلتفتوا إلى من قتل العقيد الراحل، لأن «دمه تفرق بين القبائل (الليبية)».

وأفاد المصدر بأن المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى تسعى لمطالبة حكام ليبيا الجدد بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات مقتل القذافي، على الرغم من أن المجلس نفسه لم يتمكن - بحسب المصدر - من تحديد المسؤول عن قتل القذافي، مشيرا إلى أن عدة تحقيقات عن ملابسات أسر القذافي وقتله يجريها الثوار في سرت ومصراتة وبنغازي، لكن المصدر نفسه قال إن الثوار يقومون بهذه التحقيقات من أجل «تكريم من تمكن من إلقاء القبض على القذافي وقتله»، لا إدانته.

وقال القيادي المسؤول في جبهتي سرت وبني وليد، والذي أشرف على تحقيقات في هذا الشأن يوم أول من أمس، إنه يشعر بالسعادة لمقتل القذافي، ولا يريد من وسائل الإعلام أن تستمر في السؤال عمن قتل العقيد الليبي، لأن هذا «من شأنه أن يثير المشاكل القبلية في ليبيا الجديدة»، على حد قوله. وأضاف «دم القذافي تفرق بين القبائل».

وعن الشخصيات التي ظهرت في مقاطع فيديو على عدة مواقع إلكترونية بالإنترنت تتحدث عن مسؤوليتها عن أسر القذافي وقتله، قال هذا القيادي «وفقا للتحقيقات المبدئية فإن أول شخص ألقى القبض على القذافي من أبناء مصراتة، رغم أن هناك من ادعى من المنطقة الشرقية (إقليم برقة) أنه من قام بقتل القذافي.. هذه مزاعم غير صحيحة. الصحيح هو أنه كان هناك تبادل لإطلاق النار شارك فيه حتى ثوار من سوق الجمعة (بطرابلس). الدم تفرق بين القبائل.. وهذا ما أستطيع تأكيده».

وتابع القيادي الثوري أن معلومات التحقيقات المبدئية تقول إن فرقا من الثوار قامت بتوجيه نيرانها إلى رتل القذافي بعد تعرضه لغارة جوية من طائرات حلف الناتو.. «الشباب قاموا بضرب الرتل (الذي كان فيه القذافي) بالـ(آر بي جي).. وبعد ذلك تفرق كل من فيه، والقذافي اختبأ في فتحة جسر فوقها شارع، والذي وشى به كان أحد حراسه. الشباب أطلقوا النار في فتحة الجسر الجنوبية بينما كان القذافي مصابا ناحية الفتحة الشمالية. وبهذه الطريقة تم القبض عليه، وشارك أكثر من شاب في قتله، وأنا سعيد بذلك، لأن بقاءه حيا كان سيجعل ليبيا غير مستقرة».

وتابع قائلا في ما يتعلق بتعدد روايات قتل القذافي، إن «هذا ما حدث، وما يقال غير هذا يحتمل الصدق والكذب.. القذافي قتل يوم 20 ليفتح الليبيون يوم 21 صفحة جديدة»، مشيرا إلى أن مطالبة المنظمات الحقوقية الدولية بالتحقيق في مقتل القذافي من شأنه أن يتسبب في إذكاء نار الخصومات بين الليبيين سنوات قادمة.

وتعددت روايات أسر القذافي وقتله، وظهر في أكثر من تسجيل فيديو أكثر من رواية مختلفة. وزعم أحد الثوار من كتيبة اسمها «الغيران والبوسة» أنه كان يجلس أعلى «السيدس» أي الجسر المزدوج الذي كان يختبئ فيه القذافي، حين شاهد قائدا ميدانيا من قبيلة تدعى عويد يشد رجلا أسمر، بعد أن تقدم هذا الرجل لتسليم نفسه والاعتراف بأن المعتصم وأحمد إبراهيم «قاعدين بداخل أنبوب الجسر». وأضاف أنه بعد نحو ساعة أو ساعة ونصف الساعة «رأينا من نحو 10 إلى 15 نفرا في دار قريبة.. مشى لهم الجماعة وشدوهم، بينما نحن كنا عند السيدس ونراقب مجموعة تهرب يمينا وأخرى تهرب يسارا، وكان السيدس (نفق الجسر) الموجود فيه القذافي تحتنا». وأضاف العنصر المنتمي لكتيبة «الغيران والبوسة»، من دون أن يذكر اسمه، أن «مجموعة من ثوار مصراتة فتحوا النار من أحد جانبي نفق الجسر، فخرج من الجانب الآخر خمسة أفراد سلموا أنفسهم مباشرة، وقال أحدهم إن القذافي موجود بالداخل ومصاب». وقال أيضا «عندئذ تقدمت تجاه النفق ورأيت شعره، فتعرفت عليه وقفزت فوقه إلى أن وصل باقي المجموعة التي كانت معي، ثم كثر الناس حولنا، وحملناه جميعا».

وفي رواية أخرى مسجلة، ظهر شخص قال إن اسمه سند الصادق عثمان العريبي من كتيبة بنغازي. واستعرض سترة عسكرية مخضبة بالدماء قال إن القذافي كان يرتديها أثناء القبض عليه، كما استعرض خاتما ذهبيا نزعه من إصبع العقيد مكتوبا عليه اسم زوجته صفية فركاش وتاريخ زواجه بها في 1970/9/10.

وقال العريبي في روايته إنه كان مارا مع مجموعة من ثوار مصراتة في المكان الذي يوجد به نفق الجسر، حين وجد القذافي ومعه مجموعة من الأطفال والنساء، حيث تعرف عليه من شعره. وأضاف «جئت إليه وشددته وقمت بتكتيفه بيدي، فقال لي (أنا مثل والدك)، فضربته على وجهه، فقال مرة أخرى (أنا مثل أبوك)، فلطمته مرة أخرى على وجهه، ثم قمت بإمساكه من شعره وألقيته أرضا، فجاءني ثوار من مصراتة، وقام أحدهم بجذبي يريدون أن يفكوه مني، قلت لهم إنني أريد أن آخذه إلى بنغازي، فقالوا لي (لا لا، ضروري نأخذه لمصراتة)»، مضيفا أن القذافي كان معه مسدس من الذهب أخذه رجل مصراتي، وأنه سحب السلاح وقام بإطلاق طلقة تحت إبط القذافي وفي رأسه.

وفي مصراتة، حيث يرقد جثمان القذافي وبه آثار أعيرة نارية يفترض كثيرون أن مقاتلي المدينة أصابوه بها بعد أن عثروا عليه مختبئا في أنبوب للصرف، فإن جثمان العقيد اعتبر أحدث جائزة عاد بها الثوار لمدينتهم مصراتة. وسبق أن جاء مقاتلون بتماثيل ورموز أخرى لحكم القذافي إلى المدينة استولوا عليها من طرابلس. ورغم ذلك فقد بدا بعض الثوار منزعجين لطريقة التعامل مع الجثمان وعدم احترام حرمة الموتى. وقال أحد مقاتلي مصراتة البارزين إنه يخجل من الأسلوب الذي أبلغت به ابنته عائشة بخبر وفاة والدها، حيث تصادف أن اتصلت بهاتفه الذي يعمل عن طريق الأقمار الصناعية وقت مقتله. وتابع «اتصلت عائشة ورد عليها أحد الثوار وقال (انتهى.. مات أبو شفشوفة)»، مستخدما الاسم الذي أطلق على القذافي بسبب شعره الأشعث الطويل. وقال «إنه عار.. إنها ابنته».

وفرت عائشة ووالدتها واثنان من أشقائها إلى الجزائر بعد سقوط طرابلس، ووضعت عائشة مولودا يوم وصولها.

وجاء ذلك بينما ذكر عدد من الثوار أنهم تلقوا أوامر في مصراتة، حيث يحتفظ بجثمان القذافي، بأن «هنا لم يقتل أحد القذافي»، وقال بعضهم إن تلك الأوامر أزعجتهم، فهم «يفضلون التباهي بما غنموه من أمتعة الديكتاتور الراحل: حذاء أسود ومسدس ذهبي ومنديل بني».

وفي المزرعة التي تحولت إلى مقر قيادة كتيبة الغريان بضواحي مصراتة (شرق)، يلتقط الرجال صورا أمام سيارة مكشوفة استعملت في سرت لاعتقال «القائد» الليبي الراحل وعلى مقدمتها قطرات دم جافة. ومنذ عودتهم يتعانقون ويتسلمون الواحد تلو الآخر الغنائم الثمينة المتمثلة في هاتف جوال وبندقية رشاشة وورقة صغيرة مغلفة بورقة شفافة قال أحدهم ساخرا إنها «تعويذة». وقال أحد عناصر الكتيبة إن «أخر اتصال هاتفي تلقاه (القذافي) على هاتفه الثريا (الفضائي) كان من سوريا، من امرأة».