نقابة الأطباء المصريين.. اكتساح وهمي لـ«الإخوان»

شهدت أول انتخابات بعد 19 عاما من التهميش على يد نظام مبارك

TT

«بيت الحكمة»، أو مبنى مقر نقابة الأطباء، لا يمكن أن تغفله عين المشاهد بشارع قصر العيني في القاهرة، ليس فقط لأن اسمه مقتبس من التراثي العربي، الذي ساوى بين الطبيب والفيلسوف، باعتبار كليهما «حكيما»، يزن الأمور بميزان العقل، ويخلصها من شوائب المرض والداء.

بيت الحكمة، المبني بطرازه الإسلامي العتيق، الذي يقبع على بعد أمتار من ميدان التحرير، مسرح عمليات الثورة المصرية، ويعد رابع النقابات المهنية في مصر، حيث تأسس عام 1949، عادت إليه الحياة بعد أن ظل على مدار 19 عاما في يد قبضة مخاوف الحزب الحاكم (المنحل) بلا انتخابات مهنية، وعاش تحت مظلة اللجنة القضائية المشرفة على النقابات المهنية.

في منتصف الشهر الحالي، وبعد نحو أكثر من 8 أشهر شارك خلالها الأطباء على اختلاف مشاربهم في الثورة وتوحدوا بنبضها، عادوا إلى نقابتهم كمرشحين وناخبين، منقسمين بين «تيار الاستقلال والائتلاف»، الذي يضم التيار الليبرالي والثوري في النقابة، وبين قائمة «أطباء من أجل مصر» المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، في انتخابات لاختيار مجلسهم الجديد، الذي يضم مقاعد النقباء ومجالس النقابات العامة والفرعية.

أسفرت الانتخابات، وفق وصف كثيرين، عن اكتساح الإخوان المسلمين للنقابة، وهو ما يراه نقيب الأطباء السابق، دكتور حمدي السيد، غير دقيق وغير صحيح بالمرة، وكان حمدي السيد هو آخر نقيب منتخب للأطباء في انتخابات عام 1992.

فقد حصدت قائمة «أطباء من أجل مصر»، المحسوبة على «الإخوان»، 18 مقعدا في مجلس النقابة العامة من بين 24 مقعدا، بينما ذهبت 6 مقاعد لقائمة الاستقلال والائتلاف، لكن تلك السيطرة تتلاشى أمام تقاسم القائمتين للنقباء الفرعيين بواقع 13 نقيبا لقائمة الاستقلال و12 نقيبا لقائمة أطباء من أجل مصر، وأمام عدد المقاعد في النقابات الفرعية.

ومن واقع خبرته النقابية الكبيرة، حمل الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء السابق، وهو عضو برلماني سابق، وكان عضوا في لجنة السياسات بالحزب الوطني (المنحل) نظام الرئيس السابق مبارك ما آل إيه أمر النقابة، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام السابق دأب بشكل ممنهج على إضعاف النقابات المهنية وإفقادها أي دور سياسي أو مجتمعي مؤثر، كما أبطل قيم الديمقراطية فيها عبر إلغاء الانتخابات، كما فرض الحراسة على بعضها مثل نقابة المهندسين أو النقابة الفرعية للأطباء بالإسكندرية.. وعبر 19 عاما منعنا من عقد انتخاباتنا».

وعلى الرغم من تجميد الدور المهني للنقابة خلال تلك الفترة، فإنها لم تتوقف عن دورها الثقافي والعلمي والإغاثي، فكانت حلقة وصل لمساعدات إنسانية للصومال وفلسطين وغيرها من البلاد المكلومة، ويزخر مبنى النقابة، الذي يبدو عتيقا من الداخل بحوائطه العالية وأبوابه القديمة، بعشرات من البرامج والجمعيات التعليمية والدراسية لشباب الأطباء.

وعلى درجات سلمه الـ12، شهدت نقابة الأطباء بدار الحكمة وقفات احتجاجية كثيرة ضد نظام مبارك وسياساته سواء الداخلية أو الخارجية، كما شهدت قاعة المسرح في النقابة فعاليات عدة تضمنت انتقادات حادة للحكومات المصرية المتعاقبة.

وفي آخر انتخابات للنقابة عام 1992، سيطر «الإخوان» على 18 مقعدا في النقابة العامة من 24 مقعدا، بينما ذهبت بقية المقاعد لمستقلين لا ينتمون لأي تيارات، وهو ما كفل لـ«الإخوان» القدرة على الإدارة، وفقا للسيد.

اللافت أن أعضاء مجلس النقابة من «الإخوان» تقلصوا عبر الزمن لأسباب مختلفة منها الهجرة والوفاة بل حتى الاعتقال كحال دكتور عصام العريان، الأمين العام المساعد في انتخابات 1992، الذي تعرض للاعتقال عدة مرات.

وفي عام 2011، حصدت القائمة المحسوبة على «الإخوان» 18 مقعدا في النقابة العامة، وهو نفس عدد مقاعد الجماعة في انتخابات 1992، لكنها خسرت أكبر نقابتين فرعيتين هما القاهرة والإسكندرية، اللتين تمثلان 40 في المائة من الأطباء المسجلين، كما تقاسمت مناصب النقباء الفرعيين مع قائمة تيار الاستقلال، وقال ممثلون لتيار الاستقلال إنهم فازوا بـ70 في المائة من مقاعد النقابات الفرعية، ورغم ذلك تناقل المصريون خبر اكتساح «الإخوان» لانتخابات الأطباء، ويعتقد الدكتور حمدي السيد أن وصف «اكتساح» ليس دقيقا بالمرة، حيث يقول: «بالنظر إلى نتائج الانتخابات الفرعية، وحصولهم على 4 مقاعد في النقابة العامة، فإن تيار الاستقلال قد حقق إنجازا كبيرا بالنسبة لفارق الإمكانيات بين الطرفين وقدرة كل منهما على الحشد». واعتبر السيد خلو الانتخابات من اتهامات التزوير والتسويد دليل على بدء تشرب المصريين للديمقراطية الصحيحة.

وجاء سقوط «الإخوان» في نقابة أطباء الإسكندرية مدويا لأنه جاء في معقلهم الأقوى، وفق مراقبين، بسبب تفتيت الأصوات بين «الإخوان» والمنشقين عنهم، كذا بسبب تهميش «الإخوان» لدور جامعة الإسكندرية، وهي التي لعبت دورا فاصلا في نهاية المطاف لصالح تيار الاستقلال، حسب ما قال السيد.

وقال بيان لقائمة الاستقلال، التي تضم ليبراليين ومستقلين ويساريين، إنه يستغرب التغطية الإعلامية المضللة لنتائج الانتخابات، والمحاولات المتعمدة لتشويه الانتصار الكبير الذي حققناه في انتخابات نقابة الأطباء بعد إعلان نتائج النقابات الفرعية في 26 محافظة بفوز تيار الاستقلال بأغلبية المقاعد في 13 محافظة أبرزها القاهرة والإسكندرية.. ولم يكن لتيار الاستقلال مقعد واحد قبل ذلك.

وتابع البيان: «نلاحظ حملة دعائية منظمة تحاول إخفاء الحقيقة وقلب النتائج بالقول إن (الإخوان) فازوا فوزا ساحقا».

اللافت أن نسب المشاركة في انتخابات نقابة الأطباء الأولى بعد الثورة تبدو ضئيلة جدا أمام نسبة المشاركة في انتخابات 1992، فمحمد خيري عبد الدايم، النقيب الجديد حصل على 17 ألف صوت مقابل 9 آلاف لمنافسه طارق الغزالي حرب، ذلك من أصل 250 ألف عضو نقابة عام 2011، لكن قبل 19 عاما، فاز حمدي السيد بمنصب النقيب العام حاصلا على 17 ألف صوت مقابل 13 ألف صوت لمنافسه الدكتور إبراهيم رضوان من أصل 50 ألف عضو نقابة، وهو ما يمثل فارقا رهيبا في نسبة المشاركة.

وأوضح الدكتور عبد الفتاح رزق، عضو المجلس الجديد، أن النسبة العامة لمشاركة الأطباء في الانتخابات بلغت 30 في المائة، بينما بلغت نسبة المرأة في المشاركة في الانتخابات في القاهرة والمحافظات 10 في المائة، من جانبه قال السيد: «كلما زاد عدد الناخبين، قلت فرص (الإخوان) في حصد الأصوات.. والعكس بالعكس».

وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد برز دورها بشكل كبير أوائل تسعينات القرن الماضي من خلال سيطرتها على النقابات المهنية كالأطباء والمهندسين والمحامين، مما جعل نظام مبارك يخطط للسيطرة عليها، وذلك من خلال إصدار القانون 100 لسنة 1993، وهو القانون الذي اعتبره السيد جاء ليقضي على الحياة النقابية والعمل النقابي في مصر، عبر سيطرة الحكومة.

ونص القانون 100، أن لا تتم الانتخابات إلا بحضور 50 في المائة من أعضاء النقابة المسجلين، وإذا لم يحدث فبحضور 30 في المائة منهم، وإذا لم يحدث خلال 3 أشهر أخرى، يترك الأمر للجنة القضائية لتقود النقابة. المثير أن قرار فتح باب الانتخابات الجديدة وضع في يد اللجنة القضائية التي لم تفتحه أبدا.

كما نص القانون على إلغاء مركزية الانتخابات، حيث قررت أن أي تجمع يشمل 500 عضو يكون لهم الحق في صندوق انتخابي، وهو ما سهل تفتيت الأصوات وتزويرها وفقا للسيد، الذي أضاف أن القانون 100 قرر أيضا أن تعقد انتخابات النقابات في يوم عمل عادي في وسط الأسبوع، وليس يوم جمعة، كما اعتادت النقابات، وهو ما أثر على نسبة الحضور. وقبل نحو شهر من سقوط نظام مبارك سياسيا، سقط القانون 100 لعام 93 دستوريا بعدم حكم المحكمة الدستورية في مصر بعدم دستوريته.