الأمير سلطان: أتمنى أن أرى نهضة أميركا وأوروبا في بلادي

أمير الرياض ووزير المواصلات.. تطوير العاصمة هاجسه واهتمام مبكر بتحقيق الإصلاح الزراعي

خادم الحرمين الشريفين في حديث ودي مع الأمير سلطان بن عبد العزيز.. ويبدو الأمير متعب بن عبد العزيز والأمير سلمان بن عبد العزيز (تصوير: بندر بن سلمان)
TT

في عام 1366هـ صدر أمر ملكي من الملك عبد العزيز رحمه الله يعهد فيه إلى الأمير سلطان بن عبد العزيز أن يكون أميرا لمنطقة الرياض وقد حرص الأمير الراحل على أن يجعل الرياض في أفضل صورها والعمل على تطويرها رغم ضآلة الواردات وضعف الميزانية، وعدم وجود هياكل إدارية. ولعل أبرز الأعمال التي أنجزت في عهد الأمير سلطان عندما كان أميرا للرياض فتح شارعين جديدين كبيرين متقاطعين عرض كل منهما ستة عشر مترا يبتدئ أحدهما من بوابة الثميري شرقا وينتهي باتجاه الغرب، ويبتدئ الثاني من بوابة سلام القديمة جنوبا وينتهي إلى قصور الأمراء فالقصر العالي بمحلة الفوطة شمالا. وبلغت تكاليف فتح هذين الشارعين وسفلتتهما واللذان أشرف عليهما الأمير سلطان ما يزيد على 12 مليونا من الريالات تشمل تعويض قيمة بعض الممتلكات الخاصة القائمة بهما والتي يحتاج إلى هدمها لتوسعة الشارعين، وساهم فتحهما في تسهيل حركة المرور للسيارات. وكانت مشكلة المياه هي أكبر هاجس يواجه أمير الرياض سلطان بن عبد العزيز، خاصة أن العاصمة تكبر كل يوم مساحة في العمران ويزداد عدد سكانها، فعمل رحمه الله على إيصال المياه إليها من ناحية الباطن ولبن بعد أن تم جلب آلات الحفر الارتوازية، حيث ركب بعضها ناحية البطحاء حتى أصبح الماء يفيض عن حاجة السكان وذلك في عام 1368هـ. وأشرف على متابعة إنشاء محطة القطار بالرياض، التي بدأ فيها العمل وهو أمير عليها. ورفع أمير الرياض سلطان بن عبد العزيز إلى ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز في مطلع عام 1367هـ طلبا بإنشاء وحدة مطافي في الرياض للسيطرة على الحرائق، ووافق ولي العهد بعد رفعه الأمر إلى الملك عبد العزيز الذي أقر ما رفع إليه. ورفع الأمير سلطان عندما كان أميرا للرياض إلى الأمير سعود بن عبد العزيز حول ما تم تكليفه به من متابعة مشروع إنشاء شركة كهرباء في الرياض واقترح أن يكون اسمها شركة الكهرباء الوطنية بالرياض ووافق ولي العهد على أن تمنح الشركة الامتياز لمدة مائة سنة وإعفائها من الجمارك. ومن المشروعات التي باشر الأمير سلطان بن عبد العزيز أمير الرياض في عام 1367هـ العمل على متابعة تنفيذها بنفسه الطرق التي تم الاتفاق بين الحكومة وشركة «بكتل» على تنفيذها بأمر الملك عبد العزيز ومتابعة الأمير سعود بن عبد العزيز، تعبيد وسفلتة الطريق بين مطار الرياض والقصر الملكي مع طرق فرعية أخرى بتكلفة قدرها 735360 ريالا. وتعبيد وسفلتة جزء من طريق الخرج لمسافة تصل إلى 24 كم بتكلفة قدرها 479160 ريالا. كما باشر التنفيذ والإشراف على توجيه الأمير سعود ولي العهد بفتح شارع بين باب القرى وباب الثميري المخصص للمارة والجمالة حتى يخف الزحام عن شارع الثميري.

* الإصلاح الزراعي

* في عام 1373هـ وهي السنة التي تولى فيها الأمير سلطان بن عبد العزيز منصب وزير الزراعة عند تشكيل أول مجلس وزراء في المملكة، كتبت مجلة «صوت تركستان» الصادرة من القاهرة تقريرا عن وزارة الزراعة وجهود وزيرها الأمير سلطان لتحقيق الإصلاح الزراعي المنشود، وجاء نص ما كتبته المجلة كما يلي: لا تزال في المملكة العربية السعودية مساحات واسعة من الأراضي الخصبة التي لم تستغل بعد أو التي أهملت زراعتها، إلى جانب المساحات الأخرى من الأراضي الطيبة التي لا تزال تزرع بالطرق البدائية القديمة التي لم تعد تتماشى مع ما يتطلبه عصرنا الحاضر من السرعة ووفرة الإنتاج. وقد سارت الحكومة الملكية السعودية شوطا بعيدا في طريق الإصلاح الزراعي واستوردت الكثير من الآلات الزراعية الحديثة ومضخات الري ووزعتها على المزارعين على أن يقوموا بدفع ثمنها بالتقسيط على آجال طويلة ولكنها عادت فأعفتهم مما بقي عليهم من أقساط مساهمة منها في تشجيعهم وتخفيف أعبائهم. ومن حسن حظ هذه الوزارة أن على رأسها وزيرا غيورا جم النشاط هو حضرة صاحب السمو الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي لا يألو جهدا في سبيل توسيع رقعة الأراضي المزروعة في البلاد والنهوض بالمستوى الزراعي العام إلى المكان الذي يناسبها كمملكة مترامية الأطراف، وفيها الكثير من الأراضي الجيدة التي لا تنقصها الخصوبة ولا يستعصي فيها الإصلاح. وقد صرح سموه في كثير من المناسبات بأنه دائب على دراسة الكثير من المشروعات المهمة التي تهدف إلى الإنعاش الزراعي واستغلال أقصى مساحة ممكنة من الأراضي القابلة للإصلاح ومن بين هذه المشروعات إقامة السدود لتخزين مياه الوديان. وإصلاح العيون الطامرة ونشر الثقافة الزراعية ومد المزارعين بما يحتاجون إليه من قروض وأسمدة وبذور فضلا عن تزويدهم بالإرشادات الضرورية والتوجيه الفني. كما صرح بأنه يدرس موضوع مكافحة الآفات الزراعية بأسلحة العلم الحديث وأنه يولي الثروة الحيوانية في البلاد عناية خاصة ولا يدخر وسعا في سبيل تنميتها وتحسين سلالات الماشية والدواجن بما يستورد من الفصائل الأجنبية والممتازة ومما يتبع ذلك من توسيع المراعي والإكثار من علف الحيوان. ولا شك أن ما يبذل الآن في هذه الوزارة من مجهودات جبارة هو لتحقيق الإصلاح الزراعي المنشود.

* لا نهضة من دون مواصلات

* وفي مادة أرشيفية تعود إلى عام 1379هـ نشرتها صحيفة «الناصرية» الصادرة عن معهد الأنجال وهي حديث صحافي أجراه الطالبان بالمعهد الأميران خالد بن سلطان وفهد بن سلطان مع الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي كان وقتها وزيرا للمواصلات وتظهر بعض إنجازات وزارة الموصلات في عهده. انتهز الابنان فرصة وجود والدهما الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير المواصلات في مكتبه، فوقف خالد عن يمينه، وفهد عن يساره، وأمسك كلاهما بورقة وأخذا يوجهان بعض الأسئلة التي تدور حول المواصلات إلى والدهما، ولم يجد الأب بدا من الإجابة، واشترط عليهما ألا تكون أسئلتهما صعبة، مثل أسئلة الامتحان. وبعد أن استمع إلى الأسئلة، وأجاب عنها طلب من ولديه إعلان النتيجة، حيث أجاب خالد قائلا «أشهد لك بالنجاح في المواصلات مائة في المائة». في حين قال فهد «أنت أنجح أب وإني أدعو الله لك بطول العمر». وقد نشر الابنان هذا الحديث في مجلة الناصرية، بأسئلته وإجاباته، إذ سألاه عن أهم المشروعات التي نفذتها وزارة المواصلات، والتي في سبيل التنفيذ؟ وما الغرض من هذه المشروعات.

وهو مارد عليه بقوله حينها «الأفضل أن تقتصر إجابتي على المشروعات التي يجري العمل فيها حاليا، هي: إنشاء عدة طرق هي: من مكة إلى جدة وهو يوازي الطريق الحالي. ومن الطائف إلى عرفات. ومن الرياض إلى خريص. ومن الرياض إلى مرات طريق الخرج الدلم. توسعة ميناء الدمام الصغير، بإضافة مراس جديدة إلى المرسيين الموجودين حاليا، وسيتم هذا المشروع في ذي الحجة سنة 1981هـ، وكذلك إنشاء ميناء صغير للصنادل. توسعة وتقوية محطات الهاتف اللاسلكي ليتسنى زيادة عدد ساعات الاتصال الداخلي والخارجي. أما المشروعات التي تزمع الوزارة تنفيذها فهي: إنشاء أربعة طرق جديدة هي: الرياض القصيم. مرات الطائف وبإتمامه يتم ربط الساحل الشرقي بالمملكة بساحلها الغربي. الطائف أبها. جدة جيزان. ب - إنشاء شبكات تليفونية في المدن الهامة. أما الغرض من هذه المشروعات فهو لا يخفى على أحد إذ إن المواصلات بأنواعها هي شرايين البلاد ولا توجد نهضة من دون المواصلات. وعندما ترون بلادنا بإذن الله وقد ارتبطت كافة أجزائها بوسائل مواصلات حديثة سريعة ستزداد خطوات نهضتنا اتساعا وقوة وثباتا.

* إنجازات رغم الصعوبات

* ولم تتوقف الأسئلة بل استمر سؤال ابنيه، حول الصعوبات في تنفيذ مشروعات الوزارة ونوع هذه الصعوبات؟ وكيفية التغلب عليها، وهو ما رد عليه بقوله «إن العناية والرعاية التي يشمل بها جلالة مولاي الملك بلاده، واهتمام ولي العهد بتقدم هذه البلاد وازدهارها، تسهل لنا كل صعب في سبيل تحقيق ما يصبو إليه الجميع. وعلى كل حال فإن قلة عدد الفنيين وذوي الكفاءات الممتازة في مختلف فروع الهندسية مشكلة رئيسية تواجهنا دائما، ولكننا نعتمد على الله ثم على الجيل الجديد ليملأ هذا الفراغ. بلادنا مترامية الأطراف ولا بد من تسهيل الاتصال بين مناطقها المختلفة، وبينها وبين البلاد الشقيقة المجاورة والطيران وحده لا ينهض بهذا العبء الآن إلا بصعوبة كما يعاني المسافرون كثيرا من المشقة في أسفارهم، فما الوسائل السريعة التي ترونها كفيلة بتسهيل هذا الاتصال والقضاء على تلك الصعوبات؟ حاجة بلادنا إلى وسائل مواصلات سهلة أكثر من حاجة أي بلد آخر لتباعد أطرافها ووجود بعض المناطق الوعرة، ولكننا نرجو أن يأتي سريعا إن شاء الله اليوم الذي نجد فيه بلادنا، وقد انتشرت فيها جميع وسائل المواصلات الحديثة بما في ذلك الطرق الواسعة السهلة والسكك الحديدية والطيران والمواصلات السلكية واللاسلكية.

* أتمنى لأولادي أن يكونوا رجالا يؤدون أجل الخدمات

* وكان للأماني حضورها حيث، كان آخر الأسئلة، إن سموكم زار كثيرا من بلاد العالم واطلعتم على كثير من ألوان الحضارة والتقدم فماذا رأيت في هذه البلاد وتمنيت أن تراه في بلادنا؟ وكيف يمكن أن تتحقق هذه الأماني؟، وهو ما علق عليه الأمير سلطان في ذلك الحين بقوله «تمنيت أن أرى في بلادي النهضة الصناعية والزراعية والعمرانية التي رأيتها في أوروبا وأميركا، ولكنني أتمنى في نفس الوقت أن نظل دائما محتفظين بتقاليدنا ومعتزين بديننا وعروبتنا. ماذا تتمنى لأولادك الذين يدرسون في معهد الأنجال، وما رأيك في هذا المعهد؟. أتمنى لأولادي أن يكونوا رجالا يؤدون لمليكهم وبلادهم أجل الخدمات أما معهد الأنجال فله في نفسي مكانة خاصة وهو دائما محل إعجابي وتقديري. يسرنا أن نسجل على صفحات الناصرية نصيحتكم إلى شباب البلاد وناشئة الجيل. نصيحتي إلى الشباب أن يعتمدوا على أنفسهم قبل كل شيء وأن يضعوا نصب أعينهم دائما حاجة بلادهم إلى جهودهم وقوتهم في سبيل النهوض والازدهار».

* قصة الطريق المعجزة في عهد وزير المواصلات سلطان

* أعلنت وزارة المواصلات في صفر 1374هـ 1954م عن رغبتها في دراسة وتخطيط طريق جبل كراء وقد تبنى الأمير فيصل بن عبد العزيز رئيس مجلس الوزراء حينذاك هذا الرأي وتحمس له، ويقول الأمير سلطان بن عبد العزيز عن تلك الفترة: إن مجلس الوزراء قد انقسم ما بين مؤيد لإنشاء الطريق ومعارض له حتى تعددت الأصوات فصوت الأمير فيصل بصفته رئيسا لمجلس الوزراء لصالح إنشاء الطريق وكانت تلك هي المرة الأولى التي يدلي فيها رئيس مجلس الوزراء بصوته مرجحا الجانب المؤيد لتنفيذ الطريق عبر قمة كرا.

وقام الأمير سلطان بمعاينة الطريق نفسه مشيا على الأقدام بصحبة محمد بن لادن ومهندسيه وقد بدأت المعاينة من الطائف إلى مكة المكرمة. وفي سنة 1377هـ - 1958م وقد أصبح سلطان وزيرا للمواصلات وقعت الوزارة عقد إنشاء الطريق بطول 67 كيلومترا بحيث يبدأ من عرفات الكرا الهدا الطائف ويكون عرض الإسفلت 9 أمتار في الأراضي المنبسطة و11 مترا في المناطق الجبلية وبدأ العمل به في غرة محرم 1378هـ - يوليو 1958م على أن يتم الانتهاء من تنفيذه خلال ثلاثين شهرا.

ورست مناقصة تنفيذ هذا الطريق على شركة المشاريع العامة التي بدأت أعمالها بالفعل في غرة محرم 1378هـ - 28 يوليو 1958م وكانت التكلفة الإجمالية (49.059.150) ريالا. وفي تصريح لصحيفة عرفات أدلى به الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير المواصلات حينذاك وفيه يذكر أن طول الطريق هو (66.500) وسيتم إقامة 150 جسرا على طول امتداده بحيث يكون أطول جسر منها 200 متر وأكد على الانتهاء منه خلال سنتين ونصف السنة، لكن شركة المشاريع العامة لم تستطع الوفاء بالتزامها نتيجة عدم قيامها بدراسة المشروع دراسة فنية وافية فقامت الوزارة بسحب المشروع منها وتسليمه إلى الشيخ محمد بن لادن الذي قام بتنفيذه خلال ثمانية عشر شهرا فقط وتم الاتفاق مع مصلحة الطرق في صفر 1378هـ - أغسطس وبنهاية الشهر التالي كانت عمليات الطريق من الهدا في اتجاه الطائف قد تجاوزت مسافة أكيال وأعلن وكيل وزارة المواصلات حينذاك عبد الله السعد أن الطريق سيكون معبدا ومسفلتا في سنة 1379هـ - 1960م وفي ربيع 1378 نوفمبر 1958م تفقد ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز الأعمال الجارية في الطريق من ناحية الطائف الهدا وأعلن محمد بن لادن أنه في شهر رجب 1378هـ - يناير 1959م سيكون طريق الطائف والهدا بطول عشرين كيلومترا قد تم تنفيذه. وفي شهر ذي الحجة 1379هـ يونيو 1960م هطلت أمطار غزيرة في الطائف سببت بعض الأضرار في سد وادي محرم الذي يعد جزءا من الطريق فقامت وزارة المواصلات بتشكيل لجنة من مهندسي مصلحة الطرق وخبراء السدود بوزارة الزراعة حيث بدأت هذه اللجنة اجتماعها في الثالث من محرم سنة 1380هـ - 27 يونيو 1960م ورفعت تقريرا جاء فيه: إن جميع السدود التي أقيمت بالطريق سليمة ومطابقة للشروط والمواصفات التي تراعي المتانة وقوة العمل. وأن سد وادي محرم لم يكن قد اكتمل عندما هطلت الأمطار. وفي سنة 1383هـ - 1963م كان العمل لا يزال مستمرا في الطريق وكان يسمح بالمرور فيه في بعض أيام الأسبوع إلا أن الصعاب التي كان يتعرض لها المسافرون عبر الطريق الذي لم يكن قد انتهى العمل فيه دفعت وزير المواصلات إلى أن يطلب من شركة بن لادن عدم السماح باستخدام الطريق المذكور. وفي الثالث من صفر سنة 1385هـ - 1965م قام الملك فيصل بن عبد العزيز بافتتاح الطريق الذي بلغت تكلفته الإجماليــة 180 مليون ريال.