رحل أمير «الالتزام» و«العلم» و«الانضباط»

هديته للمبدعين في المناسبات الرسمية كانت ساعته وقلمه وسبحته

TT

«سلطان بن عبد العزيز» رجل «الدين» و«الالتزام» و«العلم»، أمير الكرم والعطاء، تشهد على ذلك أفعاله وعطاياه، فقد اعتاد على تكريم المميزين والمبدعين، ولعل عادته بمد يده إلى جيبه لالتقاط قلمه الفاخر أو «سبحته» أو فك ساعته من معصمه وتسليمها هدية منه إلى أحد رجالات الوطن المخلصين من المواطنين والموظفين, شهادة لتلك الصفات ورسالة منه لتشجيع المهداة له.

سميرة الغامدي، الاختصاصية الاجتماعية، وصفت تلك المبادرات بـ«عفوية الكريم المعطاء، والمحفزة للعطاء»، وتعكس الروح والصفات التي كان يمتاز بها ولي العهد، رحمه الله.

من جانبها، قالت نعيمة العوفي، الاختصاصية الاجتماعية، إن تلك المواقف ما هي إلا دلالة على كرمه الحاتمي، واعتباره أن مقتنياته الشخصية التي يقدمها، ليست أغلى من نجاح الأفراد.

بينما يرى خبراء أن إهداء المقتنيات الشخصية إضافة إلى شخصية الكرم فهي تؤدي إلى مضامين مهمة، فـ«السبحة» تعتبر رمزا للالتزام الديني والانضباط الخلقي، كما تستخدم كثيرا لأغراض التسبيح والتهليل، بينما يمثل «القلم» رمزا للعلم والمعرفة وطلب التزود بالمهارات ورصد المعرفة، بينما تدل «الساعة» على الانضباط والدقة والالتزام بالمواعيد.

وأضافوا أنه عندما كان يقدمها فهو بذلك يعطي شيئا هو يحبه، مما يعني أنه يحب من يعطي إليه الهدية. ويدركون أهميته البالغة في شحن معنويات المهدى إليهم، والرفع من هممهم وزيادة طاقتهم لتقديم المزيد من الجهود والإبداع في مسيرة عملهم الذي تم على أثره الإهداء.

وعرف عن الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - الدقة في اختيار مواعيد هداياه خلال الأحداث والفعاليات حتى يأتي بالفعل دور هذا المواطن الذي يفاجئه الأمير سلطان بأجمل تكريم وأغلى تقدير، حينما يستل سلطان الخير سبحته من يده أو يفك ساعته من معصمه أو يرفع قلمه عن جيبه ليمده إليه بعد أن يسلم عليه بحرارة، ليمثل له ذلك هديتين، الأولى في «حرارة السلام»، والأخرى في إهدائه مقتنى غاليا، كما حدث مع اللاعب مالك معاذ، لاعب نادي الأهلي سابقا والنصر حاليا، بعد تحقيقهم بطولة في الموسم (2007-2008)، حينما أهداه قلمه الخاص، في إهداء مماثل للاعب النادي ذاته حسام أبو داود قبل سنوات.

كما أهدى في عام 1991 الطيار الحربي السعودي العميد عايض بن صالح الشمراني ساعته الشخصية، بعد نجاحه في إسقاط طائرتين عراقيتين اخترقتا حدود المملكة خلال حرب الخليج الثانية، في حكاية تناقلتها وكالات الأنباء العالمية.

وكرم الأمير سلطان في إحدى زياراته للقاعدة الحربية بمنطقة الخرج طفلا يافعا بعد أن ألقى عليه قصيدة، حيث لمح الأمير مدى ذكائه وفطنته الفطرية، حيث ألقى قصيدة شعبية طويلة بكل فصاحة من دون تلعثم أمام حشود الحاضرين في الاحتفال، حيث طلب الأمير تقريبه إليه وإعطاءه ساعته الفاخرة.

ويرى الدكتور سعد المشوح، وهو أستاذ علم النفس في جامعة الإمام محمد بن سعود، أن حالة الإهداء التي يقوم بها الأمير تمثل حالة الإنسان حينما يأخذ شيئا من ذاته، فيطمح إلى أن يكون لدى من يقوم بإعطائه ذلك الجزء في مشابهة للطموح الذي يأمله نتيجة أن ما أعطاه يمثل أعز ما يملك.

وأضاف الدكتور المشوح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن علم النفس يشدد على ضرورة أن لا تُنتزع من الطفل حاجياته وأدواته إلا بالاستئذان منه، نتيجة للطبيعة التي يجسدها برفضه انتزاعه منه، بينما يمكن انطباق الحالة على عملية الإهداء الشخصي، فكيف بعملية الإهداء لمقتنيات يحبها الشخص؟

وقال المشوح: «ما أقصده أنه حينما يسلم الأمير سلطان هدية عبارة عن مقتنى يحبه كـ(المسبحة) أو (الساعة) مثلا، فإنه يدل دلالة واضحة على أنه ارتضى إهداء شيء يمثل قيمة له لطرف يمثل أكثر قيمة بمنجزه أو بإبداعه مثلا»، مضيفا: «فكيف الأمر حينما يأتي الإهداء من موقع المسؤولية والحدث لشخصية قيادية كبرى في البلد؟ حيث يمكنها أن تدفع المهدى إليه إلى مزيد من النجاح».

ويضيف أستاذ علم النفس أن التأثيرات النفسية لن تنحصر في المهدى إليه فقط، بل ستتجه بقوة نحو الآخرين، حيث يشعر سلوك الإهداء الآخرين بضرورة الاهتمام بالمرؤوسين، كما يسمى في علم النفس بـ«سلوك التعلم والاتصال»، مشيرا إلى أن فيها دلائل تشجيعية للنمو الذاتي والاجتماعي للمهدى.

وكان الطالب خالد بن عبد العزيز الصنيع، الحاصل على المرتبة الأولى في تخصصه بنظم المعلومات الإدارية بكلية الإدارة الأهلية بجدة، وصف لـ«الشرق الأوسط» شعوره حينما سلمه الأمير سلطان في حفل تخرج عام 2006، بأنه كان لا يوصف عند تسلمه شهادة تخرجه من يده الكريمة، مبينا أن تلك اللحظة تعد تاريخية في حياته.

وما زاد بهجته حينما قام ولي العهد بإهدائه قلمه الخاص تثمينا منه لتفوقه في تخصصه، وتلك الليلة يصفها خالد بأنها خاتمة رائعة لمشواره في التعليم الجامعي، وحافز للوصول إلى الأفضل وهو يجد التحفيز من سلطان بن عبد العزيز أبي الجميع.

وتمثل «ساعة اليد» و«السبحة» و«القلم» أبرز الهدايا «السريعة» التي يقدمها الأمير سلطان في حالة الحدث، إذ عرف عنه اهتمامه وعنايته بهذه الإكسسوارات، فطوال العقود الثلاثة الماضية حظي كثير من المبدعين من العسكريين والمدنين، وحتى الرياضيين، بالكثير من مقتنيات الأمير الشخصية، في عدد من المناسبات، لدى تحقيقهم منجزات إبداعية، وهو يقوم بذلك الإهداء على خط سنة حسنة في تحفيز المهدى إليه، لا سيما أنه يقوم بذلك فقط لشريحة المبدعين والشجعان وشعراء الوطن، في إشارة واضحة إلى أن الهدية تقدم فقط لمن يبذل ويجتهد وينجح.