الأمير سلطان.. رجل البيئة العربي الأول

أنشأ صندوقا لدعم الحياة الفطرية ومول أطلسا فضائيا ودعم مسابقة لخدمة البيئة

خادم الحرمين الشريفين يتوسط ولي العهد الراحل والأمير سلمان بن عبد العزيز
TT

شكلت البيئة ورعاية برامج إعادة توطين رموز الحياة الفطرية جزءا من اهتمامات الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز الذي تولى قبل أكثر من عقدين رئاسة مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في بلاده، وكان ذلك بمثابة القوة الدافعة والمحركة لعجلة المحافظة على الحياة الفطرية وتذليل الصعوبات والعوائق كافة، مما أدى إلى تحقيق الإنجازات المتتالية في هذا القطاع.

ويعلق الدكتور عبد العزيز حامد أبو زنادة الأمين العام السابق للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في السعودية على ذلك بقوله إن الأمير سلطان يرى دائما أنه جزء من البيئة وتشغله همومها ولا يترك أمرا من أمورها دون توقف ودراسة وتوجيه بحلول صائبة، وقد رعى العديد من المناسبات التي قامت الهيئة فيها بإعادة توطين رموز الحياة الفطرية مثل الاحتفال في محمية محازة الصيد والاحتفال في محمية عروق بني معارض بالربع الخالي. وإذا أوجزنا بعضا مما تحقق على يديه فلا بد أن نذكر أنه قد أصبح الآن في المملكة خمس عشرة منطقة محمية تغطي نحو 4 في المائة من المساحة الكلية للسعودية وما يوازي نصف المساحة المستهدف حمايتها وفقا لمعايير الاتحاد الدولي للمحافظة. بل هناك ثلاثة مراكز متطورة تقوم بإمداد هذه المناطق وغيرها بالأحياء الفطرية النباتية والحيوانية التي يتم إكثارها تحت الأسر. كما ساهمت تلك المراكز في استعادة العديد من أشكال الحياة الفطرية العربية التي كانت قد انقرضت تماما من بيئتها الطبيعية، ويأتي في مقدمتها المها العربية والغزلان العربية والحباري والنعام والوعول والعديد من النباتات والأشجار البرية النادرة مثل اللبخ والآثاب، وتوالت الجهود والدراسات لاستعادة الازدهار والنماء لغابات العرعر. كما اهتم الأمير سلطان بالمحافظة على المناطق البرية الطبيعية ووجه بهذا الخصوص المسؤولين والعلماء والدارسين لدراسة مشكلة أشجار البرسوبس بعد أن تطاحنت الآراء واختلفت في بداية دراسة متأنية لاتخاذ القرار المناسب. وقبل ذلك نرى الأمير سلطان يواجه بحزم وإرادة صلبة لا تعرف المستحيل في التصدي لكارثة تلوث الخليج والتغلب على الآثار السلبية المدمرة لهذا التلوث، وقد أمكن بفضل الله ثم توجيهاته إنقاذ هذه البيئة الفطرية الفتية للخليج وشعابها المرجانية ونظمها البيئية وعادت البيئة لسابق ازدهارها. كما وجه بإنشاء أول محمية للحياة الفطرية في الخليج العربي لتكون بمثابة نموذج يحتذى به من جميع الدول الخليجية، إضافة إلى توجيهه الجهات المعنية بالاهتمام بموضوع منطقة الصمان في السعودية ومختلف المناطق البرية التي تتعرض للتلوث من قبل المتنزهين وتشكيل فرق عمل لوضع الحلول المناسبة لمثل هذه المشكلات. ويضيف أبو زنادة أنه حتى يكون كل مواطن مسؤول عن بيئته ويسهم بحق في المحافظة عليها وحمايتها، فقد أنشأ الأمير سلطان صندوقا لدعم الحياة الفطرية، ليعطي الفرصة كاملة أمام أبناء هذا الوطن للإسهام في الحفاظ على بيئتهم من أجل خيرهم وخير أبنائهم من بعدهم، وقد رعى الحفلات التشريفية للصندوق، ولأنه يعلم أن البيئة والحياة الفطرية لا تعرف الحدود بين الدول، فقد كانت له رؤية أشمل وأوسع بالنسبة للبيئة العربية والدولية، فقد وجه الأمير سلطان بالتعاون التام وتزويد عدد من الهيئات العربية بمجموعات من الكائنات الفطرية النادرة التي تم إكثارها في مراكز أبحاث الهيئة في خطوة لإعادة تلك الكائنات إلى بيئتها الطبيعية، وقد شملت العديد من الدول مثل سوريا، والأردن، والإمارات، والمغرب، وتونس، وأنشأ مركزا متخصصا لأبحاث الحياة الفطرية في منطقة أغادير في المغرب، مما جعله ينال لقب «رجل البيئة العربي الأول»، بل تم اختياره كأحد عشرة الرجال العالميين الذين يعملون من أجل الحفاظ على بيئة كوكب الأرض من قبل وكالة «وتنس» الدولية. وامتد نشاط الأمير سلطان لدعم برامج التوعية البيئية، حيث وافق على إقامة أول مسابقة يجري تنظيمها على مستوى السعودية لخدمة البيئة تحت مسمى «مسابقة الأمير سلطان بن عبد العزيز لخدمة البيئة» لتعطي الفرصة كاملة لجميع القطاعات الحكومية والأهلية والمواطنين للمساهمة العملية من خلال المشاركة في تنظيف بيئة الشعاب المرجانية، وتنظيف البيئة البرية وتنظيف البيئة الشاطئية، ومسابقة لأهل الفكر والكتاب والصحافيين للإسهام في تكريس التوعية البيئية، وقد حققت المسابقة في عامها الأول نجاحا باهرا في جميع الفروع، كما أن رعايته لمشروع التوعية البيئية السعودي، إضافة إلى العديد من الفعاليات العلمية يعد بمثابة النبراس الذي يضيء لجميع العاملين والمهتمين في مجال المحافظة على البيئة والحياة الفطرية طريق النجاح. كما افتتح أول مركز للزوار والتوعية البيئية في مقر الأمانة العامة للهيئة في الرياض عام 1990، والذي استقبل آلاف الزوار منذ افتتاحه من مختلف الشرائح. وامتدت أيضا رعايته لتشمل أنشطة السياحة البيئية من خلال ترؤسه مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة وموافقته على رعاية الندوة الدولية للسياحة البيئية التي تنظمها الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بالتعاون والتنسيق مع الهيئة العليا للسياحة. وشدد الأمين العام السابق للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها على أن السعودية بفضل من الله ثم رعاية ولاة أمر هذه البلاد، خاصة الأمير سلطان، لأنشطة المحافظة على البيئة والحياة الفطرية تبوأت مكانة الريادة، وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال، حتى إن العديد من المنظمات الدولية ذات العلاقة دعت إلى اتخاذ تجربة السعودية الفريدة كنموذج يحتذى به في جميع أنشطة المحافظة على البيئة. واعتبر أن ذلك جزء يسير مما تحقق من نجاحات حازت على تقدير الهيئات والمنظمات الدولية وهو غيض من فيض من أعمال الأمير سلطان فقط في مجال البيئة الفطرية وحمايتها التي تعد جانبا واحدا من جوانب اهتمامه بشؤون البيئة يضاف إلى أعماله في مجال الأرصاد وحماية البيئة وغيرها من مجالات كثيرة تصب في هذا النهر العظيم.

* دعمه لأبحاث الصحراء

* أنشأت السعودية في عام 1406هـ-1986م مركزا متخصصا يتعلق بالبيئة الصحراوية الجافة السائدة في المملكة بهدف تصميم وإجراء البحوث العلمية المتعلقة بتنمية الصحراء ومقاومة التصحر في شبه الجزيرة العربية، وخصوصا المملكة العربية السعودية، وحمل المركز اسم «مركز دراسات الصحراء».

وتقديرا لجهود الأمير سلطان في دعم أبحاث البيئة والمياه تم بموافقة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز في عام 1421هـ تغيير اسم المركز التابع لجامعة الملك سعود ليصبح «مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء»، مما أضاف لأهداف ونشاطات المركز مجالات بحثية أوسع وأشمل وأكثر اهتماما بالقضايا الحيوية التي من أهمها أبحاث البيئة بمفهومها الواسع مع التركيز على دراسات المياه والصحراء، ويسعى المركز خلال مسيرته العلمية والبحثية إلى تحقيق أهدافه من خلال إجراء البحوث والدراسات العلمية وخاصة ما يتعلق بمقاومة التصحر والمحافظة على الموارد الطبيعية والبيئة وتنظيم استغلالها، والتشجير وإكثار النباتات والغابات والمراعي الطبيعية، ويعمل المركز باستمرار على تطوير قدراته الفنية والبحثية في مجال استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية لدعم البحث العلمي في المركز، ويقوم بتنفيذ عدد من المشاريع البحثية والتطبيقية لدراسة البيئة الصحراوية في المملكة باستخدام هذه التقنية بالتعاون مع الجهات المتخصصة.

وتتمثل أبرز أهداف المركز في: تصميم وإجراء البحوث العلمية التي تتعلق بالمناطق الجافة وخاصة البحوث العلمية الخاصة بالبيئة والمياه والصحراء، والتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية داخل الجامعة وخارجها في الدراسات والأبحاث والنشاطات المتعلقة بذلك، كما يهدف المركز إلى تجميع وتوثيق المعلومات التي تتعلق بالبيئة والمياه والصحراء وعرضها بصورة تطبيقية صالحة للاستخدام المباشر، واستخدام التقنيات الحديثة وخاصة الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية في دراسات وأبحاث البيئة الصحراوية، كما يهدف «مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء» إلى تنظيم المؤتمرات واللقاءات والندوات وورش العمل المتعلقة بالبيئة والمياه والصحراء وإعداد دورات تدريبية لتأهيل بعض اللقاءات في المجالات المختلفة المتعلقة بدراسات البيئة والمياه والصحراء وتقنيات الاستشعار عن بعد، وتقديم الاستشارات الفنية والمساعدة التقنية للباحثين والطلبة في الجامعة وخارجها، إضافة إلى النشر العلمي لأبحاث ومواضيع ذات صلة بنشاطات المركز البحثية، كما يهدف المركز إلى دعم وتطوير «جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه» لكون المركز مقرا للأمانة العامة للجائزة.

وقد صدر عن المركز العديد من المؤلفات العلمية والنشرات الإرشادية تضمنت المجتمع وتوثيق المعلومات ودعم البحوث العلمية التي تجريها القطاعات المتخصصة بالجامعة ذات العلاقة المباشرة بالصحراء، ويعمل على تنمية الروابط والتنسيق مع الجهات التي تعنى بدراسات الجفاف والصحراء على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وساهم في العديد من أنشطة الجامعة العلمية وخاصة أسابيع الجامعة والمجتمع، وقدم المركز البذور والأشجار للجهات المهتمة، كما قدم الاستشارات الفنية والعلمية للطلاب والباحثين في الجامعة وخارجها، وأقام المركز عدة مؤتمرات وندوات علمية، كما شارك في مؤتمرات تعنى بموضوع الصحراء، كما أولى المركز موضوع التعاون مع الجهات الحكومية والخاصة محليا وعربيا ودوليا اهتماما خاصا، وشارك في عدد من الأبحاث والمشاريع العلمية وإبرام اتفاقيات تعاون مع بعض الجهات المتميزة علميا التي تتشابه في نشاطاتها البحثية مع المركز أو تكملها.

ولعل أبرز اهتمامات المركز لتحقيق أهدافه يتمثل في أنشطة النظم البيئية الصحراوية، والجفاف ومقاومته، والتلوث البيئي، والتوعية والتربية البيئية، والأثر البيئي للمشاريع، والتغيرات المناخية والإنذار المبكر للكوارث المناخية، وحفظ التوازن البيئي، والسياحة البيئية، وتدهور الأراضي، والتصحر ومقاومته، وتثبيت الكثبان الرملية، والموارد الطبيعية في الصحراء وتنميتها وحمايتها، والغابات والتشجير، والمراعي الطبيعية وإدارتها وصيانتها، والمحاصيل العلفية، وأقلمة النباتات والحيوانات المستوردة في ظروف الصحراء، وحصر وتقييم النباتات البرية المحلية، والاستفادة من حيوانات الصحراء وبصورة خاصة الجمال، والتحسين الوراثي للنباتات والحيوانات المحلية وحماية الأصول الوراثية الفطرية، والمحافظة على الحياة والتنوع الحيواني، وأراضي المناطق الجافة (تربة ورمال)، واستصلاح واستزراع الأراضي بالصحراء، والزراعة التقليدية والتنمية المستدامة في المملكة، وتطوير أشجار النخيل والعناية بشؤونها، والموارد المائية وأساليب توفير المياه وتقليل ندرتها وتطوير تقنياتها، وأنظمة الري المختلفة، وإدارة الموارد المائية وخاصة حصد وتخزين مياه الأمطار، والسياسات المائية لتحقيق الأمن المائي، وترشيد المياه وطرق الاقتصاد في استعمالات المياه للأغراض الزراعية، واستخدام المياه المالحة ومياه البحار في الزراعة واقتصاداتها، واستخدام التقنيات الحديثة في الدراسات والأبحاث وخاصة تقنيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، والطاقة الشمسية واستخدامها في المجالات الزراعية وتنمية الصحراء، والحياة الاجتماعية في الصحراء، والدراسات الاقتصادية المتعلقة بأنماط الاستغلال والإنتاج الزراعي بالصحراء. كما طال اهتمام الأمير سلطان بالبيئة إنشاء أطلس فضائي حيث نفذ هذا المشروع بدعم وتمويل كريم من الأمير سلطان بن عبد العزيز لصالح «مؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية»، وقد تولى «مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء» بجامعة الملك سعود تصميم المشروع وإدارته والمساهمة الفعالة في تنفيذه بالتعاون مع معهد بحوث الفضاء بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بالإضافة إلى مشاركة خبراء وباحثين متخصصين من جامعة الملك سعود والإدارة العامة للمساحة العسكرية وجهات متخصصة أخرى.

ويأتي هذا المشروع تمشيا مع تطورات التقنية الحديثة وتأكيدا لأثر استخدامها في مجال دراسات البيئة ومواردها الطبيعية، إذ ساهم التطور المتسارع في تقنيات الاستشعار عن بعد، وخاصة نظم دراسة مظاهر سطح الأرض بواسطة الأقمار الصناعية في تزايد عدد المشاريع والأبحاث التي يتم تنفيذها باستخدام هذه التقنيات وخاصة في مجال دراسة المعالم الأرضية لما تقدمه من مزايا مهمة تتعلق بالكفاءة العالية في الكشف عن هذه المعالم وتوزيعها وبيان حالتها، إضافة إلى توفير الوقت والجهد والتكاليف وإمكانية دراسة مواقع تصعب دراستها بالطرق التقليدية حيث توفر الأقمار الصناعية الصور والمعلومات اللازمة لدراسة البيئة والموارد الطبيعية لمناطق واسعة في وقت قصير وعلى مستوى إقليمي وبصفة دورية.

وتبرز أهمية أطلس الصور الفضائية للمملكة العربية السعودية من حيث إنه الأول من نوعه في المملكة، حيث جرى تصميمه ليضم الصور الفضائية لأهم الأقمار الصناعية، وخاصة القمر الصناعي الأميركي «لاندسات»، التي تغطي جميع أراضي المملكة، مع تقديم شرح موجز لما يمكن تفسيره من الصور وجمعه من معلومات عن المناطق التي تغطيها، كما تأتي أهمية هذا الأطلس أيضا في أنه يساعد الباحثين والمختصين في التعرف من الصور الفضائية بشكل أولي على جميع مناطق المملكة وطبيعتها الجغرافية ونمط استعمالات الأراضي والامتداد العمراني وتوزع الموارد الطبيعية فيها، حيث تمكن هذه المعلومات من الانطلاق في إجراء المزيد من الدراسات والبحوث العلمية التطبيقية، والتوسع في إجراء دراسات جزئية تفصيلية لاحقة، ويكون بهذا مرجعا مهما ونقطة انطلاق في استنباط مشاريع متخصصة، كما يفيد الأطلس في الحصول على معلومات عن المظاهر البيئية المتغيرة على سطح الأرض مما يسهم في معالجة مواضيع بيئية إقليمية حيوية مهمة كحماية البيئة من التلوث ومقاومة التصحر وأثر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتحرك الكثبان الرملية وتأكل الشواطئ وتلوث المياه، وغيرها، مما يساعد الجهات الحكومية المختصة والباحثين في دراسة هذه الظواهر ومحاولة إيجاد حلول لمعالجة المشكلات الناجمة عنها.

وينجز أطلس الصور الفضائية للمملكة العربية السعودية بشكلين: الأول على شكل كتاب بحجم كبير يضم الصور الفضائية والمعلومات، والثاني على شكل أقراص مدمجة يضم أيضا الصور الفضائية والمعلومات التي سيتم تجميعها، ولكنه يتميز بأنه يتيح إمكانية العرض والبحث، إضافة إلى إجراء تحديث مستمر للأطلس في المستقبل.