تعامل أميركي حذر وواقعي مع الحركات الإسلامية في الدول العربية

مسؤول أميركي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط»: موقفنا من الأحزاب الإسلامية واضح وهو أن تلتزم بالمساواة بين الجميع

TT

هناك وعي وسط صناع القرار الأميركي بأن المنطقة العربية، خاصة الدول التي تمر بانتقال في الحكم، تشهد تصاعدا في نفوذ الأحزاب والحركات الإسلامية في دول اعتبرت «علمانية» منذ عقود؛ وعلى رأسها تونس ومصر وليبيا، بعد الثورات. وبعد تقدم حزب «النهضة» في الانتخابات التونسية، وإعلان رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل أن الشريعة الإسلامية ستطبق في البلاد، تتبلور صورة أوضح حول دور الحركات الإسلامية في تلك الدول. وتتعامل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بحذر مع هذه التطورات؛ إذ يمتنع المسؤولون الأميركيون عن الإكثار من التعليقات حول الأحزاب الإسلامية، بل يركزون على أهمية العمليات السياسية النزيهة، خاصة خلال الانتخابات، لتنتج ممثلين عن الشعب يحترمون العملية الديمقراطية. ولكن من دون شك، هناك مصالح أميركية تسعى واشنطن لحمايتها، خاصة في مصر؛ وعلى رأسها العلاقات مع إسرائيل، وطريقة تعامل الدول العربية مع النزاع العربي - الإسرائيلي. كما أن هناك تشديدا على أهمية «نبذ العنف» وعدم تشجيع أية مجموعات مسلحة سواء كانت فلسطينية أم متطرفة مثل تنظيم «القاعدة».

وأفاد مسؤولون أميركيون ومحللون أن الولايات المتحدة تبذل جهودا وأموالا من خلال المنح لتقوية مؤسسات الدولة، أو إنشائها في بعض الدول مثل ليبيا، لحماية العملية السياسية من استحواذ جهة معينة على السلطة فيها. وهناك برامج أميركية خاصة مثل برنامج تابع لوزارة الخارجية الأميركية في تونس لتدريب الصحافيين على القيام بمهامهم لمحاسبة المسؤولين، ضمن إطار تقوية مؤسسات المجتمع المدني لمنع استحواذ جهة واحدة على السلطة.

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن «موقفنا من الأحزاب الإسلامية واضح، وهو أن على كل الأحزاب السياسية أن تلتزم بحقوق عالمية أساسية مثل المساواة بين الجميع سواء بين الرجل والمرأة، أو المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن دياناتهم». وتعتبر إدارة أوباما أن حماية الحقوق المدنية لجميع المواطنين عامل أساسي في تحديد مسار الانتقالات السياسية في الدول المعنية، خاصة مع صعود أحزاب محافظة أو إسلامية. وأضاف المسؤول أن «المهم أن تكون الحكومات الجديدة مسؤولة وأن يمكن للشعوب أن تحاسبها.. ونحن نتوقع أن تكون هناك وجهات نظر وآراء جديدة وواسعة ممثلة في الحكومات الجديدة».

واعتبرت الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط ورئيسة مركز رفيق الحريري في معهد «المجلس الأطلسي» ميشيل دان، أن «الولايات المتحدة ستراقب حقوق المرأة في تونس لقياس توجه حزب النهضة والحكومة التي سيشكلها، فحقوق المرأة كانت متقدمة جدا في تونس ويمكن قياس تأثرها خلال الفترة المقبلة». وأضافت دان لـ«الشرق الأوسط» أن «واشنطن ستراقب أي تراجع لحقوق المرأة مع تولي أحزاب إسلامية السلطة في الدول التي تشهد انتقالا في السلطة».

وفي حين تحرص إدارة أوباما على تأكيد عزمها على العمل مع أي أحزاب تتولى السلطة في تونس ومصر وليبيا وربما دول عربية أخرى تشهد تغييرا في الحكم، فإن هناك شروطا أساسية لتلك العلاقة؛ وعلى رأس تلك الشروط «نبذ العنف» و«الاعتراف بحق إسرائيل في العيش»، وهما الشرطان اللذان جعلا واشنطن ترفض التعامل مع حركة حماس منذ نجاحها في الانتخابات الفلسطينية. وهناك شرط ثالث أساسي وهو «احترام العملية الديمقراطية»، بدلا من استخدام العملية الانتخابية للانقلاب على العملية الديمقراطية ومنع انتخابات جديدة. وقال المسؤول الأميركي الذي طلب عدم ذكر اسمه إنه «لا يمكن أن تستخدم هذه الأحزاب الديمقراطية لتصل إلى السلطة فقط.. هناك حقوق أساسية يجب أن تحترمها عندما تصل إلى السلطة، مثل حرية التعبير، وحقوق جميع المواطنين، والالتزام بالسلام».

وقالت دان: «من المهم أن لا تحاول الولايات المتحدة أن تقوي طرفا ضد طرف آخر في الدول العربية التي تشهد الانتقال في السلطة، عليها دعم المؤسسات الديمقراطية وبناء مؤسسات الدولة التي ستحمي العملية السياسية». ولكن أضافت: «بالطبع هناك قلق أميركي من تبعات تقدم الأحزاب الإسلامية؛ على سبيل المثال مخاوف من تبعات هذا الاحتمال في مصر على الأقليات الأخرى في البلاد». وأضافت: «القضية الثانية موضوع علاقة مصر المستقبلية مع إسرائيل، فهذا أمر مهم، ولكن هناك تفهم لدى إدارة أوباما بأن عليها أن تتعامل مع مصر بناء على علاقات ثنائية بدلا من علاقات ثلاثية تشمل مصر، مثلما حدث منذ توقيع معاهدة السلام بين المصريين والإسرائيليين». وأردفت قائلة: «بينما إدارة أوباما تبدو متفهمة ذلك، فإن المشكلة هي مع الكونغرس؛ حيث يربط أعضاء الكونغرس علاقة مصر بالولايات المتحدة بعلاقاتها مع إسرائيل، ويراقبون بشدة تصريحات الإخوان المسلمين وأفعالهم»، مما قد يؤثر على العلاقات مستقبلا في حال تقدم الإخوان المسلمين في انتخابات مقبلة. ولفتت دان إلى أن «هناك تصورا خاطئا بأن الولايات المتحدة لا تتعامل مع الأحزاب الإسلامية، وذلك خطأ، خاصة إذا حصلت تلك الأحزاب على مناصب من خلال الانتخابات». يذكر أنه عندما فاز مصريون مرتبطون بالإخوان المسلمين بمقاعد برلمانية في مصر عام 2005، التقى مسؤولون أميركيون معهم، كما أن واشنطن تتعامل مع الأحزاب الإسلامية في العراق وغيرها من دول عربية. وأضافت دان: «إدارة أوباما حرصت على أن تظهر أنها لا تمانع العمل مع الأحزاب الإسلامية.. وقد قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إنه بعد تشكيل الإخوان المسلمين حزبا في مصر سيتعامل المسؤولون الأميركيون معه».

وفي ما يخص المصالح الأميركية في المنطقة وإذا ما كانت واشنطن تعتبر الأحزاب الإسلامية تهدد تلك المصالح، أكد المسؤول الأميركي أن «حكومات منتخبة وتمثل شعوبها ستؤدي إلى دول أكثر استقرارا، وذلك أمر مهم للولايات المتحدة». وأضاف: «تقليديا، الدول الديمقراطية كانت أقرب الحلفاء لنا وتساعد على بناء علاقات إيجابية ثانوية، وهذا ما نبحث عنه مع الدول العربية».

وعندما بارك الرئيس الأميركي أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون للتونسيين بعقد الانتخابات التاريخية في البلاد، لم تكن هناك إشارة إلى طبيعة الحكم المتوقع. ولكن شددا في بيانين حول الانتخابات على أهمية «الشفافية» ومسؤولية الأحزاب والسياسيين أمام الشعب التونسي. وفي ما يخص ليبيا وبعد إعلان عبد الجليل حول «تحرير ليبيا»، رحبت إدارة أوباما بهذه الخطوة من دون التعليق المباشر على تطبيق الشريعة الإسلامية فيها. وقال المسؤول الأميركي المطلع على الملف الليبي إن «المسؤولين في المجلس الانتقالي الوطني الليبي أكدوا لنا التزامهم بمبادئ حقوق الإنسان العالمية والالتزام بحقوق جميع الليبيين وتمثيل القبائل كافة في الحكومة المقبلة.. وهذه قضايا أساسية». وأضاف: «سنواصل الحديث مع المسؤولين الليبيين، خاصة التأكد من التزامهم بتلك المبادئ والاستعداد لحكومة ممثلة للشعب الليبي وأكثر ديمقراطية».

واعتبرت دان أن «تصريحات عبد الجليل تغذي المخاوف من أن الإسلاميين يبقون صامتين خلال الثورات وفترة التقلبات السياسية، ولكن بعد النجاح يظهرون وجها آخر وتظهر أجندة جديدة». وأضافت: «هناك ترقب أميركي لعلاقة الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية في ليبيا وإمكانية تشكيل الأطراف المختلفة حكومة وحدة وطنية». والأمر نفسه ينطبق على تونس ومصر وغيرها من دول عربية خلال الفترة المقبلة.