سرت.. مدينة لا تهدأ ولا تنام

عودة بعض الأهالي تزامنت مع حادث انفجار.. واهتمام دولي بمجازر إنسانية وأسلحة منفلتة

سكان محليون بمدينة سرت يتجمعون حول مستودع للنفط بعد انفجاره أول من أمس مخلفا عشرات القتلى والمصابين (رويترز)
TT

تزامنت عودة عدد من أهالي مدينة سرت المحررة إلى منازلهم، بعد هدوء الأوضاع هناك، مع حادث انفجار راح ضحيته أكثر من مائة قتيل وخمسين مصابا.. كما اهتمت وسائل الإعلام والمنظمات الدولية بما وصف بـ«المجزرة»، والتي اكتشفت فيها جثث لنحو 53 شخصية من مؤيدي العقيد القذافي، الذين قتل أغلبهم برصاصات في الرأس بينما أيديهم مقيدة خلف ظهورهم في عملية يعتقد أنها انتقامية.

ورغم أن طرابلس هي العاصمة وبنغازي هي المدينة التي شهدت مولد الثورة وإعلان تحرر ليبيا الكامل، إلا أن مدينة سرت احتلت منذ سقوطها بيد الثوار يوم الخميس الماضي موقعا متميزا في الخارطة الإعلامية، نظرا لما تشهده من أحداث متلاحقة.

وبدأ عدد من الأهالي، الذين تركوا المدينة بعد تحولها إلى ساحة للقتال بين القوات المؤيدة والمعارضة للعقيد الليبي معمر القذافي، في العودة إلى سرت بعد أيام من استقرار الأوضاع عقب سقوطها بيد الثوار يوم الخميس الماضي.. إلا أن السكان العائدين فوجئوا بحجم الدمار الذي أصاب مدينتهم، والتي كان العقيد الليبي يعتزم يوما أن تكون عاصمة لمشروعه المأمول «الولايات المتحدة الأفريقية».

وبحسب ما وصفه عدد من السكان المحليين لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام، فإن منشآت المدينة قد خربت في الاشتباكات التي استخدمت خلالها كل أنواع الأسلحة، من الخفيفة إلى الآلية إلى قاذفات الصواريخ والقنابل.

ويقدر الخبراء، الذين شاهدوا الدمار الناجم عن المعارك عبر أجهزة التلفاز، أن المدينة ربما تحتاج إلى أعوام لإعادة الإعمار، قائلين لـ«الشرق الأوسط» إن «الخراب ربما يكون قد طال كثيرا من أركان البنية التحتية للمدينة، وهو الأمر الذي يحتاج حتما لتقييم حذر بعد دراسات ميدانية مستفيضة على أرض الواقع».

ورغم اتجاه أغلب سيارات المارة على الطريق، الذي يصل الساحل الليبي من الشرق إلى الغرب، نحو مدينة سرت (التي تتوسط الساحل الليبي في المسافة بين بنغازي شرقا وطرابلس غربا).. فإن عددا لا يستهان به من السيارات المحملة بالأمتعة شوهدت تتوجه إلى خارج المدينة.

وقال بعض المغادرين لوسائل الإعلام إن منازلهم دمرت تماما، ولا بد لهم من البحث عن مكان آخر يعيشون به.. في حين أشار آخرون إلى أن الوضع ما زال غير مطمئن، موضحين خشيتهم من اشتعال الموقف مرة أخرى بين الثوار وفلول قوات القذافي.

ولم يكد المقام يستقر بالعائدين أو أولئك الذين صمدوا داخل المدينة أثناء الاشتباكات، حتى سادت حالة من الهلع بين السكان ليلة أول من أمس.. إذ تسبب انفجار بمستودع للوقود بالمدينة في مقتل نحو مائة شخص وإصابة عشرات آخرين، بحسب الإحصاءات الأولية للضحايا.

وأعلن أمس محمد ليث، قائد كتيبة في قوات المجلس الانتقالي الليبي، أن «انفجارا كبيرا وقع في خزانات الوقود في مدينة سرت، أسفر عن سقوط أكثر من مائة قتيل و40 جريحا»، وأضاف لوكالة الأنباء الفرنسية أن الانفجار «ناجم عن شرارة من مولد كهربائي وضع في جوار خزان للوقود».

وأوضح شهود عيان أن الحادث وقع بينما كان العشرات من المواطنين يتجمعون بكثافة داخل المستودع، مما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا. وأشار الشهود إلى أن المواطنين كانوا يحاولون الحصول على وقود لسياراتهم وشاحناتهم، بعد أن تناثرت بينهم معلومات أن هذا المستودع يحوي نحو مليون لتر من الوقود.

وأضاف عبد الله، أحد الشهود، أن «السكان اكتشفوا أن قوات القذافي كانت تخزن كل الوقود في هذا المستودع أيام كانت تسيطر على المدينة.. بينما منعونا من الحصول على أي قطرة منه. ولذلك شح الوقود بدرجة كبيرة في كل أنحاء المدينة، وصار سعره مرتفعا بشكل جنوني.. علمنا أن الوقود موجود هنا، فحضرنا كلنا للحصول على نصيب منه.. ولكن الانفجار حدث فجأة.. كنا خارج المستودع أنا وبعض الأصدقاء لحظة الانفجار.. ورأينا سيارات وجثثا متفحمة تماما».

وأشار ليث إلى أن الحريق الهائل ما زال مستعرا حتى الساعة (عصر أمس)، قائلا: «النيران ما زالت مستعرة، وطلبنا من حلف شمال الأطلسي مساعدتنا في إخماد النيران»، مؤكدا أن «سيارات الإسعاف تجد صعوبة في انتشال الضحايا بسبب ضخامة الحريق».

وفي سياق يتعلق بمزيد من الأعباء على كاهل المدينة، حذرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان أمس (الثلاثاء) من أن هناك كميات هائلة من الأسلحة المتفجرة غير الآمنة في مدينة سرت الليبية، بما فيها صواريخ «سطح - جو» لا تزال بدون حراسة. وقالت المنظمة في بيان لها: «تعهد المجلس الوطني الانتقالي قبل أشهر بتأمين مستودعات الأسلحة».

وقال بيتر بوكارت، مدير قسم الطوارئ في المنظمة، لوكالة الأنباء الألمانية: «منذ أشهر ونحن نحذر المجلس الوطني الانتقالي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) من المخاطر التي تفرضها هذه المخزونات الهائلة من الأسلحة المتروكة دون حراسة، والحاجة الملحة لتأمينها».

وحذرت المنظمة من أن «الصواريخ سطح - جو يمكنها إسقاط الطائرات المدنية، كما يمكن تحويل الأسلحة المتفجرة بسهولة إلى (مواد لتجهيز) السيارات المفخخة، كتلك التي قتلت الآلاف في العراق وأفغانستان».

ولفت البيان إلى أن الولايات المتحدة تعهدت في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بتقديم 40 مليون دولار لمساعدة ليبيا على «تأمين وتدمير مخزونات الأسلحة الخطيرة»، فيما تعهدت كندا هي الأخرى بتقديم نحو 10 ملايين دولار للمساعدة في الأمر ذاته.

وأوضح بوكارت قائلا: «لقد انتهى القتال الآن، ويجب أن تكون إحدى الأولويات الرئيسية للمجلس الوطني الانتقالي هي تأمين مستودعات الأسلحة والسيطرة على التدفق المنفلت للأسلحة في البلاد».