«جامع الإمام تركي».. شهرته تعدت الجزيرة العربية وأفاض الرحالة في وصفه على مدى قرون

أُديت فيه عصر أمس الصلاة على ولي العهد وارتبط بالملوك والأمراء الراحلين

خادم الحرمين الشريفين تقدم جموع المصلين عصر أمس للصلاة على الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز في جامع الإمام تركي (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

تم في الجامع الكبير (جامع الإمام تركي بن عبد الله) وسط الرياض عصر أمس الصلاة على ولي العهد السعودي الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز وتقدم الملك عبد الله بن عبد العزيز المصلين في الصلاة على الفقيد بمشاركة عدد من زعماء الدول العربية والإسلامية وممثليهم، في حين شارك في مراسم العزاء ممثلون عن 100 دولة من مختلف أنحاء العالم ثم ووري الفقيد الكبير الثرى في مقبرة العود القريبة من الجامع الذي ارتبط بالصلاة على الملوك والأمراء الراحلين بالإضافة إلى المواطنين والمقيمين.

ويعد الجامع الكبير في الرياض من أكبر وأهم المساجد في منطقة نجد، بل ويعد واحدا من أقدم المساجد في المدينة، مع تغير مسمياتها على مدى القرون الماضية، ويعرف الآن بجامع الإمام تركي بن عبد الله، الذي اتخذ من الرياض قاعدة لحكمه، عندما انتقل إليها في منتصف عام 1240هـ (1825م)، وأدخل زيادة في الجامع من الجهة الجنوبية وبعض الإصلاحات الأخرى، كبنائه للأسوار المدمَّرة عقب الأحداث التي شهدتها المدينة في تلك الفترة.

وظل المسجد يقوم بدور الجامع الكبير في المدينة لعقود طويلة، وشهد عدة إضافات وإصلاحات خلال هذه العقود، لعل أبرزها ما تم في عهد المؤسس الملك عبد العزيز، رحمه الله، من بنائه بناء حديثا وإنارته لأول مرة بالكهرباء، بعد إطلاقها في المدينة، ثم افتتح الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، الجامع بعد إعادة بنائه في نفس موقعه السابق ضمن مشروع تطوير منطقة قصر الحكم.

واشتهر الجامع على مدى قرون بحلقاته العلمية، حيث أدى دورا علميا لافتا، كما وصلت شهرته خارج حدود الجزيرة العربية، وأفاض الرحالة الذين زاروا الرياض في وصف المسجد، ويشير راشد بن محمد العساكر، في كتابه «تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الرياض إلى عام 1373هـ (1954)»، إلى أن الجامع الذي يعرف حاليا بجامع الإمام تركي بن عبد الله هو جامع بلد مقرن.. الرياض قبل إطلاق هذا المسمى عليها، ويقع في قصبة القديمة، ومقرن هي إحدى أهم محلات بلد.. حجر اليمامة قبل إطلاق مسمى الرياض الشامل، فيما بعد الثلث الأول من القرن الثالث عشر.

ويأتي امتداد مسمى الرياض لمسمى بلد مقرن التي هي امتداد عام لبلد.. حجر اليمامة وقد يكون من المحتمل أن هذا الجامع بني منذ العصور الإسلامية الأولى، مرورا بفترة الحكم الأموي والعباسي، فيما بعد، ومرورا بالإمارات المتعاقبة على نجد، عبر فترات زمنية مختلفة، حيث كانت الرياض.. حجر اليمامة من أشهر المدن المعروفة في الجزيرة العربية، ولكن اكتنفها بعض الغموض، مثل غيرها، ولا يعرف في الرياض قديما جامع غير هذا الجامع منذ زمن بعيد.

والمقصود أن هذا الجامع تقام فيه أشهر الحلقات العلمية لعلماء بلد مقرن، بالإضافة إلى كونه جامعة علمية يفد إليها طلاب العلم من مختلف المدن والقرى النجدية، ومن أشهر هذه الحلقات العلمية، التي يبدو أنها تمت في مسجد جامع مقرن، حلقة الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن محمد بن ذهلان، مفتي الديار النجدية المتوفى سنة 1099هـ (1688)، حيث درس تلامذته من طلاب العلم فيه، وتخرجوا على يديه وأصبحوا فيما بعد من كبار العلماء والقضاة والمفتين، مثل الشيخ العلامة المحقق عثمان بن أحمد بن قائد الحنبلي، المتوفى سنة 1097هـ (1686)، والشيخ الفقيه أحمد بن محمد بن منقور قاضي حوطة سدير، الذي رحل إلى الرياض للدراسة على الشيخ خمس مرات متفرقة والمتوفى سنة 1125هـ (1713).

كما تلقى العلم عنه الشيخ أحمد بن محمد القصير الأشيقري المتوفى سنة 1114هـ (1703)، ودرس عليه الشيخ محمد بن ربيعة العوسجي قاضي بلد ثادق، والمتوفى سنة 1158هـ (1745)، وأخذ عنه الشيخ عبد الرحمن بن بليهد السيّاري المتوفى سنة 1099هـ (1688)، في القرائن، كما أخذ عنه غيرهم الكثير.

وذكر ابن عساكر أن أقدم ما اطلع عليه من إشارة إلى هذا الجامع، ما ذكره وكتبه قاضي الرياض.. مقرن الشيخ زامل بن موسى بن جدوع بن سلطان بن زامل اليزيدي، وذلك بخطه أنه فرغ من نسخ أحد الكتب الفقهية بعد صلاة العصر، وذلك بمسجد جامع بلد مقرن من قرى نجد، وكان ذلك في سنة 1073هـ (1663)، عندما كانت بلد مقرن من أشهر المدن النجدية، في ما بعد القرن العاشر الهجري.

ويبدو من خلال الوثائق والروايات أنه هو جامع بلد مقرن الرئيس أيضا، كما أشرنا لذلك، ومن المعروف أن ظهور مسمى مقرن، جاء قبل ذلك التاريخ المتقدم بأكثر من قرن وقد استمر مسجد جامع بلد مقرن يؤدي دوره العلمي في الفترات المتعاقبة، فيما بعد من احتمال قيام بعض الإمارات المتتابعة بتشييد هذا المسجد أو ترميمه، وذلك إلى زمن إمارة بلد الرياض في عهد دهام بن دواس، حيث كان قصره موجودا بقرب هذا الجامع.

واستمر هذا البناء إلى وقت سقوط الدرعية سنة 1233هـ (1818)، حيث كان أمير الرياض في تلك الفترة ناصر بن حمد بن ناصر، فأمر بعدئذ أن يضم باقي البلد، ويجعل في قلعة واحدة ذات سور ومكان واحد ويحتمل أن ذلك بإشارة من الباشا ليسهل لهم السيطرة على البلدة.

وعندما ضمت هذه الحارات ازداد عدد السكان، ونتيجة لذلك زيد في مساحة المسجد ليكون كبيرا ذا إمكانية قادرة لاستيعاب المزيد فيما بعد، وذلك في فترة حكم ناصر بن حمد وأخيه عبد الله في سنة 1233 إلى 1240هـ (1818-1825).

وقد ذكر المؤرخ ابن بشر لأول مرة قلعة الرياض، وذلك في سنة 1240هـ (1825)، بعدما حاصرها الإمام تركي بن عبد الله في تلك السنة عندما كانت العساكر المصرية داخل البلدة وحصلت بينه وبينهم وقائع انتهت بإخراجهم من البلدة، حتى ذكر ابن بشر أن الإمام تركي صرم نخيل الرياض، وذلك بعدما اصفرت واحمرت ودمروا زروعها، إلا ما حمته القلعة ودام الحصار نحو شهر، ورئيس العارض إذ ذاك عبد الله بن حمد بن ناصر ملكها بعد أخيه ناصر، فعلم أن قلعة الرياض وسورها كانا مبنيين قبل فترة الإمام تركي، رحمه الله، بالإضافة إلى بعض المصادر المختلفة الأخرى وبعض الوثائق التي تشير إلى أن قلعة الرياض مبنية قبل ذلك.

وبعد دخول الإمام تركي الرياض، كان موجها جهده نحو توحيد البلاد وترميم صفوفها، فتم له ذلك، والمقصود أن الإمام تركي أدخل زيادة لجامع الرياض من الجهة الجنوبية، وبعض الإصلاحات الأخرى، بالإضافة إلى بنائه للأسوار المدمرة.

وقد كانت عادة الإمام تركي عندما يصلي الجمعة في الجامع الكبير، أن يخرج من الباب، الذي يقع جنوب المحراب، وأُعد هذا الباب في قبلة المسجد لدخوله وخروجه ولدخول الإمام دون تخطي رقاب الناس، لكثرة ما في المسجد الجامع من الصفوف، وهذه الإضافات تمت خلال مدة حكمه قبل سنة 1241 إلى 1249هـ (1826-1834).

وفي عهد الإمام فيصل بن تركي رحمه الله، وبعد استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والازدهار، الذي حل في فترة حكمه، تمت زيادة مساحة المسجد، واستحدثت مساقٍ جديدة له، وقام بعمل ممر طويل ومغطى ومحمول على عدد من الأعمدة ليتم توصيلها بين المسجد وقصر الحكم.

ويقوم الإمام فيصل بالصلاة بقرب مكان المنارة فوق سطح المسجد، حيث توجد خلوة صغيرة مخصصة له ليؤدي صلاة الجمعة فيها، وقد تم هذا البناء وكان المشرف عليه مؤذن هذا الجامع الشيخ سلطان بن فهد، المعروف بالتقوى والصلاح رحمه الله تعالى، الذي أوقف على هذا المسجد حائطا له في الجهة الشمالية منه.

وفيما بعد أصبح هذا الجامع أكبر جامع في نجد، في وقت الإمام فيصل بن تركي يزاد في مساحته بهذا الحجم، وقد وصلت شهرة هذا المسجد ودروسه، فيما بعد منتصف القرن الثالث عشر إلى خارج حدود الجزيرة العربية، حيث يذكر الرحالة الفنلندي روجر والن، عن الرياض والدروس التي كانت تعقد في مساجدها، أنه كان متحمسا لسماع المحاضرات التي كانت تعقد في جامع الرياض، بينما ينقل الرحالة بلجريف عن هذا المسجد، عندما زار الرياض، ووصفها وتحدث عنها كثيرا، وذلك في أواخر عام 1279هـ (1862)، حيث جاء في وصفه لهذا المسجد قوله؛ جامع كبير مستوي السطح متوازي الأضلاع، قائم على أعمدة خشبية مربعة، يتسع لأكثر من ألفي مصل في وقت واحد، جله فناء خارجي يتسع لأكثر من ألفين أيضا، خال من الزخرفة أو أي مظهر جمالي آخر، له منارة قصيرة مبنية على سطح المسجد وفوق المحراب مباشرة.

ويذكر الرحالة بلجريف، أنه يوجد بالقرب من مكان المنارة فوق سطح المسجد خلوة صغيرة مخصصة للإمام فيصل يؤدي فيها صلاة الجمعة.

ويصل إليها من خلال الطريق المسقوف، الذي يوصل بين القصر والمسجد مباشرة، وأن المسجد خال من الحصير أو السجاد. ويتابع وصفه فيقول؛ ويقع إلى الجهة الغربية للساحة ممر مقوس طويل مرتكز على أعمدة عالية غير منتظمة يصل هذا الممر مباشرة بين القصر والمسجد الكبير مخترقا الساحة، وتقع خلف أعمدة هذا الممر أسواق أخرى ومستودعات، وأن طول هذا الممر الذي يربط بين القصر والمسجد مائة ياردة.

ويذكر الريحاني أن مئذنة الجامع مميزة، بل بسيطة، فهي ليست قصيرة أو عالية الارتفاع، وهي مثل المآذن الأخرى لمساجد الرياض. وتحدث عن سلم منبر الجامع الذي يصعد منه الخطيب، فذكر أن درجاته قليلة ويشير الريحاني إلى أنه قد دار في ذهنه أن هذا المسجد ذكّره بمسجد قرطبة وأن هذا المسجد نسخة مماثلة لمساجد الأمويين في الأندلس.

وقد ذكر فلبي، أن الملك عبد العزيز يغادر إلى جناحه الخاص ومصلاه فوق الجزء الغربي من المسجد، الذي كان يصل إليه بواسطة جسر مرتفع يربط بين جزأي المسجد عبر السوق، وكان هذا المكان ممتدا بقدر اتساع المسجد، ولكنه لم يكن يتسع لأكثر من صفين طويلين من المصلين كانا يتكونان من أعضاء الأسرة المالكة، وكان الإمام يؤم المصلين هنا أيضا من المسجد أسفل هذا المكان، بحيث تظل النوافذ مفتوحة، لكي يسمع المصلون صوت الإمام، أما القبلة فكانت ترتفع من المسجد إلى الطابق الأعلى.

ويلاحظ في المسجد أن المصابيح الأمامية القديمة منخفضة، بينما تكون المصابيح التي تحد السرحة رفيعة، مما يدل على أن هذا المسجد أدخلت عليه بنايات عديدة وزيادة متتابعة.

توسعة وهدم

* عند القيام بتوسعة الجامع الكبير وبنائه حديثا في سنة 1371هـ (1951)، تم توسيع خلوة المسجد وزيادة طولها لكي تكون متساوية مع العرض، بينما كانت المصابيح في نفس مكانها القديم تقريبا، وزيد في مساحته بعد أن أصبحت بلد الرياض مركز ثقل كبيرا وزادت إليها الهجرات من المناطق الأخرى زيادة أوجبت توسعته، وكان هذا ما حصل، بالإضافة إلى هدم مساق وآبار قديمة وإدخال أملاك وأوقاف عديدة من دكاكين ومحلات وبيوت عُوض عنها أصحابها وتمت توسعته، خصوصا من الجانبين الشرقي والشمالي.

وفي محرم عام 1371هـ (أكتوبر/تشرين الأول 1951)، بدأ العمل بهدم هذا الجامع، وقد استمر العمل لمدة تسعة أشهر، حيث افتتح في السابع من رمضان 1371هـ (الأول من يونيو/حزيران 1952)، ووسع هذا الجامع وأدخل إليه التيار الكهربائي وعممت فيه المراوح وأقيمت على جوانبه مكبرات الصوت وفرشت أرضه بالحصى بصفة مؤقتة، بينما تحصل الفرش المطلوبة له من الخارج وقد أقيمت فيه أول صلاة للجمعة بعد إتمام عمارته، وضاقت أروقة المسجد بالمصلين فيه منذ ذلك اليوم وكان في مقدمة الحاضرين الملك سعود ولي العهد، وقد نقلت مكبرات الصوت الخطبة والصلاة إلى المصلين في أنحاء المسجد وخارجه.

وكان الخطيب والإمام هو فضيلة علامة نجد الشيخ محمد بن إبراهيم وقد كان المشرف على بناء جامع الرياض عبد الله بن راشد بن كليب وفهد بن كريديس.

وفي عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله عام 1408هـ (1988)، وبإشراف مباشر من الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وأميرها المحبوب، بدأ العمل في هدم المسجد الجامع الكبير بالرياض ليتلاءم مع الخطة التطويرية لوسط مدينة الرياض، وهو مبني على نفس موقعه السابق على أرض مساحتها 16800 متر مربع. وفي يوم الثلاثاء 7 رمضان من عام 1412هـ، 11 مارس (آذار) 1992، افتتح الملك فهد، رحمه الله، المرحلة المنتهية من برنامج تطوير قصر الحكم والجامع الكبير.

* أئمة الجامع عبر عدة قرون

* جرت العادة على أن يتولى إمامة الجوامع والمساجد قضاة البلد وطلبة العلم، بالإضافة إلى الخطابة والتدريس، والعلماء الذين سكنوا بلد مقرن هم أئمة الجامع، والذين تولوا القضاء في هذه الجهة عبر فترات زمنية عديدة، وبعض هؤلاء العلماء جرت معرفتهم وذكر شيء من أخبارهم وأسمائهم، وذلك في القرن العاشر الهجري وما بعده، خاصة في بلد مقرن، فمن هؤلاء العلماء وأصحاب الأسر العلمية المشهورة، كأسرة آل ذهلان وعلماء آل زامل الخطيب وآل صالح وغيرهم من العلماء والقضاة فقد تولوا إمامة وخطابة هذا الجامع قرونا عديدة، حيث تولى إمامة الجامع بعد منتصف القرن الثاني عشر الهجري، الشيخ سليمان بن محمد بن أحمد بن على بن سحيم، الذي استوطن الرياض وصار مدرسا في البلد وإمامهم وخطيبهم في زمن دهام بن دواس، أمير بلد الرياض، فيما بعد سنة 1158هـ (1745).

وعند دخول الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود، الرياض في اليوم الخامس عشر من ربيع الآخر من سنة 1187هـ (1774)، أصبح المتولي للإمامة والإفتاء والتدريس والخطابة وإمامة هذا المسجد، الشيخ محمد بن صالح وابنه الشيخ عبد الوهاب بن صالح، رحمهما الله، إلى وقت الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، وعندما توفي تولى مكانه ابنه الشيخ محمد بن الشيخ عبد الوهاب بن صالح، واستمر إماما لجامع الرياض في زمن سقوط الدرعية وإمارة عبد الله بن حمد بن ناصر لبلد الرياض مع قيامه بالتدريس والإفتاء والقضاء في هذا البلد، وإمامة جامعها وللشيخ محمد بن الشيخ عبد الوهاب بن صالح قاضي الرياض رسائل متبادلة مع أئمة الدعوة وغيرهم وأجوبة منهم رحمهم الله تعالى.

وبعد قدوم الإمام تركي بن عبد الله وقيامه بجعل الرياض عاصمة البلاد، قدم العلماء والقضاة وطلبة العلم لبلد الرياض يتقدمهم الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وذلك في سنة 1241هـ (1826)، وتولى قضاء البلد والتدريس فيه وشرع حلقات العلم والإمامة في جامعها في الجمع، وغيرها من الأعياد، مع استمرار الشيخ محمد بن الشيخ عبد الوهاب بن صالح في قيامه بالفروض والتدريس وقضاء البلد، وقد كان الشيخ عبد الرحمن بن حسن يصلي في مسجد آخر هو مسجد دخنة الصغير، بالإضافة لخطابته في هذا الجامع.

مركز علمي وجامعة عظيمة

* وقد كانت الدروس التي تقام في جامع الرياض الكبير في تلك الفترة مركزا علميا وصرحا شامخا لتخريج كوكبة من العلماء، الذين حملوا الأمانة بعد سلفهم، فأصبح جامع الرياض بذلك جامعة عظيمة الشأن، حتى إن تلك الفترة التي تم التدريس فيه والسمعة التي ميزته جعلته يتجاوز شبه الجزيرة العربية، حيث إن الرحالة الفنلندي روجر والن يذكر أن الرياض والدروس التي كانت تعقد في مسجدها، كان السبب الأهم لرحلته الأولى إلى الجزيرة العربية عام 1261هـ (1845)، وأنه كان متحمسا قبل بداية رحلته الثانية عام 64 ـ 1265هـ، (1848)، إلى سماع المحاضرات التي كانت تعقد بجامع الرياض، وممن ينيب الشيخ عبد الرحمن بن حسن المتوفى سنة 1285هـ (1869)، في خطابة الجامع ابنه العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن المتوفى سنة 1293هـ (1876)، الذي انتهى إليه التدريس والخطابة والإمامة في الجامع ويحتمل أن الشيخ حسين بن علي بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو من أوائل من تولى القضاء في بلد الرياض من أسرة آل الشيخ، كما يدل على ذلك عدد من الوثائق القديمة وربما أنه قام بإمامة الجامع والخطابة فيه رحمه الله تعالى، وتوفي في شعبان من سنة 1277هـ (1861).

وقد ذكر الرحالة بلجريف أن الشيخ عبد اللطيف يوزع وقته بين ما يعقده في مسجده من حلقات، وما يعقده في المسجد الجامع الكبير وله ملازمون من كبار العلماء.

وبعد وفاة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، قام تلميذه بإمامة الجامع وخطابته علامة نجد في زمنه وفقيهها ومفتيها الشيخ الشريف محمد بن إبراهيم بن محمود، الذي قام بتدريس الفقه الحنبلي والصلاة بالناس بالفروض الخمسة، وذلك عندما نقله الإمام عبد الله بن فيصل بن تركي لبلدة الرياض، وذلك سنة 1283هـ، وبعد وفاة الشيخ محمد بن محمود رحمه الله، سنة 1333هـ (1915)، صلى بهذا الجامع فترة من الزمن الشيخ القاضي عبد العزيز بن صالح بن موسى بن مرشد المتوفى سنة 1324هـ (1906)، وذلك عن أمر الإمام فيصل بن تركي رحمه الله.

ثم قام بالإمامة بالجامع الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، إماما وخطيبا لجامع الرياض الكبير ومدرسا فيه إلى أن توفي سنة 1339هـ (1921)، وقد كان الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف ينيب في فترات مختلفة من الإمامة والصلوات، لا سيما في شهر رمضان، تلميذه الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عساكر المتوفى سنة 1380هـ (1960).

ثم قام بإمامة الجامع وخطابته الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف لمدة نصف سنة في بعض فترات مرض أخيه الشيخ عبد الله سنة 1339هـ (1921)، ثم قام بإمامة الجامع محمد بن عبد اللطيف، الذي انتهى إليه التدريس والإفتاء، المتوفى سنة 1367هـ (1948)، ومن ثم قام بالإمامة والخطابة أخوه الشيخ عمر بن عبد اللطيف واستمر في ذلك مع صلاة العيدين إلى أن أسنَّ وضعف جسمه وتوفي سنة 1365هـ (1946)، وقد كان في هذه الأثناء الشيخ سعد بن عتيق يقوم بأداء الفروض الخمسة بجامع الرياض الكبير، ويعقد حلقتين للتدريس، إحداهما بعد طلوع الشمس، والأخرى بعد صلاة الظهر إلى أن توفي سنة 1349هـ (1930)، مع قيامه بالصلاة فيه مع الفروض الخمسة، حيث كان الخطيب في وقته الشيخ محمد بن عبد اللطيف، وقد قام مرة أخرى الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بعد إعفائه من القضاء بالإمامة والخطابة وخطب بالجامع الكبير من سنة 1357هـ (1938)، حتى توفي سنة 1366هـ (1947)، ثم خطب به ابنه الشيخ عبد الله، من غير أن يكون إماما في بقية الفروض. وفي بداية سنة 1367هـ (1948)، بقرب رجب، عين الملك عبد العزيز الشيخ إبراهيم بن سليمان آل مبارك إماما لجامع الرياض ومدرسا للطلاب فيه، واستمر إلى ذي القعدة من سنة 1370هـ (1951)، ثم قام بإمامة الجامع الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عدوان.

وممن صلى في الجامع الكبير الشيخ عبد اللطيف بن محمد بن عبد الله آل الشيخ.. والملقب بالمصري وذلك في الثمانينات الهجرية تقريبا.

والمعروف أن بعضا من هؤلاء العلماء والمشايخ السابقين، الذين ذكرناهم ممن تولوا إمامة جامع الرياض، والذين كانوا يؤمون في الفروض الخمسة وبعضهم يتولى الخطابة في هذا الجامع في فترات مختلفة، كان ذلك بأمر الشيخ محمد بن إبراهيم، حيث ينيبهم، وبعد وفاة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف سنة 1339هـ (1921)، فإن الشيخ محمد بن إبراهيم خلفه في الزعامة الدينية والرئاسة العلمية، وتولى ما كان يقوم به عمه في التدريس والإفتاء وإمامة الجامع والخطابة.

ومنذ سنة 1373هـ (1954)، استمر الشيخ محمد بن إبراهيم بالإمامة والخطابة، حتى وفاته عام 1389هـ، ثم خلفه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز خطيبا وإماما وكان ينيبه عند غيابه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، ثم تولى إمامة المسجد وأداء الفروض الخمسة والخطبة وصلاة العيدين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الذي كان أيضا ممن يتولى الخطابة بعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم، وكثيرا ما أناب الشيخ عبد العزيز عند غيابه الشيخ محمد بن عبد الله بن عمر آل الشيخ.

المؤذنون في الجامع

* عندما تولى إمامة جامع الرياض الشيخ عبد الوهاب بن صالح بعد الشيخ بن سحيم في عهد أمير الرياض في ذلك الوقت دهام بن دواس آل شعلان، كان المؤذن فيه في وقت الشيخ عبد الوهاب، الشيخ سلطان بن فهد منذ مطلع القرن الثالث عشر تقريبا، حيث إن بيته أيضا كان بجوار هذا الجامع شمالا، ويحتمل أن بعض أفراد هذه الأسرة تولوا مهمة الأذان في الجامع قبل ذلك، وقد توفي الشيخ سلطان بن فهد فيما بعد سنة 1282هـ (1865).

وبعد وفاته قام ابنه الشيخ عبد الله بن سلطان بن فهد مؤذنا لهذا الجامع، واستمر إلى ما بعد سنة 1274هـ (1958)، عندما كان الشيخ محمد بن الشيخ عبد الوهاب بن صالح يؤم بهذا المسجد.

ثم قام بعد الشيخ عبد الله بالأذان ابنه الشيخ سلطان بن عبد الله بن سلطان بن فهد، حيث كان مؤذنا للجامع بعده منذ القرن الرابع عشر إلى ما بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حيث توفي رحمه الله، في سنة 1364هـ (1645).

ثم قام بعد سلطان بالأذان أخوه الشيخ محمد بن عبد الله بن سلطان، ثم قام بالأذان بعدهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن ماجد، وتلاه بعد وفاته ابنه الشيخ عبد الرحمن بن ماجد ولا يزال قائما بالمهمة إلى اليوم.